وسط إخفاق المسؤولين عن تأمين المعالجات للمشكلات المطروحة، يعيش البلد بأكمله على الانتظار؛ انتظار مبادرات خارجية، انتظار المغتربين، انتظار التحويلات، وانتظار من "يحنّ" علينا وسط العاصفة التي تضرب بلدنا.
الفرص التي نتحيّنها ليست كافية لتتيح الخروج من عنق الزجاجة، لأنّ مدماك الحلّ يبدأ بخطّة محكمة تؤمّن المعالجات، فيما الاعتماد اليوم يقوم على الفرص الموسميّة، كعطلة الصيف أو عطل الأعياد، وعلى المغتربين
"يلي بيجيبوا الرزقة معهم". فهل ذلك كافٍ لتحريك العجلة الاقتصادية وتحقيق نوع من النمو خصوصاً في فترة ما بعد الأعياد؟ وكيف تقرأ آثار الايرادات الموسمية على الاقتصاد؟
لابدّ من الإشارة إلى أنّه بحسب تقرير نشرته وزارة السياحة وصل إجمالي القادمين عبر المطار في العام 2022 إلى ما يقرب من 4 ملايين شخص في مُقابل مليونين في عام 2021، أي ما نسبته 87 في المئة. وتُشير المعطيات إلى أن الزيادة في عدد الوافدين قد تحقّقت في كلّ أشهر السنة الماضية بنسب مختلفة، لا سيّما خلال النصف الأول من العام، حين بلغت أوجها، بدءاً من شهر شباط وصولاً إلى شهر أيلول.
بالإضافة إلى أعداد الوافدين من العرب والأجانب التي ارتفعت بنسبة 69 في المئة لغاية شهر تشرين الثاني من العام بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام 2021، بلغ عدد الوافدين الإجمالي لشهر كانون الأوّل 292 ألف وافد.
وفي هذا السياق، يؤكّد وزير السياحة وليد نصار في حديث مع "النهار" أنّ "هذا الموسم كان مُرضياً، ووصلت الإيرادات النقدية إلى المليار دولار لشهري تشرين الثاني وكانون الاول، فزادت بشكل ملحوظ مقارنةً بالعام الماضي". وأضاف: "حملة "عيدا على الشتوية" مستمرّة لغاية آذار، وتشمل نشاطات سياحيّة، من ضمنها موسم التزلّج، بالإضافة إلى نشاطات جبليّة تتميّز بها هذه الفترة. وبعد انتهائها من الطبيعي تراجع عدد السيّاح. لكن بفضل الحركة الإيجابية لهذا العام، ستتمكّن القطاعات من المحافظة على وتيرتها لغاية شهر آذار".
وتعقيباً على سؤال يخصّ الإيرادات التي دخلت السوق، يُشير نصار إلى أنّ "هذه الأموال لن تحدث فرقاً في ظلّ غياب الثقة وفي ظلّ وضع غير مستقرّ".
المدخول الموسميّ بادرة فرج للّبناني
من جهته، أكّد أمين سرّ نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي في لبنان عارف سعادة في حديث لـ"النهار" أنّ الحركة السياحيّة لهذا العام كانت الأفضل مقارنةً بالسنين الماضية، مضيفأً أن "عدد الوافدين الذي توقّعه وزير السياحة كان صحيحاً وأفضل من جميع التوقّعات، فضلاً عن أنّ الحركة السياحية كانت إيجابية على جميع القطاعات، وبدأت الحركة بالانتعاش في بداية شهر كانون الأوّل، وبالتحديد في الـ17 من الشهر، كما برزت موجة سيّاح من البلاد العربية قادمة من مصر والأردن، بالإضافة إلى عدد من المغتربين اللبنانيين، الذين صبّوا حضورهم لصالح القطاعات السياحية كافة".
ولفت سعادة إلى أنّ النقابة حاولت قدر المستطاع السيطرة على الأسعار، فكانت الأفضل والأقل تكلفة مقارنة بالسنين الماضية، معقّباً بأنّ "أسعار هذا الموسم بالدولار كانت مقبولة نوعاً ما مقارنةً بالسنوات الفائتة".
انعكاسات هذه الحركة على الصعيد الاقتصادي
في هذا الإطار، يرى الدكتور والباحث الاقتصادي أنيس أبو دياب لـ"النهار" أنّه بالرغم من ضخّ الدولارات في السوق المالي، فإن ذلك لن يحسّن الوضع الاقتصادي الراهن، جراء المضاربات التي تُعتبر أشدّ من حركة السوق، خاصةً في ظلّ غياب المؤسّسات المصرفية".
وأشار أبو دياب إلى أنّ "سلبيات الوضع الراهن أصعب من أن تساعدها أموال المغتربين؛ وبالتالي لو كان الوضع مختلفاً لكان تراجع الدولار وصل تقريباً إلى الـ40 ألفاً أو أقلّ. وبإمكاننا تصنيف هذه الحركة الموسميّة بالإنعاش الموقت، لكنّها لن تؤدّي إلى نموّ اقتصاديّ". ويُحدد أبو دياب الانتعاش "بقطاعات محدودة مثل قطاع المطاعم أو السيارات المستأجرة، لكن ذلك لن يساهم بتحريك العجلة الاقتصادية، إذ إنّ جزءاً منها معطّل بسبب القطاع المصرفي".
انطلاقاً من هذا الواقع، يبدو جلياَ أنّ الأزمة تتطلّب معالجات بالعمق لا علاجاً تلطيفياً يتجرّعه ذو المرض العضال؛ فالخبراء يؤمنون بأن النمو الاقتصاديّ لا يتحقّق بمبادرات موسميّة، بل بخطط استراتيجية فيما الوزير يشير إلى أن القطاعات السياحية قد تحافظ على وتيرة عملها حتى شهر آذار؛ فماذا بعده؟