ميشال حلاق
لطالما كانت تربية الخيول العربية المؤصّلة ولسنين طويلة تحظى باهتمام العديد من أبناء العائلات العكارية، التي كان لحضورها موقع مميّز في مهرجانات سباقات الخيول في كافة ميادينها، لا سيما في بيروت.
لكن هذا القطاع الذي كان حيوياً في ما مضى بات اليوم، وبحكم الأوضاع الاقتصادية الصعبة، قطاعاً مهدّداً بالاندثار، إذ التكلفة باتت كبيرة على المربّين مع تدنّي القوّة الشرائيّة للّيرة اللبنانية، بالإضافة إلى تراجع الاهتمام بهذه الخيول، التي كانت تحظى برعاية مربّين ومهتمّين من لبنان، ومن كلّ الدول العربية والأوروبية، الذين كانوا يسعون لشراء الخيول الجيّدة والأصيلة، ويدفعون في سبيل اقتنائها أموالاً طائلة.
يُشار إلى أن عدد الخيول اليوم يقتصر على بضع مئات، بعد أن كانت مزارعها تغصّ بالآلاف قبل سنوات بعيدة.
ويحاول مربّو الخيول العربية جاهدين الإبقاء على هذا التراث، وإحياء هذا التقليد المتوارث "أباً عن جدّ"، واجتذاب المزيد من الهواة والمهتمّين عبر إقامة المهرجانات السنويّة، وتنظيم السباقات، لبثّ الروح في هذا الجسم المتثاقل.
وفي هذا السياق، استضاف محمود حدارة في دارته في بلدة مرليا - حدارة – عكار، بدعوة من جمعية "تأهيل وتربية الخيول في الشمال"، خيّالة منطقة الشمال، وذلك لإجراء قرعة لاختيار الخيول التي ستشارك في السباق الذي سيجري في ميدان "تلعباس الغربيّ" في سهل عكار للسنة الخامسة على التوالي؛ وذلك يوم الأحد المقبل الموافق 17/07/2022. وبنتيجة السحب بالقرعة يفترض أن يشارك في هذا السباق 32 فرساً وجوادًا ضمن 8 أشواط.
ألقى محمود حدارة كلمة للمناسبة شكر فيها الحضور، وحثّهم على تضافر الجهود للمحافظة على هذا القطاع، بل على النهوض به، ليعود من جديد مصدر دخل قوميّ للبلد عن طريق التصدير وإيجاد داعمين له، من أجل مساعدة المربّين على تخطّي هذه الأزمة، التي يعبرها قطاع تربية الخيول كما كافة القطاعات الأخرى بفعل الأزمة الاقتصادية .
كذلك، شدّد حدارة على أن الاهتمام بالخيول يُبعد الشباب عن آفة المخدرات وكلّ الآفات القاتلة، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الخيل معقود بنواصيها الخير. ظهورها عزّ، وبطونها كنز، وفيها الأجر إلى يوم القيامة. أهلها معانون عليها، والمنفق عليها كالباسط يده بالصدقة".
وعن مصاعب مربّي الخيول وآليّات السعي للنهوض بهذا القطاع قال محمود حدارة لـ"النهار": "نحن اليوم بصدد التحضير لمهرجان الخيول العربية الأصيلة في ١٧ تموز الجاري، حيث لاقت المهرجانات السابقة صدى كبيراً على مساحة الوطن. مع العلم أنّ ما نقوم به هو بدون دعم أو رعاية ".
وقد أجريت القرعة ليل أمس وسيشارك ٣٢ رأساً من الخيول من مختلف المناطق اللبنانية، وأثرت الأزمة الاقتصادية على زخم المشاركة بسبب غلاء النقل وتكلفته المرتفعة، ولو تمّ تأمين الرعاية للنقل لكانت المشاركة أكبر ممّا هي عليه اليوم.
وقال: "توجد في عكار أكثر من ١٥ مزرعة و١٠٠٠ حصان منتشرة في كافة المناطق والبلدات العكّارية".
ونعاني اليوم من ارتفاع كلفة الأعلاف حيث كانت تكلفة الحصان الشهرية ما يقارب الـ100$ على سعر ١٥٠٠ وكانت عادية، أمّا اليوم ومع انخفاض سعر الليرة فأصبحت التكلفة مرتفعة جداً وتوازي رواتب موظفين عديدين. وحاولنا مع الجمعية أن نعمل على إخراج الأحصنة العكاريّة الى خارج لبنان لتطويرها بحيث تستطيع المساهمة في الدخل العكاري، يقول حدارة.
ولفت إلى أنّه قطاع تربية الخيول يؤمّن معيشة نحو ٣٠٠ إلى ٤٠٠ عائلة من سيّاس ومدرّبين ومزارعين وخيالة، مشيراً إلى أنّه سينظّم في شهر أيلول ايضاً مهرجاناً ضخماً، سنقوم بحشد أكبر عدد من الخيالة والخيل.
وتمنّى من الجهات الحكومية وغيرها وخاصة تلك التي تهتمّ بالتراث، أن تلتفت الى هذا القطاع، وخصّ بالذكر الأصدقاء والإخوة في الخليج العربيّ، لما لهم من باعٍ طويل في هذا المجال، كما التعاون معهم لما فيه الخير لخيل وخيالة عكار.
وعن هموم هذا القطاع والصعوبات يقول أحد هواة تربية الخيول عبد القادر فتاح عن معاناته: "تعتبر تربية الخيول لدينا هواية، وبدأنا بها قبل الأزمة الحالية. ولكن - للأسف - بدأ الكثير من الزملاء ببيع خيولهم نظراً لغلاء الأعلاف وارتفاع تكلفتها، ممّا شكّل عبئاً كبيراً عليهم".
وأشار فتّاح أيضاً إلى عدم توافر الرعاية الطبيّة الخاصّة بالخيول وسط تجاهل الدولة الكامل لهذا القطاع، لافتاً إلى أنّهم حاولوا التواصل مع المعنيّين، عبر رئيس جمعية مربّي الخيول في عكار الشيخ أحمد المراد، ولكن من دون جدوى .
ولجهة السباقات والمهرجانات التي تقام في عكار، قال: "إنها مجهود فردي بالكامل، ونعمل على جمع المصاريف والنفقات من بعضنا البعض كمربّي خيل، مع بعض الرعاية من بعض الأصدقاء والمهتمّين".
ولدى سؤالنا عن تواصلهم مع مربّي الخيل والمهتمّين بهذا القطاع في لبنان، لفت فتّاح إلى أن التعاون شبه مقطوع مع مربّي الخيول في بيروت على صعيد الأنشطة العامة والمشاركات في سباقات ميدان سبق الخيل، إلا أن بعضهم يأتون لشراء الخيل العكارية المؤصلة كالعبيات والسغلاويات، وهي موجودة في عدد من المزارع (حدارة، خضر، الأسمر والبقسماطي وغيرها). أمّا لجهة المشاركة والرعاية أو التعاون التنظيمي فهو معدوم معهم .
المراد
رئيس جمعية تأهيل وتربية الخيول في عكار الشيخ أحمد المراد أشار إلى أن هواية تربية الخيول والعناية بها تراث نعمل على إبقائه قدر المستطاع، بالرغم ممّا نعانيه في هذه الفترة الصعبة التي يمرّ بها الوطن بشكلٍ عام، ولا نبالغ إن قلنا إنّ الخيّالة تعمل على اقتسام اللقمة بين عيالها وبين الخيل التي يربّونها، وذلك في سبيل الحفاظ على هذا القطاع التراثيّ الحيويّ الذي كان مهمّاً جدّاً .
ولفت المراد الى أن مراجعة وزارة الزراعة لم تجدِ نفعاً، مشدّداً على أن جمعيّتهم: "تقوم بنشاطات ومسابقات ترفيهية مجانية من أجل الحفاظ على هذا التراث المحبب لدى الجميع ...وإننا بصدد التحضير لمهرجان الخيول العربية في ١٧ الشهر الجاري حيث دعي للمشاركة فيه مربّون وخيّالة من كلّ لبنان ."
وناشد المراد الدولة والوزارة المعنية العمل على تأمين الأعلاف بأسعار مقبولة، كما ناشد محبّي هذه الهواية مدّ يد العون والمساعدة في سبيل الاستمرار ليس إلا.