أحمد منتش
لعقود طويلة، بقي خان الإفرنج المحاذي للبحر في صيدا القديمة على لائحة الإهمال والنسيان كما كانت حال معظم المعالم الأثرية والتراثية التاريخية في المدينة القديمة، لأسباب عدّة، أهمّها اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في العام 1975 وما سبقها من حوادث أمنية وتطورات منذ نكبة فلسطين ولجوء النازحين من فلسطين إلى لبنان وإلى مخيّمَي عين الحلوة والمية ومية في صيدا.
لم تبدِ السلطات الفرنسية التي استحوذت على الخان من الأمير فخر الدين الثاني، كنوع من الامتيازات، مقابل تقديم بعض الخدمات له، أيّ اهتمام أو رعاية له، منذ إعلان استقلال لبنان في العام 1943 وجلاء جيوشها عن الأراضي اللبنانية في العام 1946 خلافاً لما كانت تفعله في العقود السابقة من رعاية وصيانة وأعمال ترميم.
منذ ذلك التاريخ، وضع الخان على لائحة الإهمال والنسيان والتهميش، وظلّت أبوابه مشرعة أمام الجميع، واستخدمه البعض لوظائف خاصّة.
بروتوكول بين مؤسّسة الحريري والدولة الفرنسيّة
بعد عام واحد على تحرير صيدا من القوات الإسرائيلية في العام 1985، التي احتلّت منطقة صيدا لمدة ثلاث سنوات (القوات الإسرائيلية اجتاحت في حزيران العام 1982 معظم الأراضي اللبنانية وصولاً إلى العاصمة بيروت)، وقّعت مؤسّسة الحريري في صيدا (أصبح اسمها حالياً مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة) برئاسة النائبة السابقة بهية الحريري، اتفاقاً أو بروتوكولاً مع الدولة الفرنسية، يخوّلها استخدام الخان لأعمال تنظيم معارض فنيّة وبرامج ثقافية وعروض مسرحية ونشاطات تراثية وسياحية، وقامت المؤسسة بإجراء عملية تنظيف وترميم شاملة للخان. ومنذ ذلك الوقت، خصوصاً منذ بداية التسعينيات، فترة بسط الجيش اللبناني سيطرته الكاملة على الأرض في الأول من تموز العام 1991، يُمارس خان الإفرنج دوراً مميزاً ورائداً في إحياء التراث اللبناني وفي تنمية المواهب الثقافية والفنية كما يُسهم بشكل خاصّ في إحياء ليالي شهر رمضان من كلّ عام، حيث تبقى أبوابه مشرعة أمام الزائرين طوال ساعات الليل.
وكما باحته الفسيحة وقاعاته الكبيرة في الطابق الأرضي التي تقام فيها الأنشطة والمعارض والأمسيات الثقافية والفنية، تحوّلت معظم غرفه الصغيرة في الطابقين الأرضي والأول إلى مكاتب ومقارّ لمؤسسة الحريري والمركز الثقافي الفرنسي ولوزارتي السياحة والشؤون الاجتماعية، وكلّ منها يؤدّي دوراً خاصّاً ومميّزاً على كلّ المستويات والقضايا التعليمية والثقافية والتراثية والسياحية والاجتماعية.
سجّلت في الخان حلقات من مسلسلي "ثورة الفلاحين" والباشا"، ويقترع فيه الفرنسيّون وحاملي الجنسية الفرنسية في صيدا والجنوب خلال الانتخابات الرئاسية في فرنسا.
الدخول إلى الخان مجانييفتح الخان أبوابه، يومياً من الساعة الثامنة صباحاً ولغاية الساعة السادسة مساء، والدخول إليه مُتاح بشكل مجّانيّ، وفق ما قالت "تهاني سنتينا"، وهي إحدى المشرفات من قبل مؤسسة الحريري. وأوضحت أن عدد زوار الخان من لبنانيين وعرب وأجانب بلغ خلال شهر آذار من العام الحالي 1022 شخصاً، وفي شهر أيار 2082، وفي كانون الثاني 594، وفي شباط 765، وفي نيسان 1400 شخص.
موقعه وأقسامه
يقع الخان عند الطرف الغربي لصيدا القديمة قبالة البحر. بناه الأمير فخر الدين الثاني في القرن السابع عشر، على مساحة 5 آلاف متر مربع. وهو عبارة عن بناء ضخم مربّع الشكل والزوايا، ومؤلّف من طابقين كبيرين. يتمّ الولوج إليه من بوابتين كبيرتين، الأولى من الجهة الغربية الجنوبية قبالة ميناء الصيادين، والثانية من الجهة الجنوبية الشرقية من خلال ساحة باب السراي قلب المدينة القديمة.
ويتألّف الخان من ثلاثة أقسام "الخان الكبير، وهو بناء أرضيّ مع ممرات في داخل القناطر، حيث تقوم معارض التجّار والإسطبلات والحمّامات، وفي الطابق العلوي غرف نوم التجار والملاحين من مختلف المذاهب من يسوعيين وعازاريين وفرنسيسكانيين.
القسم الثاني هو البيت القنصلي، ويتم الدخول إليه بوساطة درج حجريّ من ناحية سوق البزر، وكان يؤدي مباشرة إلى الطابق الأول. ويتألف البيت القنصليّ من غرف متنوّعة، وكان مخصّصاً لممثل الملك الفرنسي.
وإلى جانب البيت القنصلي، بُنيت كنيسة تُعرف باسم «تراسنتا» أي الأرض المقدسة. أما الخان الصغير فيقع إلى الجنوب الغربي من الخان الكبير ويتّصل مباشرة بالبيت القنصلي.
أطلق عليه اسم خان الإفرنج أي فندق الفرنسيين أو الإفرنج، وهو الأكبر من أصل ستة خانات موجودة في المدينة القديمة، وهي خان الرز والقشلة القديمة والمطرانية والشاكرية والفرنساوي.
الراحل غسان تويني متفقداً خان الافرنج اثناء وجوده في صيدا وإلقائه محاضرة سياسية في المدينة.
مديرة المركز الثقافي في صيدا السيدة صوفي جرجات في مكتبها داخل الخان