النهار

مصابيح السيارات الساطعة مخالفات فرضتها العتمة
يكاد المواطن أن يشعر في حالة أرباك حين يلاحقه ضوء ساطع أو يصادف إمامه ضوءً مماثلاً
مصابيح السيارات الساطعة مخالفات فرضتها العتمة
بيروت ليلاً - تصوير مارك فياض
A+   A-

ما أن يحلّ الليل حتى تغرق شوارع لبنان وطرقاته الفرعيّة والعامّة في الظلام الدامس. إنّها طرقات مليئة بالحفر والمفاجآت، وأغطية الصرف الصحيّة المنتشرة في أرجائها مسروقة. ولذا لجأ العديد من السائقين إلى استبدال مصابيح سياراتهم الأمامية السفليّة بمصابيح ساطعة كي يتداركوا غياب الإنارة عن الطرقات.

يكاد المواطن يشعر بحالة إرباك حين يلاحقه ضوء ساطع أو يصادف أمامه ضوءًا مماثلاً. يلجأ البعض إلى التلويح بأيديهم من النافذة للإشارة إلى السائق الذي يسير خلفهم لتخفيض الأضواء، وفي حال تعذّرت الاستجابة يركنون سياراتهم إلى جانب الطريق لإفساح المجال أمام هذا السائق للمرور. وأحياناً، يصادف السائقون دراجات نارية حذت حذو السيّارات، فترى سائقيها يسيرون عكس السير، غير آبهين بما يُسبّبونه للسائق المقابل، أو ما يمكن أن يلحق بهم من أذى في حال التصادم.

في كثير من البلدان، هناك قوانين تمنع السائقين من استخدام المصابيح الأمامية الساطعة بسبب آثارها الجانبية الخطرة في كثير من الأحيان. ولم تكن هناك قوانين متعلّقة بسلامة المركبات في الولايات المتحدة الأميركية حتى العام 1966،  حيث كانت الوفيات الناجمة عن حوادث السير تتزايد بشكل كبير.

وكان لعضو الكونغرس ذي الأصول اللبنانية رالف نادر الفضل في جعل الكونغرس يُمرّر تشريعًا يمنع صانعي السيارات من تصميم المركبات التي تعرّض الجمهور لخطر الإصابة أو الموت.  فأقرّ مجلس الشيوخ الأميركي قانون سلامة المركبات الآلية في عام 1966.

وربط هذا القانون "سلامة المركبات الآلية" بأداء السيارة أو معداتها بطريقة تحمي الناس من المخاطر غير المعقولة، والتي تحصل بسبب تصميم أو بناء أو أداء السيارة، وضد مخاطر الوفاة أو الإصابة في حادث.  وطوّرت الإدارة الوطنية لسلامة النقل على الطرق السريعة البنود الخاصّة بتصميم المركبات والبناء والأداء والسلامة، التي تسمّى المعايير الفيدرالية لسلامة المركبات، خاصة في المادة 108 المخصصة لإضاءة السيارات، بما في ذلك المصابيح الأماميّة وأضواء التشغيل النهاريّ وإشارات الانعطاف. طُبّق القانون لأول مرّة في عام 1967.

 

أما في كندا، فحدّدت المادة 425 من قانون السلامة على الطرق السريعة نطاق الضوء  الصادر من السيّارة التي نمرّ بها أو نتبعها، حيث يجب أن لا يتجاوز مدى الضوء العالي 150 للمصابيح العالية، فيما المصابيح الأمامية المنخفضة فمداها يجب أن يتراوح بين 45 إلى 75 مترًا. وحُدّدت قيمة الغرامة على المخالفة من 60 دولارًا إلى 100 دولار، بالإضافة إلى تكلفة الأضرار.

ممّا لاشكّ فيه أن قانون السير الصادر في 22/10/2012 في لبنان هو قانون متقدّم، ولم تفته تفاصيل كالأضواء المبهرة للنظر، وفق ما يصفها في موادّه. ومن المادة 104 وحتى المادة117، أفرد مساحة للشرح بين الممنوع والمسموح في ما يتعلق بأضواء السيّارة. وفي المادة 84 منع زيادة أيّ إضاءة إضافيّة أو زجاج ملوّن عاكس.

