أحمد منتش
مصبنة عودة لصناعة الصابون في صيدا تعود إلى القرن السابع عشر. اشترتها عائلة عودة في العام 1880 من أحد كبار الشخصيات العثمانية علي آغا حمود، إلى جانب قصر العائلة الذي أنشأته العائلة فوق المصبنة. كانا طيّ النسيان والإهمال لنحو خمسة عقود، وعلى طريق الاندثار، بسبب ترك الوريث الأخير للمصبنة والقصر السيد ريمون عودة، صاحب بنك عودة، ووزير المهجرين الأسبق، منزله مع عائلته، ومغادرته صيدا في العام 1950.
المنزل أو القصر تحوّل إلى مدرسة رسميّة للصبيان، كانت تعرف باسم مدرسة الشارع، نظراً لوقوع القصر والمصبنة بمحاذاة "حيّ الشارع" في المدينة القديمة. والمصبنة كانت أحياناً مهجورة، أو مسكونة من عائلات مهجّرة، غير أن الإرادة الصلبة، التي تميّز بها السيد عودة، الذي يطلق عليه في صيدا اسم "الخواجة" ريمون مع ابنة شقيقه السيدة كريستيان عودة، حوّلت المصبنة إلى متحف فريد من نوعه في المنطقة.
جرى وضع المنزل أو القصر الذي تشرف عليه مؤسّسة عودة بعد ترميمه بتصرّف أهالي صيدا بهدف إحياء وإقامة نشاطات فنيّة وثقافيّة وحفلات موسيقيّة وعروض أفلام ومسرحيّات في المناسبات الوطنية والاجتماعية، وذلك بعد 4 سنوات من العمل الجادّ والمتواصل الذي بذلته العائلة منذ العام 1996 ولغاية العام 2000، تاريخ افتتاح متحف عودة للصابون.
أراد آل عودة أن يكون المتحف شاهداً حيّاً على تاريخ صناعة هذه الحرفة اليدويّة التراثيّة القديمة، وتقنيّاتها، وأدواتها التي كانت تستخدم، والتي لا تزال موجودة في داخل المتحف كما كانت في القرن السابع عشر، بل أضافت إليها مؤسّسة عودة تقنيات حديثة، وأنماطاً جديدة تتعلّق بشكل ومظهر الصابون وتركيبته وخصائصه بما يتلاءم ويتناسب مع الحداثة وتطوّر العصر.
وإلى جانب الصابون المطبوخ من زيت الزيتون الصافي، وهو الأكثر رواجاً، يوجد صابون الغار، وصابون العروس، والصابون المقاوم للتجاعيد، والصابون الحلبي، والصابون برائحة الياسمين، وجميع روائحها العطرة تفوح في أرجاء وزوايا وخبايا المتحف فتُنعش قلب الزائر.
موقع المتحف
يقع متحف عودة، وفوقه منزل العائلة، بمحاذاة "حيّ الشارع" في الطرف الشمالي لصيدا القديمة، وعلى تخوم صيدا الحديثة، بالقرب من شارعي "المطران" و"الشاكرية"، وبين القلعتين البريّة "قلعة لويس السادس عشر"، والبحرية التي بناها الصليبيّون، تماماً كما يقع على خطّ مواز لقصر دبّانة، وخان صاصي، ومدرسة عائشة أم المؤمنين، وجميعها كانت ملكاً لعلي آغا حمود، قبل بيعها والتنازل عنها لصالح أبناء صيدا الأثرياء والميسورين، خصوصاً عائلات عودة ودبانة وصاصي.
محتويات المتحف
يحتوي المتحف (مصبنة الصابون) المبنيّة من الحجر الرمليّ بطريقة العقد على صالة لعرض كلّ أنواع الصابون والمعطّرات، وجميع الأدوات واللوازم والمعدات التي تستخدم في صناعة الصابون، بدءاً من الأحواض والجرار والقربات والدلاء والرفوش الكبيرة، فضلاً عن الغلايين والأواني الفخاريّة التي تمّ العثور عليها خلال أعمال الحفر وإعادة تأهيل المصبنة.
حمام صيدا
بمحاذاة المتحف، يعرض متجر "حمام" منتجات من صنع حرفيين لبنانيين وأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصّة، إضافة الى أغراض عالية الجودة من الصابون، والمناشف، والزجاج المنفوخ، والعباءات والمجوهرات.
مقهى صيدا
بمحاذاة المتحف أيضاً، هناك قاعة خاصّة تُعرف باسم مقهى صيدا، وهو عبارة عن محطة هادئة لاحتساء فنجان قهوة أو تناول كوب من الليموناضة أو العصير البلدي، أو الحلويات الصيداويّة، كما تعرض وتباع في المقهى أيضا تشكيلة صغيرة من المنتجات الغذائيّة التي تتميّز بها منطقة صيدا كماء الزهر وماء الورد والشراب البلدي (توت وورد ومندرين ونعناع)، فضلاً عن العسل وراحة الحلقوم والمعمول بالعسل الشهير.
الدليل السياحي
يرافق الدليل السياحي في المتحف زكريا شاكر زوار المتحف من مختلف المناطق اللبنانية ومعظم الدول العربية والأجنبية، ويشرح لهم، خلال تفقّدهم أرجاءه والاطلاع على محتوياته، نبذة موجزة من تاريخ بناء المصبنة، وعائلة عودة، وكيفيّة صناعة الصابون وطريقة تحضيره وتجفيفه وتقطيعه قبل أن يصبح جاهزاً للاستخدام.
ويشاهد زائر المتحف في نهاية جولته فيلماً مصوّراً مدّته عشر دقائق مع ترجمة باللغتين الفرنسية والإنكليزية، يسلّط الضوء على بعض الحرفيين الذين يشرحون أسلوبهم في العمل، ويتحدّثون عن رغبتهم في نقل معرفتهم لهذه المهنة إلى أجيال المستقبل.
أسعار الدخول إلى المتحف كانت مجانيّة منذ افتتاحه في العام 2000 ولغاية العام 2015، وبعد ذلك أصبحت شبه رمزيّة لا تتجاوز الدولار الواحد عن الشخص؛ وذلك نظراً للأعباء الماديّة المتعلّقة بتأمين الكهرباء ووسائل التبريد والتدفئة ورواتب الموظفين والعمّال حيث تعتاش من المتحف 8 عائلات.