أحمد منتش
بمقدار الفخر والاعتزاز الذي لا يزال يشعر به رئيس بلدية صيدا ورئيس اتحاد بلديات صيدا- الزهراني المهندس محمد السعودي، بسبب الإنجاز الذي تحقق بعد فترة على انتخابه رئيسًا لبلدية صيدا واتّحاد بلديات صيدا الزهراني العام 2010، والذي تمثل بإزالة مكبّ جبل النفايات الذي كان موجودًا في العراء بمحاذاة البحر طوال أربعة عقود (المدخل الجنوبي لصيدا)، احتفلت صيدا ومنطقتها بتحقيق الإنجاز تحت شعار " الحلم أصبح حقيقة والجبل تحوّل الى حديقة" سيّما وأنه ترافق مع بناء حاجز مائيّ، وبناء معمل جديد لمعالجة وفرز النفايات الصلبة وبدء العمل به.
أمّا اليوم، وقبل فترة على نهاية ولايته الثانية في رئاسة البلدية والاتحاد، يشعر السعودي بكثير من الحزن والألم وهو يرى أن أزمة النفايات وتراكمها في الشوارع والساحات العامة وداخل الأحياء السكنية عادت لتتصدر الواجهة في صيدا وقرى الاتحاد من جديد، تارة بسبب توقف معمل المعالجة عن العمل نتيجة أعطال، أو عدم حصول أصحاب المعمل على مستحقاتهم المادية، وتارة أخرى بسبب توقف الشركة المسؤولة عن جمع النفايات ونقلها من الشوارع وساحاتها والأحياء السكنية الى معمل المعالجة لأسباب مادية أيضًا، مما ينذر بحصول كارثة بيئية خطيرة جدًّا من خلال إغراق صيدا وقرى الجوار بالنفايات في حال توقّف عمل شركة نقل النفايات أو توقف معمل المعالجة نهائياً عن العمل، أو عدم تمكّن كلّ الجهات المعنية في صيدا والوزارات المختصة في الدولة من تدارك الوضع ومعالجة المشكلة وتوفير الأموال اللازمة لحلها.
أسباب الأزمة والمشاكل
في لقاء خاص لـ"النهار"، استهله المهندس محمد السعودي مرحّباً بحرارة بـ"النهار"، وأبدى أسفه العميق للانهيار الحاصل في البلد بشكل عام، نتيجة الأزمات الكبيرة والمستفحلة على كلّ الصعد والمستويات المادية والاقتصادية والصحية والتربوية والإنمائية التي نعيشها اليوم، والتي انعكست سلباً على مجمل الحياة العامة للناس وعمل المؤسسات والإدارات الرسمية والخاصة، بدءاً من الفراغ الرئاسي وعدم تمكّن المسؤولين من التوصّل الى انتخاب رئيس للجمهورية وصولًا الى انهيار العملة الوطنية بشكل غير مسبوق. ونتيجة لهذا الواقع كان من الصعب تراجع عمل ودور المجالس البلدية، وبعضها تحوّل الى بلديات منحلّة بسبب عدم دفع المستحقّات العائدة لها من الصندوق البلدي المستقل، وعجز معظم وزارات الدولة عن القيام بواجباتها وتحمّل مسؤولياتها.
وكشف السعودي حقيقة وأسباب المشكلة المستجدّة لبقاء النفايات في صيدا وقرى الاتّحاد، وقال: "أنا لا زلت افتخر بأننا استطعنا معالجة مشكلة النفايات في صيدا وإزالة الجبل الذي ظلّ قائماً في الهواء الطلق طوال أربعة عقود، واستمرّت صيدا وضواحيها مدينة نظيفة خلال العقد المنصرم، أمّا الأزمة التي استجدّت اليوم، السبب الرئيسي فيها هو ماديّ بالدرجة الأولى، ناجم عن الوضع الاقتصادي في البلد وانهيار العملة الوطنية والعجز الحاصل في خزينة الدولة وتمنّع الصندوق البلدي المستقلّ من دفع المستحقات المالية العائدة للبلديات".
وأكّد أنّ أزمة النفايات الطارئة على صيدا والجوار متعلقة ومرتبطة بشكل مباشر بعمل الشركة المختصّة بكنس وجمع ونقل النفايات من جهة "ان تي سي سي"، وعمل معمل معالجة النفايات الصلبة في سينيق من جهة ثانية.
عقدان مع شركة النقل وواحد مع معمل المعالجة
الشقّ المتعلّق مع شركة نقل النفايات، كان لنا معها عقدان واحد محصور بكنس ولمّ النفايات والأوساخ من أسواق صيدا التجارية والشوارع، والثاني متعلّق بنقل النفايات من المستوعبات المنتشرة والموجودة في أحياء صيدا الداخلية والشوارع والساحات العامة، وأيضًا من ١٥ بلدة في شرق صيدا وقرى الزهراني المنضوية بلدياتها في اتّحاد بلديات صيدا- الزهراني، وكان هناك اتفاق مع صاحب الشركة ومع أصحاب المعمل أنّه في حال عدم حصولهما على مستحقّاتهما الشهرية، فمن حقّهما التوقّف عن العمل.
بالنسبة إلى العقدين مع شركة نقل النفايات وكنسها، انتهى العمل بهما نهاية السنة الفائتة، وصاحب الشركة لم يعد باستطاعته الاستمرار بالعمل، لأنّه وقبل الأزمة الأخيرة كان له عند الدولة 20 مليار ليرة لبنانية، 15 مليارًا منها منذ أكثر من سنتين كانت قيمتها في حدود الـ 10 ملايين دولار، فيما أصبحت قيمتها اليوم نحو نصف مليون دولار، لذلك نحن نقدّر موقفه، ولكن في الوقت نفسه، النفايات كانت تتراكم في مكانها ووصلت الى البيوت، اتفقت معه على المساعدة، وقمت بالاجتماع مع لجنة المتابعة أو ما أطلق عليها "صيدا تواجه" التي تضمّ رئيس البلدية والنائبان أسامة سعد وعبد الرحمن البزري ورئيسة مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة والمسؤول في الجماعة الإسلامية بسام حمود، واقترحت عليهم انشاء صندوق سلفة بقيمة ثلاثمئة ألف دولار يتمّ جمعها من الميسورين والمقتدرين، على أن تُردّ الأموال إلى المساهمين في الصندوق عند الإفراج عن المستحقّات من الصندوق البلدي المستقلّ، وذلك من أجل حلّ المشكلة في الشركة والمعمل، وأنا شخصياً كنت أوّل المساهمين في الصندوق ووضعت فيه مبلغ 20 ألف دولار أميركيّ، وبعد وقت استطعنا جمع نصف المبلغ المطلوب والباقي تعثّر.
وكشف السعودي أنّ وفد لجنة المتابعة "صيدا تواجه" التقى مؤخرًا رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وكان متجاوباً معنا واتفقنا معه على تجديد العقد مع شركة نقل النفايات لمدّة 5 أشهر حتى شهر أيار المقبل بعد أن وعدنا الرئيس ميقاتي إثر اتصالات أجراها مع بعض المسؤولين والجهات المعنية في الدولة بمبلغ ثلاثة مليارات ونصف من المستحقات العائدة الى البلدية وبلديات الاتّحاد، يتمّ دفعها الى شركة نقل النفايات حتى تستطيع الاستمرار في عملها على أكمل وجه.
وأوضح السعودي أنّ الوضع المتعلّق بمشكلة النفايات حاليّاً هو أنّ الشركة المعنية بكنس وجمع الاوساخ من أسواق صيدا وبعض الشوارع توقّفت عن العمل منذ اليوم الأوّل من السنة الجديدة، وبمبادرة مشكورة من جمعية التنمية للإنسان والبيئة، وبالتعاون مع تجمّع المؤسسات الأهلية في صيدا، وبرعاية رئيس البلدية يعمل متطوّعو هذه الجمعيات يوميّاً بمساعدة عمال البلدية على كنس الشوارع ورفع النفايات والأوساخ ولفترة محدودة آملين التوصّل الى حلّ هذه المشكلة ومعالجتها. أمّا نقل النفايات من قبل الشركة والعمل داخل معمل المعالجة، فلا يزال قائماً وضمن الإمكانيات المحدودة، مع العلم أنّ المعمل يحتاج الى مطمر صحّي للعوادم، وهناك احتمال أن يُصار الى ردمها في بحيرة البحر المغلقة في حال موافقة وزارة البيئة، كما أنّ بعضًا من معداته بحاجة الى أعمال صيانة، فيما تبقى الخشية من حصول كارثة بيئية في حال عدم توفّر الأموال اللازمة والمطلوبة لعمل الشركة ومعمل المعالجة.
ولفت السعودي الى وجود اقتراح لديه سيعرضه على لجنة المتابعة، وفي حال الموافقة سيصار الى جمع مبلغ مئة ألف ليرة لبنانية كلّ شهر من كلّ صاحب منزل أو محلّ لديه اشتراك بالمولّدات الكهربائية، ويتمّ جمعها من أصحاب المولّدات بعد إضافتها على قيمة فواتيرهم عن الاشتراك في الكهرباء، علمًا أن المستحقات العائدة إلى بلدية صيدا من الصندوق البلدي المستقلّ منذ العام 1921 والعام 1922 تبلغ نحو 16 مليار ليرة لبنانية.
قرار الاستقالة من رئاسة البلدية والاتّحاد
وحول طلب الاستقالة الذي تقدّم به مؤخّرًا الى محافظ الجنوب منصور ضو من رئاسة المجلس البلدي في صيدا ورئاسة اتّحاد بلديات صيدا – الزهراني قال السعودي: "بعد أن توصّلنا الى تشكيل لجنة متابعة من أقطاب المدينة لمناقشة ومعالجة مشاكل وهموم المدينة وأبنائها تفاهمنا واتّفقنا جميعاً على العمل يداً واحدة وفي اتّجاه واحد، وبعد فترة صدرت بعض المواقف والتعليقات من البعض تُحمّل البلدية مسؤولية أزمة النفايات، علماً أن الجميع يعرف السبب الحقيقيّ للمشكلة، لذا قرّرت تقديم استقالتي التي لم تُنفّذ بعد، مع العلم أنني لم أسحبها، وفي حال استمررت بالاستقالة - وهو أمر يناسبني- لكنّ ذلك لا يعني أبدًا أنني سأتخلّى عن القيام بواجباتي وتحمّل مسؤولياتي كفرد تجاه أبناء المدينة ومنطقتها، وتجاه بلدي الذي آمل أن يعينه الله على الخروج من محنته وأن يساعده في حلّ ومعالجة كلّ مشاكله وأزماته.
وأكّد السعودي أنّ استمراره في تحمّل المسؤولية في موقعه حتى الآن، تفاديًا لفرط عقد المجلس البلديّ، خصوصاً وأنّ كلّ أعضائه اجتمعوا واتّفقوا على تقديم استقالاتهم في حال استقالتي، فضلًا عن رغبة وتمنّي بعض أقطاب المدينة وفاعليّاتها ورؤساء مجالس بلدية في الاتّحاد وهيئات المجتمع المدنيّ البقاء في موقعي وغضّ النظر حاليًّا عن قراري بالاستقالة.
"ما حكّ جلدك إلّا ظفرك..."
وعلى طريقة المثل الشعبي "ما حكّ جلدك إلّا ظفرك" وبعد توقّف شركة "ان تي سي سي" عن كنس ولمّ النفايات من أسواق صيدا التجارية وتراكم النفايات مدّة يومين، بادر المدير التنفيذي في جمعية التنمية للإنسان والبيئة فضل الله حسونة بالتعاون مع تجمّع المؤسسات الأهليّة في صيدا وبرعاية رئيس البلدية الى إطلاق حملة واسعة لتكنيس الأسواق والشوارع ورفع النفايات تحت شعار "صيدا رح تبقى نظيفة". ولا يزال عشرات المتطوّعين من جمعية التنمية وتجمّع المؤسسات الأهلية يساندون نحو 25 عاملًا في بلدية صيدا في حملة التنظيف، إضافة الى تغطية نفقات الكنس وتنظيف الشوارع ودفع بدل أتعاب عمّال بلدية صيدا.
وأوضح حسونة أنّ المبادرة ستتواصل يوميّاً لأكثر من أسبوع، ريثما يُصار الى حلّ جذريّ لهذه الكارثة البيئية التي قد تشهدها المدينة.