"طالما بصحّ بقبرص، ليش ما بصحّ بلبنان؟". هي عبارة من العبارات التي كُتِبت على ملصقات حملها أحد المطالبين بإقرار الزواج المدني في لبنان في العام 2019. استحوذ موضوع إقرار الزواج المدنيّ على أهميّة خاصّة لدى اللبنانيين، والدليل الأكبر على ذلك هو إعادة هذا المطلب إلى الواجهة بين فترةٍ وأخرى. وفي كلّ مرّة يبرز فيها هذا المطلب، تتحوّل منصّات التواصل الاجتماعي إلى حرب كلاميّة بين مؤيّد لإقرار الزواج المدني الاختياري، وبين رافض من منطلق محافظ لهذا المطلب لصالح الإبقاء على الزواج الدينيّ فقط.
لم ترحم الأزمة الاقتصاديّة الراغبين في الزواج بشكل عام، والراغبين في الزواج المدني بشكلٍ خاصّ، فليس بمقدور الجميع تحمّل تكلفة السفر "بالفريش دولار".
في الأسبوع الماضي، أطلّت قصّة "الدرزي على الورق" عمر عبد الباقي والسيدة الشيعية نجوى سبيتي، لتعطي أملًا للراغبين في الزواج المدنيّ "أونلاين" من دون الحاجة للسفر إلى قبرص أو اليونان أو غيرها من الدول.
كثيرون ظنّوا أنّ زواج عمر ونجوى الافتراضي هو الأوّل من نوعه في لبنان، إلّا أنّ الحقيقة عكس ذلك. فقد سبقهما في هذه الخطوة أكثر من ثنائيّ، فاق عددهم العشرة، بعضهم من الدين نفسه والبعض الآخر من أديان مختلفة.
قرّر خليل رزق الله وندى نعمة الزواج مدنيًّا في تشرين الثاني الماضي من دون السّفر إلى الخارج، علماً أنهما ينتميان الى الدين نفسه.
رزق الله: "الزواج المدني الافتراضي أعطى أملًا كبيرًا للّبنانيين"
واجه الخبير في مجال البرمجيات صعوبات كبيرة لإنهاء زواجه الأوّل، فكانت السبب الأساسيّ لإقدامه على هذه الخطوة. لاقى قرارهما تأييدًا كبيرًا لدى الأهل والأصدقاء، بالرغم من عدم استيعاب أولئك لفكرة الزواج المدنيّ الافتراضيّ في البداية. لا مشكلات بين العريسين والكنيسة، وهما قريبان من الدين، ولا يعتبران أنّ زواجهما المدنيّ أبعدهما عن الدين.
بدأت رحلة خليل وندى نحو الزواج المدنيّ بالبحث في احتمال السفر إلى قبرص أو اليونان، ولم يجدا أجوبة واضحة من المحامين الذين تواصلوا معهم لتوضيح الموضوع أكثر. قرّرا التعرّف أكثر على الزواج المدني من خلال بحوث قاما بها، ليكتشفا أنّ بعض الولايات الأميركيّة تسمح بالزواج المدني الافتراضي للمقيمين في داخل أو خارج الولايات. تواصل خليل مع السفارة اللبنانيّة في الولايات المتحدّة ليتأكّد من التفاصيل كافة، ومن إمكانيّة تسجيل وثيقة الزواج الإلكترونيّة في لبنان، وكان الجواب إيجابياً.
بعد إرسال الأوراق المطلوبة إلى السفارة اللبنانيّة وتسجيلها، وصلت وثيقة الزواج إلى وزارتي الخارجيّة والداخليّة عبر الحقيبة الديبلوماسيّة ليُسجّل زواجهما في لبنان، فأصدرا وثيقة زواج وإخراج قيد عائلياً من دون أيّ عوائق، لأنّ زواجهما مسجّل في أميركا، مثله مثل أيّ زواج مدنيّ يُقام ويُسجّل في دول خارجيّة كقبرص وغيرها.
وعن تكلفة هذه العمليّة يقول رزق الله: "أقلّ من نصف تكلفة السفر والزواج في الخارج، خصوصًا أنّنا في أزمة اقتصاديّة وأزمة جوازات سفر كبيرة".
اليوم، وبحكم خبرته في البرمجة، افتتح رزق الله موقعًا إلكترونيًا وصفحات على السوشيل ميديا لمساعدة من يرغب في الإقدام على الزواج المدنيّ الافتراضي من داخل لبنان. "ما أقدمنا عليه أنا وندى أعطى أملًا للّبنانيين، والمجتمع اللبناني أصبح متقبّلًا للموضوع اليوم"، يختم رزق الله.
دونا ماريّا وخليل حيدر: قصّة حبّ ستّ سنوات تكلّلت بالزواج المدني الافتراضي
بعد قصّة حبّ استمرّت لأكثر من ستّ سنوات، شكّل زواج خليل وندى محفّزًا لدونا ماريّا وخليل حيدر. فبعدما شاهدا تقريرًا تلفزيونيًّا عن زواج خليل وندى الافتراضي، قرّرا الاستعلام أكثر عن هذا الموضوع. طوال ستّ سنوات كان موضوع الزواج أشبه بالحلم بالنسبة إلى دونا وخليل حيدر، فهي مسيحيّة (روم كاثوليك) وهو مسلم (شيعي). والأصعب كان إمكانيّة سفرهما مع أهلهما إلى قبرص أو تركيا للزواج مدنيًّا، خصوصًا في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة وتحليق سعر صرف الدولار.
