لينا إسماعيل
يعدُّ التحدي الحقيقي لبلديات بعلبك - الهرمل هو قدرتها على مواصلة عملها الذي لا يتجاوز رفع نفاياتها وبعض الصيانة البسيطة، وصيانة آلياتها، لاسيّما مع صدور مراسيم عدّة من قبل الدولة، تقضي بمضاعفة رواتب موظفيها وعمالها.
من أين ستُدفع هذه الأجور في ظلّ العجز الماليّ الذي تعاني منه، والصعوبات في تأمين الحدّ الأدنى من حقوق الموظفين والعمال، ولا يمكنها زيادة مداخيلها من خلال الواردات غير المباشرة، حيث لم يُسمح لها لغاية اليوم رفع هذه الرسوم، ومن يفعل ذلك يرتكب مخالفة قانونيّة خاضعة للمساءلة القانونية؟
وأصدر المجلس التنفيذيّ لنقابة "عمال ومستخدمي بلديات بعلبك - الهرمل" بياناً في هذا السياق، لفت فيه إلى المستوى الخطير والبائس الذي وصل إليه، والذي لم يعد بإمكان هؤلاء تحمّله كراتب لم يعد كافياً لتغطية قوتهم اليومي.
وأعلن أنه سيتّخذ خطوات تصعيدية لشلّ أيّ عمل بلديّ، في حال عدم سداد مستحقاتهم المحقة من خلال تزويد الحكومة والوزارات والبلديات ذات الصلة بما يكفي من المال لدفعها وضمان استمرارية عملها، والعمل على تأمين جميع حقوقهم الصحية والاجتماعية، وهي حقّ مكتسب بموجب القانون اللبناني، بالإضافة إلى العمل الجادّ لتأمين حوافز مالية تساعد العمال في ظلّ تدهور القيمة الشرائية، أسوة بغيرهم من الموظفين.
فيما أكد رئيس اتحاد بلديات بعلبك شفيق شحادة لـ "النهار" أنّ موظفي ومستخدمي وأجراء اتّحاد بلديات بعلبك، خصوصاً عمّال المياومة الذين يشكّلون أكبر عدد من موظفي البلديات، لم يتلقّوا أيّ تقديمات صحية ومدرسية واجتماعية منذ عامين، وهم الآن تحت خطّ الفقر المدقع، وعلى الرغم من ذلك يواصلون واجباتهم، من هنا نطالب بتصحيح أوضاعهم على غرار أولئك العاملين في القطاع العام، الذين يستفيدون من مساعدات استثنائية تشمل 7 أضعاف الراتب الأساسيّ، وبدلات مواصلات جديدة، ومزايا أخرى يُحرم منها عمال البلديات.
وعن ماهية موازنة الاتّحاد في هذا الشأن؟ أوضح أنّ كافة الاتحادات تعاني الأمر نفسه وعلى سبيل المثال اتحاد بلديات بعلبك قبل الأزمة، كانت موازنته تعادل نحو مليون ومئة ألف دولار سنوياً، والآن لا تزيد عن 17 ألف دولار، ومستحقات العاملين في الاتحاد مع قيمة الديون المستحقّة للموردين، من بداية العام الحالي وحتى نهاية أيار الماضي بلغت مليارين وخمسمئة مليون ليرة.
وأضاف: "بينما وعدنا بتحويل نصف مستحقّاتنا من الصندوق البلدي المستقلّ للعام 2021 والبالغة 700 مليون ليرة، ما السبيل لسدّ العجز؟ وكيف يمكننا الاستمرار في ظلّ هذا الوضع؟ ما ذنب العامل الذي انتظر ستة أشهر ليحصل على راتب شهرين أو ثلاثة دون أيّ تقديمات أخرى؟
وطالب المعنيين في الدولة بتحويل مستحقات البلديات من الصندوق البلدي المستقل لعامي 2021 و2022 ومن عائدات الهواتف الخليوية من عام 2019 حتى عام 2022 دفعة واحدة قبل عيد الأضحى، والذي يكاد لا يكفي لسداد ديون البلدية ودفع الأجور المتراكمة للعمال والموظفين، لأنّه لا يوجد حلّ آخر تراهن عليه البلديات، وإلّا فلتجد الحكومة حلاً منطقياً يضمن استمرارية العمل البلدي المتعثّر بدلاً من تركنا في مواجهة مصير مأساوي لا يحتمل التأويل".
وعن مدى صمود هذه البلديات وعمّالها قال: "لا نستطيع أن نتحمل أكثر، ولكي نتمكن من دفع المساعدات للعمال، بدأنا في استجداء بعض المموّلين والمغتربين، ونتلقّى مساعدات، خصوصاً المحروقات، من مديرية العمل البلدي في "حزب الله"، مناشداً المعنيين في الدولة والكتل النيابية والمنظمات الإنسانية والجهات المانحة، العمل على إنقاذ ما تبقّى من وجود البلديات، حتى يتمكّنوا من القيام بأقلّ واجباتهم، كإزالة النفايات وتغطية بعض المصاريف والقيام بأعمال الصيانة اللازمة للآلات".
رئيس اتحاد بلديات شرق بعلبك المهندس علي شكر رأى أنّ مطالب هؤلاء العمال حقّ وواجب، فهم لم يتقاعسوا عن أداء واجباتهم دون انقطاع حتى يومنا هذا، رغم كلّ الظروف التي أحاطت بالبلاد.
واعتبر أنّ المشكلة الرئيسية هي عدم وجود صندوق بلدي مستقل، فهو مستقل بالاسم فقط قال: "وهل تذهب جهود سنوات طويلة هباءً؟ وصلنا إلى مرحلة لا نستطيع فيها ترتيب وتنظيف وتنسيق وسطيات طريق بعلبك - زحلة الدوليّ، فهل من المسموح أن يتقاضى موظف في إحدى بلديات الاتّحاد، والذي بلغ سنّ التقاعد القانونيّ منذ أشهر 60 مليون ليرة؟ أي ما يعادل 620 دولاراً كتعويض عن الخدمة التي تجاوزت الـ 25 عاماً فماذا ننتظر؟
وحول الحلول رأى أنّه على البلديات وخاصّة الكبيرة منها مواجهة هذا التحدّي من خلال تبنّي وابتكار حلول جديدة لإيجاد موارد تضمن الاستدامة من خلال مخطّطات شاملة تختلف عن المخطّطات التقليدية الحالية، خصوصاً المنتجة منها، لدعم ميزانيتها، بما في ذلك رفع المستوى في التنفيذ والإدارة والخدمات لتمكينها من الاستجابة.
ويؤكّد أحد موظفي البلديات الكبرى أنّهم يحتاجون إلى بدل نقل للعاملين قدره مليار ونصف المليار ليرة سنوياً لتأمين البدل لجميع العمال، في وقت تقلّ فيه إيرادات الصندوق البلديّ المستقل عن ملياري ليرة، الأمر الذي يفرض تحدّيات غير مسبوقة في قدرتها على تقديم كافة المساهمات لموظفيها وتقديم الخدمات الأساسيّة لسكانها.
في المحصّلة، الإدارة المحلية للبلديات لم تعد خياراً بل باتت ضرورة ملحّة، للتحرّك نحو اللامركزية واعتماد قرار محليّ لامركزيّ، وترسيخ مفهوم الإدارة المحلية.