تعتمد البلديات على مصدرينرئيسيين لتمويلها: الضرائب البلدية المباشرة، والصندوق البلدي المستقل الذي يشكلنسبة الدخل الأكبر للبلديات، والمؤلَّف من عائدات وزارة المالية من الاتصالاتورسوم المعاملات الرسمية والكهرباء والماء غيرها، والذي يُصرف لكلّ بلدية بحسب حجمها.وفيما معظم الضرائب والفواتير لا يُسدّدها السكان ولا تزال على سعر 1500 ليرة، ماخلا الاتصالات، تعاني البلديات من أوضاع صعبة في ظلّ الأزمة ولا سيما أنّ مخصصاتهاووارداتها لا تزال على السعر الرسمي، بينما جميع نفقاتها أصبحت على سعر الدولار،باستثناء رواتب عمّالها وموظّفيها. وضعٌ أدّى إلى تدهور العمل البلدي الإنمائيالاجتماعي في معظم البلديات، ما خلا الميسورة منها بفعل دعم سكّانها المقتدرين. فيالسطور التالية، نماذج عن بعض من معاناة البلديات.
رئيس بلدية ذوق مكايل،الياس بعينو، في حديثه لـ"النهار"، يؤكّد أنّ "وضع البلديات مزرٍ،إن لم يُتّخذ أيّ قرار أو قانون برفع الرسوم البلدية". فكل بلدية تتّخذقرارها من نفسها في ما يتعلّق بالرسوم البلدية، "وهذه الفوضى خطيرة والبلديةدون مخصّصات مالية لا يمكنها العمل".
ويكشف أنّ بعض البلدياتتتباحث القيام بإضراب تحذيري، فجميع المشاكل الصحية تُلقى على عاتق البلديات وهيلا تحظى بالإمكانيات المادية ولا العينية، ولا يمكنها فرض أعمال إضافية على عمالهالكونهم لا يزالون يتقاضون رواتبهم على سعر 1500 ليرة، بغياب إمكانية تسديدالتحفيزات، وارتفاع تكلفة النقل، "فما تقوم به البلدية حالياً هو تجميعالأموال لتسديد رواتب موظفيها".
أعمال عديدة توقّفت البلديةعن تنفيذها كتزفيت جورة أو ترميم حائط هبط، ويقتصر عملها حالياً على الأمورالملحّة والضرورية. وبينما تؤمّن المحروقات للمولدات، تقلّص دوام العمل لديهاوتقفل ثلاثة أيام من أصل 6 أيام لتوفير المحروقات، وأقفلت جميع النشاطات الثقافيةالتي تقام ليلاً والتي تشتهر بها ذوق مكايل، فكل ساعة من تشغيل المولِّد، تكلّفمليوناً ونصف مليون ليرة.
والبلدية بانتظار إقرارالموازنة والإفراج عن أموال الصندوق البلدي المستقل للتحرّك، فكلفة الأوراق لإتمامالمعاملات البلدية مثلاً، تساوي أضعاف رسم المعاملة نفسها.
ووفق بعينو، لا تحظىالبلدية بأيّ مساعدة لا من مؤسسات مانحة ولا من مبادرات فردية من أهالي المنطقة.ولا يمكن فرض زيادة على الضرائب إلّا بموجب قانون. وحتى تزفيت طريق أمام منزل أوتصليح وصلة مجارير، أصبح يُطلب من الأشخاص الذين يريدون هذه الخدمة أن يقوموا بهاعلى عاتقهم فالبلدية عاجزة. والناس لا يزالون يدفعون رسوم الضرائب للبلدية، لكن"هذه الرسوم يجب أن ترتفع عشرة أضعاف"، وفق بعينو.
وقد امتنعت بلدية ذوق مكايلهذا العام عن إقامة بمهرجاناتها السنوية الصيفية المعتادة بسبب قلة الإمكانات.كذلك لم تقم سوق الذوق الذي اعتادت القيام به لمدة عشرة أيام للسبب نفسه. وتمتنعللعام الثالث على التوالي عن وضع زينة الميلاد في المنطقة لكونها تكلّف 30 ألفدولار.