تواصلا مع خليل وندى عبر "فايسبوك" بعد بحث طويل عنهما، وطلبا مساعدتهما في هذا الموضوع "وما قصّرا معنا أبدًا، واهتمّا بكلّ شيء".
في البداية، شكّكا في قانونيّة هذا الزواج، إلّا أنّ خليل وندى وضّحا كلّ الأمور لهما، وأكّدا قانونيّة هذا الموضوع، فتزوّجا منذ ثلاثة أيّام بحضور الأهل والأصدقاء.
وعن تكلفة هذا الزواج تقول دونا: "العمليّة كلّها لم تتعدَّ قيمتها الـ800 دولار، وهي أقلّ من نصف تكلفة السفر والزواج في الخارج. سعيدة أنّني تزوّجت في بلدي، وبقينا أنا وزوجي على ديننا، وبحضور أهلنا وأصدقائنا، كان هذا حلم بالنسبة لي".
يعيشان اليوم في بلدة خليل في السكسكيّة في جنوب لبنان، بعد إنهائهما تجهيز المنزل. يساعدهما خليل رزق الله وندى في الإجراءات كافة، والأوراق تحتاج تقريبًا إلى خمسة أشهر لتصل إلى لبنان. شهادة الزواج لا تذكر أنّ الزواج تمّ "أونلاين"، بل تكون الشهادة كأنّهما تزوّجا في الولايات المتّحدة، ولكلّ واحدٍ منهما شاهد.
لم يمنع البُعد الدينيّ والمكانيّ عمر من الزواج بحبيبته شايان نيكول
من مجموعة مشتركة على تطبيق "فايسبوك"، تعرّف الشاب السوري عمر نصر إلى حبيبته شايان نيكول الأميركيّة. يعيش ابن الستة والعشرين عاماً في لبنان منذ ولادته، حيث يعمل كخبير مواقع تواصل اجتماعيّ في إحدى الشركات، ويصف وضعه المادّي بالمقبول. لم يتوقّع الشاب الدرزي أن تتحوّل شابّة أميركيّة شريكة حياته، كما أنّ مئات الكيلوميترات كانت عائقًا ثانيًا أمام إتمام هذا الزواج. هذا من جهة، وبيئته المحافظة دينيًّا من جهة ثانية.
واجه عمر كلّ المحيطين به، الذين رفضوا هذا الزواج الذي يتعارض مع العادات الدرزيّة والمجتمعيّة. أكثر ما أثّر فيه هو دمعة أمّه: "لم أهتمّ لكلام أحد سوى أمّي، دمعتها غالية جدًّا عليّ، إلّا أنّها بعد جهد كبير وافقت على هذا الزواج". يعتبر عمر أنّ كل إنسان حرٌّ بخياراته، فالحياة يعيشها شخص واحد وليس كلّ من يحيط به.
زارت شايان لبنان منذ شهرين، وتزوّجت عمر افتراضيًّا بوساطة محكمة في الولايات المتّحدة الأميركيّة. عرفت شايان بإمكانيّة الزواج المدني الافتراضي من خلال صديقة لها، كانت قد تزوّجت بالطريقة نفسها. لم يحسم عمر قراره بالسفر إلى أميركا من عدمه، وليس مستبعدًا أن يعيشا في لبنان مع قدوم شايان في تشرين الأوّل في ثاني زيارة لها إلى البلد الذي يعيش فيه حبيبها.
تكلفة زواج عمر وشايان لم تتعدَّ الـ85 دولارًا بحكم أنّ أوراقهما لن ترسل إلى لبنان عبر الحقيبة الديبلوماسّة، ولا يُمكن تسجيل زواجهما هنا بحكم جنسيّته السوريّة.
يجب معرفة أدق التفاصيل القانونيّة قبل الإقدام على أيّ زواج مدني
أكّدت المحاميّة والأستاذة الجامعيّة جوسلين كرم أنّ هذا النوع من الزواج لا يزال جديدًا على الساحة اللبنانيّة، وهو قانونيّ طالما تمّ تسجيله في لبنان، وقد حصل الزوجان على وثيقة زواج وإخراج قيد عائليّ.
تُشجّع كرم على الزواج المدني، وعن الزواج الافتراضي تعلّق: "من وجهة نظري، أمر كهذا يحتاج إلى إقرار قانون بدلاً من الطرق الأخرى".
تقلق كرم من إمكانيّة الإقدام على زواج كهذا، من دون تعمّق الزوجين في تفاصيل القانون الذي يتمّ الزواج على أساسه. وهذا ما يحصل اليوم بالنسبة إلى كثيرين تزوّجوا مدنيًّا في تركيا وقبرص، من دون معرفة تفاصيل؛ "مثلًا البعض لا يعلمون أنّ الحضانة تُعطى للأمّ حتى سنّ الـ18، بالرّغم من أنّ الزواج حصل في تركيا. يجب التأكّد من أيّ تفصيل في القانون، فهذه خطوة مصيريّة في حياة الزوجين".
حتمًا، ستبقى المطالبة بإقرار الزواج المدنيّ قائمة، وستبقى المعارضة لهذا المطلب بالمرصاد. ما دام هذا الزواج يُقام في الخارج ويسجّل بشكل طبيعي في لبنان، فلماذا يُرفض إجراؤه في داخل البلد؟
إلى متى ستبقى سلطة رجال الدين وبعض السياسيين قائمة على حساب حريّة الأفراد؟
كفانا تهرّبًا، ولنترك كلّ شخص يتحمّل مسؤوليّة قراراته وخياراته.