النهار

مهرجانات بعلبك تختتم برنامجها... قبل أن تنسل ساعات الفجر الأولى!
هنادي الديري
المصدر: "النهار"
مهرجانات بعلبك تختتم برنامجها... قبل أن تنسل ساعات الفجر الأولى!
مهرجانات بعلبك.
A+   A-
ها هي مدينة الشمس، بشراستها المُخمليّة، تطل من بعيد. وسلّة مملوءة بزهور الريحان تغمز إلى رومنطيقيّة الكفاحات القصيرة. معابد مهيبة تستقبل الأمسية الأخيرة لمهرجانات بعلبك الدوليّة، وساعات قليلة قبل أن يطل الفجر ويأخذ معه الإيقاعات الرائعة المنسوجة بعناية، وحيث لا يوجد مكان للضوضاء العنيفة التي تنتظرنا بغرور. هذا المساء، نمضيه معاً بالتأمل والصوفيّة والأنغام الكلاسيكيّة الشاهقة الممزوجة بالأخرى الحديثة. والرقص الصوفي الذي تخرج من بين سطوره الأساطير. سيمون غرايشي، رنا غورجاني وجاكوبو بابوني شيلينغي يُقدمون في هذه الأمسية الأخيرة، جُنينة صغيرة من السكون المقدّر جداً.

ومهرجانات بعلبك تهتف من أعلى برنامجها: We Are Alive. بيانو، رقص صوفي وفواصل سمعيّة إلكترونيّة. الكثير من الحداثة والكثير من الروحانيّة. ولسبب أو آخر تمتزج هذه العناصر جيداً معاً. وكأنها وُلدت لتكون الواحدة إلى جانب الأخرى.

ها هي مدينة الشمس تُهدهد خوفنا من المجهول قبل أن يطل الفجر ويأخذ معه هذه اللحظات العابرة من الفرح الهادئ.

في كانون الأول الفائت، عندما أقيمت حفلة في معهد العالم العربي في باريس شملت 8 فنانين إختارهم عازف البيانو الفرنسي ذات الجذور اللبنانية والمكسيكيّة، سيمون غرايشي ليضمّوا مواهبهم لدعم مهرجانات بعلبك بعد عامين من الإنقطاع بفعل الظروف السرياليّة التي مر بها العالم بأسره، وعدنا هذا العازف غير التقليدي الذي لا يحصر نفسه داخل إطار كلاسيكي بأنه سيزور مدينة الشمس بمعابدها المهيبة. وأنه سيُشارك في المهرجانات المُرتقبة.
وها قد وفا بوعده.

عادةً يطل على خشبة المسرح بثياب زاهية لا علاقة لها بالموسيقى الكلاسيكيّة المهذبة التي يعزفها وينشرها كالصلاة في مختلف أنحاء العالم. ولكنه، إختار ما يُشبه الكلاسيكيّة ليطل من خلالها على خشبة القلعة. خلال التمارين، إرتدى الشورت المُزخرف بألوان مجنونة. وسُرعان ما إستبدلها بأزياء أكثر وقاراً، ولكنها لا تخلو من اللمسات البرّاقة. ولكن خصلات الشعر حافظت على جنونها.

أما الفرنسيّة – الإيرانيّة رنا غورغاني ففكرت مطولاً قبل أن تختار الأزياء التي ستؤدي من خلالها رقصاتها الصوفيّة. أرادت أن يكون لكل مقطوعة اللون الذي يتوافق معها. إنخطافها كان مُعدياً. وكأنها إنصهرت كلياً بالأكروبوليس، ولم تستيقظ من حلمها إلا لدى بزوغ الفجر آخذاً معه هذه اللحظات العابرة من السكون.

والمؤلف جاكوب بابوني شيلينغي ف إنطلق من النوتات الأخيرة التي عزفها سيمون ليكمل معها إيقاعاته الحديثة في عرض متواصل إنصهرت بدايته بلحظاته الحاسمة الأخيرة.
سيمون يعشق روح الفكاهة، ورنا تلتوي بإنخطاف وإنسيابيّة مُخمليّة، وجاكوب مُنهمك بتطريز الإيقاعات السمعية الحديثة، ليكون العرض في صورته النهائيّة تأملي تتخلله ومضات من الترانيم المُتوصلة التي تهدئ الروح وتحصنها من كل ما يحصل من حولنا.

قبل أن تنسل ساعات الفجر الأولى وتأخذ معها نسيم هذه الأمسية الهاربة من كتاب الأمان.


[email protected]
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium