روان أسما
ينتظر اللبنانيّون الربيع والصيف ليتمتعوا بمذاق الفاكهة الموسميّة بطعمها السكريّ وألوانها الزاهية المشرقة، إلّا أنّ نَيسان شاء أن يحطّم هذه الآمال الصغيرة بمنخفض جويّ قاسٍ طغى على زهور اللوزيات بِبَرَده وثلوجه المرصوصة التي لم تستطع براعم الموسم مقاومتها فسقطت وأعلنت انتهاء الموسم قبل بدايته.
ولكلّ محصول درجة حرارة معيّنة لنموّه، وجميع المزروعات بحاجة إلى كميّات من المياه للريّ، لكنّ الأهمّ أن تتساقط هذه الأمطار في الوقت الذي يتناسب مع المزروعات، لأنّ المتساقطات الكثيفة في وقت قصير من الممكن أن تتسبّب بسيول تجرف التربة وتضرّ بالمزروعات.
في اليومين الماضيين، ألحق المنخفض الجوي في المناطق الجبليّة خسائر فادحة بالبساتين التي تنتظر موسماً وفيراً من المحصول. فالتَوَت البراعم وتكسّرت الأزهار وجُرحت حبّات الفاكهة الموسميّة كما تشلّعت البيوت البلاستيكيّة وخسر المزارعون نحو 90 في المئة من المحصول ورزق العام.
أمّا على السواحل وفي السّهول، فلم تتخطّ الخسائر نسبة 10 في المئة لأن غزارة الأمطار لم تؤثر بشكل كبير على المزروعات الشتوية.
تفاوتت الخسائر بين المناطق وفق جغرافيّتها وعلوّها، ففي الجبال والجرود أثّرت سماكة الثلوج على زهور الفاكهة التي لم يحن وقت عقدها هذا العام. وفي الوسط والساحل ضرب البَرَد عدداً من الزراعات التي بدأت بالتّعقيد مثل الخوخ والجنارك والموز في غياب تامّ للحلول البديلة، وفق ما ذكر رئيس جمعيّة المزارعين أنطوان الحويّك.
وأكّد الحويّك أن الزراعات على علوّ 300 متر ضُربت جميعها، كلّ منطقة تلقّت نصيبها من المنخفض، وفي حال اجتاحتنا "شلهوبة" حرّ قويّة تُتلف الموسم بأكمله كموسم الزيتون لأن مسألة الزرع حسّاسة تتوقّف على ساعات ودقائق وفق تعقيد المحصول.
من جهته، اعتبر أحد مزارعي إهدن وبشري بدوي ديب أنّ حبّات البرد كانت كثيرة وغزيرة، فضربت براعم التفّاح والإجاص وكسرتها. أمّا الفاكهة التي عقّدت كالخوخ واللّوز والمشمش، فسقط نحو 90 في المئة من ثمرها على الأرض.
وبالنسبة إلى موسم الأكي دنيا في هذه الأوقات فقد تُلف، إذ تجرّحت حبّاته وسقط قسم كبير منه، والقسم الآخر الذي لا زال على الأشجار من الطبيعي أن يتلف عامله.
أمّا الليمون، فهو أقلّ ضرراً من غيره، لأنّ الموسم أوشك على نهايته ويحتفظ بعض المزارعين بجزء منه للاستفادة من مردوده بسعر أعلى في هذه الأوقات وكلّ ما يسقط على الأرض يتلف.
ومن الطبيعي والبديهي أن ترتفع الأسعار لأنّ تجارة المزروعات عرض وطلب، عندما يقلّ العرض يرتفع الطّلب والكميّات محدودة والخسارة كبيرة، فمن المتوقّع أن نشهد أسعاراً خياليّة في الموسم المقبل.
أمّا في سهل عكّار فالمشهد مختلف، لأنّ هذا الوقت من العام هو الأنسب لريّ المزروعات الشتويّة كالقمح والشعير والحمّص بكميّات كبيرة من المياه. فألقى المنخفض الأخير بخيراته على الأرض وأفاد الثمار والبطاطا ووفّر على المزارعين ملايين الدولارات لشراء المحروقات وريّ المزروعات. ولم يتخطّ الأثر السلبيّ الـ10 في المئة، ولم يلحق أذى كبير بالبيوت البلاستيكيّة سوى بعض الأضرار الماديّة وفق ما أكّد جمال خضر أحد مزارعي سهل عكار.
أمّا عن الخضار التي تُزرع خارج البيوت البلاستيكيّة فتُلفت حكماً لأن أغصانها رفيعة ولا تستطيع تحمّل ثقل الثّلوج وكبر حبّات البَرَد، حتى إنّ بعض البيوت البلاستيكيّة قد تمزقت وأُخرى تلفت بشكل نهائي ما يسبب خسارة كبيرة في موسمي البندورة والبصل بشكل أساسي.
وفي المناطق المرتفعة عن البحر بنحو الـ300- 400 متر دمّر المحصول وخسر المزارعون الموسم بأكمله، ومن الممكن أن نحتاج إلى استيراد كميّات كبيرة من المزروعات التي من المتوقّع أن تُعرض في السّوق بضعف ثمنها لأنّ النقليّات والمحروقات هذا العام عالية الكلفة.
وممّا لا شكّ فيه أّنّ المناطق الجبليّة هي المناطق الأكثر تضرراً حيث تكسّرت براعم اللّوزيّات وتلفت قبل أن تتفتح. لكنّ الأضرار الحقيقية والكلام الدقيق يظهر خلال الإحصاءات والمعاينات في الـ5 أيّام المقبلة وفق ما أكّد رئيس مصلحة الزّراعة في عكّار طه مصطفى.
أراضٍ زراعية بانتظار محصول وافر بفعل نِعَم المنخفض الأخير وأُخرى ضُربت وتكبدت خسائر لا تُحصى. فهل يختم نيسان موسم "الشتوات" ويُعلنها "الشتوة الأخيرة"؟ وهل من معجزة مناخيّة من شأنها إنقاذ موسم اللوزيات والزيتون؟ أم أنّ الموسم أعلن نهايته منذ البداية ولا خيرات محلية في السوق هذا العام؟