في  المادة 104، حرص القانون على أن تكون جميع الأضواء المجهّزة بها المركبة من المصنع سليمة وصالحة للاستعمال. وحدّدت المادة 105 وجوب أن يكون ضوء المركبة العالي (أضواء الطرقات) أبيض أو أصفر، يُضيء الطريق ليلًا في طقس صافٍ على مسافة مئة متر على الأقل، بينما قالت المادة 106 إنه يجب أن تجهّز جميع المركبات في المقدّمة بضوءين (أضواء التلاقي) يُرسلان إلى الأمام نوراً أبيض أو أصفر، يُضيء الطريق ليلاً في طقس صاف، لمسافة ثلاثين متراً على الأقلّ من دون أن يُبهر نظر السائقين الآخرين، على أن يتمّ تجهيز المركبات على جانبي المقدّمة بضوءين صغيرين، وأن تكون رؤيتهما من مسافة 150 متراً في الجوّ الصحو ليلاً، ومن دون أن تبهر السائقين الآخرين، حسبما ورد في المادة 107 من قانون السير اللبناني.

 

يولي رئيس نقابة خبراء السير في لبنان فؤاد فهد أهميّة قصوى لتدنّي السلامة المرورية على الطرقات. وأشار في حديثه لـ"النهار" إلى عدم التزام المواطنين بالقانون في ظل غياب المتابعة. وفي وقت أبدى حرصه على تطبيق القانون لناحية أضواء الطرقات والالتقاء، سلّط الضوء على غياب الإنارة في الطرقات والمنعطفات والتقاطعات التي تفتقد أيضاً إلى إشارات المرور، ممّا يؤدّي إلى فوضى وعشوائيّة واضحة.

وسأل فهد عن هندسة الطرقات التي نصّ عليها قانون السير اللبناني، مؤكّداً أن غيابها اليوم يؤخّر إصدار التقارير المتعلّقة بحوادث السير لدراستها جيّداً .

وبالرغم من تأثير استخدام الأضواء العالية السلبيّ، فإنّ استخدام الهاتف ما يزال مسبّباً رئيسيّاً للحوادث بنسبة 50%، و30% بسبب هندسة الطرقات، فيما يتبقّى 20% من حوادث السير يُسبّبه استهتار السّائقين، بحسب نقيب خبراء السير في لبنان.

ودعا إلى إعادة تفعيل الرقابة عبر كاميرات الطرقات والرادارات العشوائية مصحوبة بحملات توعية إعلاميّة، وتسطير محاضر ضبط على الطرقات من قبل القوى المولجة تطبيق حماية السلامة المرورية.

 

وبرأي نائب رئيس اليازا أنطوان الحاج أن قانون السير لم يتوقّع أن يشهد لبنان ظلاماً دامساً وأن تغيب الإشارات الضوئية عن طرقاته، وبالأخص عند مداخل المدن.

ويشير إلى أنّ لأضواء الطرقات نظاماً وموادّ قانونيّة خاصّة، تتعلّق باستخدام السّائق الأضواء الأماميّة الجانبيّة السفليّة في داخل المدن بينما المصابيح العلويّة، أو ما يسمى بأضواء الطرقات، فهي على الأتوسترادات والطرق الجبليّة والبعيدة، بشرط أن تُخفض الأضواء في حال التقت السيارات ببعضها. وبما أن مدينة بيروت تعيش اليوم وسط العتمة، فإن لم يكن هناك أحد في الجهة المقابلة للسائق يُمكنه إضاءة الضوء العالي.

ويتابع: "لا يوجد التزام بالقانون. ولنفترض أن هناك سائقاً آخر تأثّر نظره بسبب ضوء عالٍ من السائق المقابل، وبالتالي أدّى ذلك إلى اصطدامه به، فإن على السائق الذي يشغّل أضواءه العالية تحمّل المسؤولية لأن ذلك يعتبر مخالفة".

وعلى الرغم من هذه التفاصيل، فإن خبراء السير ما زالوا لا يولون عامل الضوء الأهميّة طالما هناك حاجب ضوئيّ فوق رأس السائق يُمكن استخدامه. وفي غياب إنارة الطرقات، وفي ظلّ الفوضى المنسحبة على مجمل المرافق الحياتية في لبنان، لن يكون هذا الموضوع أولويّة قصوى، ولو عانى السائقون من بعضهم البعض على الطرقات!

 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium