برعاية وزيري الإعلام زياد المكاري والثقافة محمد وسام مرتضى، أقامت عائلة المفكر الراحل زياد سعادة ندوة تكريمية له في ذكرى رحيله وبمناسبة صدور كتاب "البارابسيكولوجيا والإنسان"، وذلك في قاعة محاضرات مؤسسة الصفدي. وقد حضر إلى جانب مكاري وممثل مرتضى المحامي شوقي ساسين، النائب السابق سمير الجسر والسيدة سليمة أديب ريفي ونقيبة محامي الشمال ماري تيريز القوّال ورئيس مجلس إدارة مؤسسة مياه لبنان الشمالي المهندس خالد عبيد وحشد من أصدقاء المفكر سعادة وحضور من المهتمين.
بداية، عُرض فيلم وثائقي عن سعادة المفكر والرجل والزغرتاوي والزوج والحبيب والابن والأخ.
ثم كانت كلمة وزير الإعلام زياد المكاري، الذي قال: "مع زياد سعادة يتجدد اللقاء في رحاب الفكر الإنساني، رحل الصديق الشغوف بالفلسفة و المثقف الهادئ بالجسد لكن ترك لنا شعلة لا تنطفئ، فتحية لمن حملها من زوجته الصديقة هدى شديد كما أفراد عائلته و محبّوه و أعدادهم وفيرة. ويحمل دلالات كثيرة، أن نلتقي في طرابلس تحديداً لتخليد ذكرى زياد سعادة و الحديث عن البارابسيكولوجيا والإنسان، هذه المدينة التي تحتضن كل أبناء الشمال تستحق بذل الجهود لتحسين واقعها و فتح مجالات التنمية بشكل جدي و فعال".
بدوره، أشار الدكتور مصطفى الحلوة إلى أن "الرحيل استعجل سعادة وهو في أوج عطائه، وانهزم منه الجسد لكنه بقي روحاً ينبعث كتاباً يبقى".
وتطرق الحلوة إلى فلسفة سعادة في خوض معركة مواجهة تهمة البارابسيكولوجيا، والى ما آلت إليه كعلم بذاته يدرّس في الجامعات.
من جهته، لفت الدكتور جورج طراد إلى صعوبة كتابات سعادة لما تكتزنه فكرياً، مشيراً إلى "ثقافة سعادة والتعامل مع العلوم البالغة الصعوبة تعامل الخبير".
وشدّد على أن "الأهمية تكمن في سعي سعادة إلى الحؤول دون أن تبقى البارابسيكولوجيا رهن العلوم الرسمية، فحرص على نشرها لتتحول إلى مادة منتشرة".
وتحدث بيتر نون عن جمعية "Kids first" التي يعود ريع الكتاب لأطفالها، ولفت إلى "أهمية استخراج الإبداع من رحم الآلام"، منوّها بما تركه سعادة، مشيراً إلى عجيبة قدرة ابجدية سعادة على الشفاء.
وشكر نون سعادة على أمانة الأدب والرقي وأمانة هدى شديد التي اختبرت الألم، وشكر سعادة أيضاً على أمانة والدته.
المحامي شوقي ساسين ممثلاً وزير الثقافة محمد وسام مرتضى، ألقى كلمة بعنوان "زياد سعادة الإنسان"، لفت فيها إلى أن "ما بين طَرفةِ حبرٍ وانتباهتِه، كان على يراعتي أن تغطَّ ريشتَها في ذكرى زياد سعادة، وتحركَ في قعر الدواةِ أخباراً عن فصولِه البارابسيكولوجية، علَّ مدادَها يسربُ في علم النفس وما وراءَه، والفلسفةِ وما بين يدَيْها، إلى أعماقٍ كان الراحلُ يسبرُ أغوارَها ويستخرجُ لآلئها ويقدمُها هدايا للفكرِ في تجلياتِه المشرقة. ولا أكتمُكم خشيةً استبدَّت بي، منذ الجملة الأولى، لأنني ما كنتُ يوماً بظانٍّ أن هذه المواضيعَ الشائكةَ معرفيّاً تُسلسُ معانيَها لمنبرٍ سريع الهنيهات، ما يوشك صاحبُه أن يعتليَه حتى يترجَّلَ عنه؛ ولا خيِّلَ لي مرة أنني قد أكون واحداً ممن يخطبُ في مثلها، لاقتناعي بأن الغوصَ في لجةِ “الترابط بين الواقع الخارجي والظواهر الباطنيةِ التي تكتنفُ الذات الفرديَّةَ في تذكُّرِها وانفعالِها وتفكيرِها”، يستدعي سباحةً ماهرةً لا يتقنُها إلا الراسخون في بحور النفس، وما أنا منهم، فكيف بي والكلامُ في زياد سعادة وفكره، يتجاوزُ الما وراء البعيد، إلى ما وراءَه الأبعد؟".
وتابع: "لكن التكليفَ يفرضُ أن أستجيب. فما عتَّمَ، حين أمسكتُ الكتابَ على عُجالةٍ، أن قفز إلى عينيَّ سؤالٌ عن موجبِ استعمال هذا المصطلحَ الفلسفي بعينِه “الما وراء”، في التعريفِ بعلمٍ يتناولُ قواعدَ الإدراك من خارج الحواسّ، أو بعبارةٍ هندسيةٍ، علمِ تخطيطِ الدرب الذي تسلكُه خُطى النفسِ في مسيرِها إلى الغدِ الساكن قدّامَها، فكيف يعرَّفُ إذن بالوراء والما وراء؟ ولقد زاد السؤالَ حضوراً في ذهني، أن التوغُّل العجِلَ في تصفُّحِ الكتاب بيَّنَ لي أن الراحل زياد سعادة، في بحوثه الفلسفية، كان يسعى فعلاً إلى أمام، ويحاول أن يرسي منهجاً علميّاً لتفسير الظواهر النفسية الخفيّة كالتخاطر والتنبؤ والخوارق وما إليها، وهي كما ترَون ظواهر تتطلعُ إلى المستقبل، ثمَّ إني تذكرتُ في هذا المعنى قول أبي العلاء: “ورائي أمامٌ والأمامُ وراءُ”، فأدركتُ أنَّ بحر علم النفسِ وما وراءها، لا يحتاج قبطانُه إلى بوصلةِ شِمالٍ ونجمةِ صبح، لأنَّ الجهاتِ تشتبكُ فيه وتضيعُ الخرائط والمراكبُ والشطوط".
وأضاف: "في كلِّ حال، هذا لم يشغل قطُّ لزياد سعادة قلماً ولا حلماً. فخرائط البارابسيكولوجيا عنده كفيلةٌ برسم تضاريس الكون كلِّه، انطلاقاً من لواعجِ النفسِ الخفيّةِ وصولاً إلى مدارجِ الغيبِ المجهول. حتى إنه في عشرينيّاته، وما قبلَها، استطاع أن يبلغ هذا المبلغَ من الشغف الفلسفي، ويحوزَ هذه الملَكَةَ الفكريةَ من القراءة والتحليل والكتابة، وهذه القدرةَ النفسيةَ على الحبِّ حتى انقطاعِ الأنفاس. ومن يتأمّلْ في تضاعيفِ سيرتِه القصيرةِ والبليغة، يجدْه وقد توزَّعَتْه تكاليفُ الفكرِ، تثقٌّفاً وتثقيفاً، وتعليماً وتأليفاً، وهوىً مستعراً، وسكنى قلوب، حتى صار هذا كله ضمادَ روحِه من آلامِ الجسد، ومرقاةَ نفسِه إلى ما أمامَها من بقاء".
وألقت زوجة الراحل الزميلة هدى شديد كلمة تناولت فيها سعادة الحياة والفكر والحب والمرض والصبر، وعرضت تجربتها مع السرطان منوّهة بدور من وقف معها والمؤسسات الإعلامية التي لازمت علاجها مراراً مع تجدد المرض.
من جهته، تحدّث المحامي طوني شديد، شقيق هدى، عن سعادة الذي علمه وطوّر من قدراته العلمية، ثم تحوّل بعد رحيله حافزاً وسبباً للانطلاق بقوة للنجاح. وتلا سفراً من الكتاب المقدس عن الرحيل وتحوّل الراحلين الى دور أكثر إضاءة بعد انتقالهم.
ختاماً، أخذت صورة تذكارية للعائلة والوزير المكاري وممثل الوزير مرتضى.