من جانبه، يشرح رئيس اتحادبلديات صور، حسن دبوق، في حديثه لـ"النهار"، أنّ البلدية استحصلت أخيراًعلى نصف دفعة عام 2020 من الصندوق البلدي المستقل، التي تُحتسب على سعر 1500 ليرة،إضافة إلى أنّ أموال البلدية تُحتسب على السعر الرسمي بينما مدفوعاتها من صيانةورفع نفايات ومحروقات وما إلى ذلك، بالدولار، "أي زادت تكلفة الخدمات البلديةثلاثين ضعفاً، وتقلّص مستوى الخدمات إلى حدّه الأدنى، خصوصاً في البلديات الكبرىكالتي تحتضن عدد عمال كبيراً، فحتى صيانة الطرقات غير قابلة للتنفيذ".
عمّال بلديات قضاء صوريتقاضون جميع حقوقهم المقرَّرة (مع المساعدة الاجتماعية وبدل النقل)، لكنّها لاتزال على سعر 1500 ليرة، ولا تكفيهم طبعاً. ويتسبّب صرف المساعدات بإرباك فيآليته، فقرار الزيادة غالباً لا يشمل البلديات من ضمنه، ويتطلّب الأمر آلية خاصةمن وزارة الداخلية لشملها. وحتى بدل النقل 95000 ليرة، لم يُطبّق بعد في البلديات،إذ حظيت بالموافقة على بدل نقل 64000 ليرة أخيراً.
وتدعم الأيادي البيضاء منأهالي البلدات المقتدرين في اتحاد بلديات صور، البلديات للاستمرار، لكن هذا لايكفي طبعاً، إذ لا يمكنها تكفّل رواتب موظفي البلديات خصوصاً البلديات الكبرى مثلبلدية صور التي تتضمّن 160 موظفاً وشرطياً، وفق دبوق. وجرت العادة أن تؤمنالبلديات المياه والمحروقات عوضاً عن مؤسسات الدولة المعنية، لكن مع عجز البلديات،يساعد الخيّرون المنطقة بشكل أساسي، في ظل الأزمة، على تأمين الطاقة الشمسية لآبارالمياه، ودعم القطاع الصحي والتعليمي.
أمّا في ما يتعلق برفعالنفايات، فهو أمر يعود إلى كل بلدية وقدراتها، فهناك بلديات ضمن نطاق الاتحادترفع نفاياتها كل ثلاثة أيام، ومنها عاجزة تماماً ترفع نفاياتها مرة في الأسبوع،بينما مدن كبرى مثل مدينة صور ترفع يومياً نفاياتها لاعتمادها بشكل أساسي علىالسياحة، إذ ينشط الموسم السياحي حتى الآن ويساوي حوالي 25 في المئة من النشاطالصيفي. وفيما جرت العادة إغلاق الكورنيش البحري في مدينة صور وتخصيصه للمشاة فيموسم الصيف ليلاً، لم تقم المدينة بهذا النشاط هذا العام لعدم توفّر الإمكاناتالمالية لتخصيص عناصر من البلدية لهذه المهمة.
وأبرز وظائف البلديات عامة،وفق دبوق، مثل العمل الإنمائي ودعم المدارس ودعم الأندية ودعم الأنشطة الثقافيةوصيانة الطرقات، عدد كبير من بلديات صور عاجز عن القيام بها، وتتركّز أعمالها علىالمعاملات الإدارية للمواطنين.
وتسهم المؤسسات الدوليةالمانحة بمشاريع في الاتحاد مثل الطرقات وبرامج تزويد العمال ومشاريع تنظيف.
وزادت البلديات ضمن إطارالاتحاد بعض الرسوم حوالي ثلاثة أضعاف، لكن لا قيمة لهذه الزيادة، فمثلاً رسمالمنزل الذي كان 100 ألف ليرة، أصبح 250 ألف ليرة سنوياً، لكن لا يمكن مواكبة سعرالدولار بالزيادة، نظراً لأوضاع السكان، لكن "لا يمكن الاستمرار على هذا المنوالأكثر من بضعة أشهر بعد"، وفق دبوق.
بالانتقال إلى الشمال، يوردرئيس اتحاد بلديات عكار الشمالي، عبدو مخّول، في حديث لـ"النهار"، أنّه"لا يسع البلديات القيام بمهامها الإنمائية والاجتماعية، وحتى إنّها تقصّربالحد الأدنى من واجباتها". كذلك، لا يزال أجر العامل البلدي 90 ألف ليرةيومياً، بينما من المفترض أن يكون أقلّه 250 ألف ليرة، والبلدية عاجزة عن تسديدالأجور لأنّ المستحقات من الصندوق البلدي المستقل هي أيضاً على السعر الرسمي.
ولا تستطيع البلدية تسديدالمساعدات الاجتماعية وبدل النقل لموظفي القطاع العام، كما عليها تسديدها بمفعولرجعي أيضاً، وبذلك، "يقولون للبلديات أقفلوا أبوابكم ولا تعملوا"، يقولمخّول.
ويؤكد مخّول أنّ النفايات تُرفعمرة في الأسبوع في نطاق الاتحاد، وليس يومياً، فجميع هذه البلدات تطلب من السكانالمساهمة ببدل رفع النفايات (يراوح ما بين 25 إلى 50 ألف ليرة لكل بيت شهرياً)لأنّ إيجار المكب والنقل وأجور العمال، جميعها ارتفعت. فجميع نفقات البلديةالداخلية والخارجية غير قادرة على تغطية رفع النفايات وحدها، و"هناالمشكلة".
وبرأي مخّول، جباية الضرائبالداخلية لم تعد لها قيمة، إضافة إلى أنّ محطة تكرير الصرف الصحي متوقفة وبحاجةإلى الإنفاق المالي لتشغيلها، "الحالة بالويل". وقد سدّدت وزارة الماليةنصف مستحقات الصناديق البلدية لعام 2020 على السعر الرسمي، وبحسب مخّول،"المبلغ هذا ذهب لتسديد ديون البلديات، فبلديات الأطراف تعتمد على الصندوقالبلدي فقط لتسديد نفقاتها، وهي غير قادرة على الاستمرار بخدماتها".
في بلدة الدامور، هناكتعاون بين البلدية والأشخاص المقتدرين في المنطقة لتغطية جميع الفجوات الماديةللعمل البلدي بهدف تأمين استمرار الخدمات، بحسب نائب رئيس البلدية، طوني نصر.
وفي حديثهلـ"النهار"، يفيد أنّ هناك أيضاً بعض التعاون مع المؤسسات المانحةأحياناً التي تركّزت أكثر خلال انتشار كورونا، "لكن طبعاً هذه المساعدات لاتكفي لأنها على شكل مشاريع وليست إنفاقاً مالياً، ولا سيما أنّ المساعدات هذاالعام تقلّصت".
ويرى أنّ الإنفاق اليومي،مثل اليد العاملة، هو الأكثر كلفة حالياً، والبلدية غير قادرة على تغطيتها لأنمداخيلها لا تزال على الأسعار الرسمية. واستمرت البلدية بالتعاقد مع شركة"سيتي بلو" لرفع النفايات يومياً، أمّا تنظيف الطرق والمسؤوليات الأخرىالتي تقع على عاتق البلدية، فلا تزال تقوم بها بالإمكانيات المتوفرة سواء منالصندوق البلدي أو من مساعدات أهالي المنطقة، وعملت على تحضير الطرقات للشتاء عبرتنظيف المجاري.
ولا تزال الدامور تجبيالرسوم البلدية من السكان، رغم أنّها لا تزال على سعر 1500 ليرة، والذي لا يستطيعتسديد هذه النفقات، تتساهل البلدية معه.