أحمد منتش
حادثة الاحتجاج والعراك والتضارب التي حصلت قبل أيام في داخل قصر جزين البلدي، على خلفية إنشاء محطة لتسبيخ النفايات العضوية عند المدخل الجنوبي لمدينة جزّين، والمدخل الشمالي لبلدة كفرحونة في منطقة تُعرف باسم "عدوس"، لم تنتهِ فصولها بعد، خصوصاً مع تمسّك وإصرار الطرفين على موقفهما، وادّعاء بلدية جزين ورئيسها خليل حرفوش على أربعة أشخاص من أبناء جزين بتهمة التعرّض والاعتداء على أحد أعضاء المجلس البلدي وعناصر الشرطة البلدية خلال حادثة الاحتجاج، ومنع أعضاء البلدية ورئيسها من عقد جلسة كانت مخصّصة لمناقشة مشروع إنشاء المحطة والشروع في تنفيذها. وقد أبلغت القوى الأمنية المُدّعى عليهم بالحضور إلى مخفر جزّين اليوم للاستماع إلى إفاداتهم، وجميعهم من آل الأسمر وهم: ناجي وإلياس وأنطوان وميلاد.
بيان وعريضة للمتضرّرين: لن نسمح بتدمير جزّين وتحويلها إلى مكبّ
وشرع المحتجّون والمعترضون على إنشاء محطة التسبيخ أو معمل المعالجة بأخذ تواقيع الأهالي في جزّين وكفرحونة الرافضين للمشروع. وأُفيد بأنّ نحو 5 آلاف شخص وقّعوا حتى الآن، كما أصدروا بياناً جاء فيه: "لم ولن نخضع يوماً لكافّة أساليب الترهيب. ولم ولن نسمح يوماً بتدمير مدينة جزّين الحبيبة وتحويلها إلى مكبّ للنفايات. كيف لنا أن نسمح لكم بتشويه طبيعة جزّين وتلويث مياهها الجوفية برواسب النفايات المسرطنة" (الآبار والينابيع لا تبعد سوى بضعة أمتار عن المعمل)؟ وأضاف البيان: "إن كنتم تهدّدون بسلطة القانون فنحن نرحّب بذلك، ونحن تحت سقف القانون، ونطمح بالقانون علّه يوقف بطشكم وتفرّدكم باتّخاذ القرارات".
وشدّد البيان على عدم الوقوف مكتوفي الأيدي، والاستعداد لدفع ثمن أيّ قرار تتّخذه أيّ جهة وتكون له تبعات سلبية على جزّين. ولفت البيان إلى الحادثة التي حصلت يوم السبت الفائت، واعتبر التحرّك مجرّد احتجاج سلميّ ومحقّ على مرأى ومسمع الأجهزة الأمنيّة.
وختم البيان بالدعوة إلى الترفّع عن كافّة المصالح الشخصيّة الضيّقة، ولـ "نتّحد ولو لمرّة واحدة لما هو خير لجزّين، ولنسعى إلى تطويرها والحفاظ على طبيعتها بدلاً من تدميرها".
وحرفوش يوضح: من لديه حلّ أفضل فليقدّمه
رئيس بلدية جزّين خليل حرفوش، أوضح لـ "النهار" قائلاً: "منعاً لتضليل المواطنين في ما يتعلّق بمحطّة التسبيخ المنويّ إنشاؤها نوضح ونؤكّد على الأمور الآتية:
- إنّ محطّة التسبيخ المنويّ إنشاؤها هي لبلدة جزّين- عين مجدلين فقط.
- إنّ كمية النفايات العضويّة التي سوف تستقبلها المحطّة هي 1.5 طنّ يوميّاً، أي حمولة ربع بيك آب.
- إنّ الشاحنات (البيك آب) التي سوف تستعمل مغطّاة ومجهّزة بخزانات لمنع تسرّب عصارة النفايات.
- المحطة لا تنتج أيّ مياه، بل إنّ عصارة النفايات سيُعاد استعمالها في عملية التسبيخ.
- إنّ أرض المحطّة معزولة عزلاً تامّاً بالباطون وبموادّ خاصّة.
- سوف يتمّ إرسال العوادم إلى محرقة في البقاع الغربيّ، وأصلاً لن تدخل إلى المحطّة المخصّصة فقط للنفايات العضويّة.
- لن يكون هناك أيّ طمر للنفايات.
- سوف تكون هناك رقابة من جهات أجنبية متخصّصة على حسن التشغيل.
- سوف يوزّع على المنازل ٣ مستوعبات مختلفة اللون للفرز من المصدر، وسيُصار إلى إزالة جميع المستوعبات عن الطرقات.
- المحطّة مجهّزة بفلاتر لمنع أيّ انبعاث للروائح.
- المحطة حصلت على رخصة من وزارة البيئة ووزارة الصناعة والتنظيم المدنيّ.
- إنّ الجهة المانحة هي مموّلة المحطّة، وهي ملزمة مباشرةً بعكس ما يشيّع البعض.
- في حال حصول أيّ خلل، وهو أمر عملياً مستحيل، تُقفل المحطة على الفور من خلال إقفال البوابة على الطريق العامة.
من لديه حلّ أفضل فليقدّمه، ونحن منفتحون على مناقشته".
ملاحظات وتساؤلات
وجّه الخبير البيئيّ المهندس كريم سليمان كنعان عبر "النهار" جملة من الملاحظات والتساؤلات وقال: "لا شكّ في أنّ معالجة مشكلة النفايات وإقامة أيّ محطة أو معمل لمعالجتها حاجة ضروريّة وأمر في غاية الأهمية، ولكن يبقى الأهمّ: هل المكان مناسب لإنشاء أيّ معمل، ويستوفي كلّ الشروط الصحّية والسلامة العامة؟ المنطقة التي ستُقام فيها محطّة تسبيخ النفايات في جزّين هي منطقة مياه جوفية، وفيها ينابيع وآبار ومحطّة مياه لمصلحة مياه لبنان الجنوبيّ، وهي منطقة أرضها "كارستية"، صخورها مفتّتة، أي بمعنى أنّ المياه تتسرّب منها بقوّة إلى باطن الأرض".
وسأل كنعان: "هل أجرت وزارة البيئة دراسة جيولوجية على الموقع أو بعثت بأيّ خبير لزيارته؟ وهل الملاحظات التي وضعتها الوزارة بناء على المعلومات التي قدّمتها البلدية سيتمّ تنفيذها؟ ولماذا لم تبدأ البلدية بخطّة توزيع المستوعبات والطلب إلى الأهالي القيام بعملية فرز النفايات من المصدر قبل نقلها إلى المعمل؟". وأبدى كنعان أيضاً خشيته وتخوّفه في حال إنشاء المحطة من أن تتحوّل المنطقة إلى جبل من النفايات والعوادم كما حصل في معمل معالجة النفايات في صيدا.
من جهته، رأى أستاذ الهيدروجيولوجيا في الجامعة اللبنانية سمير زعاطيطي أنّ "الموقع يشكّل خطراً داهماً على الثروة المائية السطحية والجوفية، لا سيما أنه يقع بين كسرين أرضيين، تاركاً فراغات كبيرة في المنطقة، وأي ملوثات على السطح ستتسرب حتماً وتنتشر عبر الشقوق والكسور وفراغات التذويب إلى كامل القسم الجنوبي لهذا المخزن المائي الجوفي المتمثل بمقعر جزين".