النهار

هل استجابت التغطية الإعلاميّة لزلزال تركيا وسوريا للمعايير المهنيّة والأخلاقيّة؟
رنا حيدر
المصدر: "النهار"
هل استجابت التغطية الإعلاميّة لزلزال تركيا وسوريا للمعايير المهنيّة والأخلاقيّة؟
ناجية من زلزال سوريا تحمل طفلاً في مدينة جندريس المنكوبة (أ ف ب).
A+   A-
يعاني كثيرون اليوم من حالة نفسيّة متقلّبة جراء الواقع الراهن، خاصّةً بُعيد الزلزال الذي هزّ منطقة الشرق الأوسط الأسبوع الفائت، والذي أسفر عن آلاف الضحايا، وحفر ألماً عميقاً في نفوس الملايين. ففي ظلّ تأهّب معظم اللبنانيين لكارثة جديدة، يُلاحقهم شبح الخوف والقلق، جرّاء التعرّض الزائد لمحتوى مفجع على مواقع التواصل الاجتماعيّ، ناهيك بالمحطّات الإعلاميّة، إذ يرى الاختصاصيّ في الصحّة النفسيّة والأزمات الدكتور شوقي عازوري في حديث سابق لـ"النهار" أنّ "الإعلام يتنافس على سرعة نشر الأخبار، في حين أن لا مهرب من كثافة المعلومات، وذلك لا يسمح للفرد بفرض رقابة ذاتيّة على كميّة الصور والمقالات المنشورة التي يتعرّض لها، ممّا يجعلنا نفشل في الحفاظ على صحّتنا. وهنا نقع في حالة تسمّى بـ"psychose collective"؛ فالتفكير الزائد والتحدّث عن الحادثة يجعلها راسخة في عقولنا".
 
ثمّة من يخفّف من وطأة الأزمات من خلال تخفيف عرض الوقائع، وثمّة من يعتبر أنّ رسالته هي الواقع بكلّ مآسيه، ممّا يفتح نقاشاً لا نهاية له، ويضعنا أمام سؤال إن كان ينبغي على الإعلام أن يظهر بشاعة الواقع!

البعض يعتبر أن الإعلام دخل عصر الحداثة والتطوّر، وهذا يعني تقدّم معيار السرعة على غيره من المعايير، بينما يعتبر البعض أنّنا في عصر "انحطاط إعلاميّ"، يبتعد فيه الإعلام عن رسالته، وهو ما ظهر في التغطية الإعلامية للزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في الـ6 من الشهر الجاري. فقد دأبت بعض وسائل الإعلام على إظهار وجوه أطفال أو "فيديوات" انتشال الجثث، ممّا أثار الغضب والخوف في النفوس على المستوى الإنسانيّ أوّلاً، ولكونه يتناقض مع المعايير الأخلاقية الإعلاميّة ثانياً، فضلاً عن الخوف من تضييع المسؤوليات ومحاسبة المسؤولين عن إهمال معيّن إذا وُجد، ثالثاً. 
 
من مؤيّدي هذا الرأي الدكتورة في الجامعة اللبنانية - كلية الإعلام وفاء أبو شقرا التي تعتبر في حديث لـ"النهار" أنّ "الإعلام اليوم أصبح بعيداً كلّ البعد عن جوهره الصحافيّ، خاصةً وسائل الإعلام المرئية التي تعاني من "قلّة حياء ومهنيّة وإنسانيّة" تنسف جميع أخلاقيات المهنة التي تُدرّس في أساسيات المهنة، وهذا الأمر ليس جديداً، حيث إنّها على وقع كلّ حدث جديد تتهافت لكسب "السكوبات" على حساب الأشلاء والضحايا"، لافتةً إلى أنّ "الأرباح المادية تتعزّز خلال تغطية هذه المآسي".

في المقابل، يرى الدكتور هاني صافي في الكليّة نفسها، في حديث لـ"النهار"، أنّ "ثمّة اتفاقاً بين كلّ العاملين في القطاع الإعلامي يعتبر أنّه لا يجوز عرض مشاهد قاسية على المشاهد. فإذا أتى الدور على الكوارث الإنسانية، مثل الزلزال الكارثيّ في سوريا وتركيا، يُصبح من المهمّ تجييش الرأي العام، وعرض الواقع كما هو، من أجل الضغط على الحكومات والمؤسّسات الإنسانية العالمية، ناهيك بالأمم المتحدة، بغية المساعدات التي هم في حاجة إليها؛ وبالتالي، يجب نقل الواقع للكشف عن فظاعة الأمور. لكنّه ليس من الضروريّ عرض الأمور المؤذية. ولو لم تكن النكبة أو الفاجعة لكان الأمر اختلف، لأنّنا في حاجة ماسّة لبثّ الحماس في الرأي العام بالحدّ الأقصى المتاح".
 
وأضاف صافي: "ليس من الضروري توجيه الكاميرا إلى وجه الشخص من أجل عدم المسّ بخصوصيته، أو حتى ذكر الاسم، الأكيد أنّ انتهاك الخصوصية لن يفيد أيّ قضية، يجب أن نصف الواقع، وأرى أنّ الأفراد الذين تضرّروا من الفاجعة في حاجة إلى مساعدات عديدة، "ونحن مجبرون أن نظهر الكارثة وأن نسلّط الضوء على الأحداث."

وفي السياق، يلفت صافي إلى أنّه "خلال التغطية الصحافيّة، يجب تسليط الضوء على جميع زوايا المشكلة، ويجب عرض جميع وجهات النظر، اليوم في هذه الكارثة من المهمّ إظهار الجانب الإنساني، والسياسيّ ناهيك عن الجانب التقني والهندسيّ، والذي من الممكن أن يفتح ملفّات عديدة، لكنّ الجهة الأهمّ التي يجب إيصالها هي النكبة الإنسانية، ففي حال أردنا تسليط الضوء على المسألة السياسية والهندسيّة التي ساهمت في تفاقم التداعيات، ذلك سيخدم فقط وسائل الإعلام المحلية التركية أو السورية لمحاسبة المسؤولين."

من جهتها، تؤكّد الإعلامية دنيز رحمة لـ"النهار أنّه يجب التمييز بين وصف الحقيقة وإظهارها، مضيفةً: "حين نخفي وجه الأطفال أو الأفراد ذلك لا يعني أننا نحجب الحقيقة، كصحافيين يجب علينا إيصال الواقع كما هو، حيث أنّ أخلاقيات المهنة لا تختلف بين مدارس الإعلام، فيجدر على الإعلامي ألّا يتخطّاها، ومنها عدم إظهار صور أطفال، لكن في العالم العربيّ لدينا استعداد لإظهار هذا الأمر لكسب العاطفة وإيصال الرسالة لخدمة سياسة مؤسسة معينة، على عكس الإعلام الغربي الذي يمنع استخدام صور الأطفال أو أيّ فرد دون موافقته ناهيك عن الجثث، حيث يتمّ انتهاك الخصوصية لأهداف معيّنة، وفي حال عدم ظهور أيّ من هذه الأمور فذلك لا يعني أنّنا لا ننقل الواقع كما هو، ولكنّ احترام هؤلاء الأفراد والضحايا واجب علينا."

وأكّدت رحمة عدم شمل جميع وسائل الإعلام في خانة واحدة في تقييم تغطية هذا الحدث، لكنّ المؤسّسات التي لم تلتزم بالمعايير المهنية لا تؤدّي تغطية إعلاميّة صحيحة.
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium