لا تزال الاختلافات الدينية والثقافية تنعكس في مواقف تحصل في الأماكن العامة، وآخرها، تعرُّض سيدتين للرشق بالحجارة خلال ممارستهما السباحة على شاطئ صيدا. ما يناقض فحوى الدستوى اللبناني الذي يضمن الحريات العامة للمواطنين.
السيدتان، بحسب المعطيات الأولى، هما من أهالي المنطقة، وكانتا ترتديان ملابس السباحة على الشاطئ هناك. وصل إليهما شيخان من المدينة وأمهلاهما دقيقتين لإخلاء الشاطئ. عندما لم تمتثل السيدتان لهذا الإنذار، أقدم الشيخان على رشقهما بالحجارة، وهرع حوالي 10 شبّان آخرين يرشقون السيدتين بالحجارة أيضاً. لم يتجرّأ أحد من المارة أو الأهالي الموجودين في محيط الحادثة على التدخّل، رغم تعرّض السيدتين لأضرار جسدية، فضلاً عن الأضرار النفسية اللاحقة.
لم يكن أمام السيدتين سوى اللجوء إلى الجهات الرسمية في المنطقة، لعلّها تقوم بواجبها. وبحسب رواية إحدى السيدتين لجمعية "نحن" التي تُعنى بحقوق الناس على الشواطئ العامة، أنّهما تواصلتا مع البلدية والقوى الأمنية في المنطقة، لكن الجهتين لم تتجاوبا ولم تقوما بأي خطوات مساعدة أو إبداء أي موقف. لذا، لجأت السيدتان للاتصال بالجمعيات المحلية، لعلّها ترفع الصوت عمّا جرى.
تسبّبت هذه الحادثة بصدمة نفسية للسيدتين. فنقلاً عن جمعية "نحن" وفي حديث مصادرها لـ"النهار"، إحداهما غير قادرة على التحدّث عمّا تعرّضت له من عنف غير مبرّر، إذ قال لهما أحد الشيخين "اذهبا واسبحا في منطقتكما"، بينما هما من أهالي صيدا. كذلك زوج السيّدة المذكورة بصدد رفع دعوى قضائية على الشيخين اللذين عُرفت هويتهما. لكن الزوجة لم تحسم أمرها برفع الدعوى القضائية بعد، فهي تحت تأثير الصدمة وغير قادرة على التفكير.
رئيس بلدية صيدا، محمد السعودي، في حديث لـ"النهار" ينفي نفياً قاطعاً أن تكون إحدى السيدتين اتصلت بالبلدية ولم تلقَ تجاوباً، "ففي يومي السبت والأحد لا يوجد أحد في البلدية، ورقم جوّالي معروف ومنتشر بين الجميع ولم أتلقّ أي اتصال بشأن هذه الحادثة، حتى إنّني علمت بها من مواقع التواصل الاجتماعي ولا يزال غير مؤكَّد في أي يوم وقعت".
لكن عموماً، وفق السعودي، ليس دور البلدية أن تمنع أو تسمح لأحد بالسباحة على الشاطئ العام، و"للجميع الحرية الشخصية بارتداء ما يريدون ارتداءه، لكن في الوقت نفسه، تختلف اعتبارات وثقافات مدينة ومنطقة عن أخرى، ثقافة المجتمعات تختلف في لبنان، وأنا كرئيس بلدية لا يمكنني أن أمنع أحداً من السباحة وإذا تعرّض لها أحد نرسل له الشرطة". ويؤكّد السعودي أنّ البلدية عامةً، ليست الجهة المخوَّلة اتخاذ أي إجراء تجاه هذا الموضوع، وكان من الأجدى بالسيدتين التواصل مع القوى الأمنية.
ويروي السعودي أنّ هناك حوادث تجري في المدينة أحياناً مثل تقديم مكان ما المشروبات الكحولية و"نرى الامتعاضات، لكن لم يسبق في مدينة صيدا أن واجهنا مثل حادثة السباحة التي حصلت مع السيدتين".
تنقسم الآراء، في بلد مختلط دينياً وثقافياً كلبنان، بين منَ يدعم حرية ارتياد الشواطئ العامة على جميع الأراضي اللبنانية بلباس البحر لكون الأمر حرية شخصية، وبين مَن يرى وجوب احترام عادات وثقافات بعض الأماكن والمناطق. لكن ما لا جدل فيه، هو إقدام الشيخين المرفوض على رشق السيدتين بالحجارة لرفضهما مغادرة الشاطئ، بدلاً من غضّ النظر، فهل هذه هي ثقافة الإسلام؟ رشق الحجارة يرقى الى فعل "داعشي" أمام مرأى الناس والدولة، فهل يحاسب من اعتدوا على السيّدتين؟! لنرَ...