أحمد منتش
خان وقصر صاصي في صيدا القديمة، هو أحد أهم المعالم الأثرية والتراثية والتاريخية التي يجب زيارتها لفهم تاريخ المدينة القديمة بشكل عميق، والذي يمتد لنحو 6000 عام.
وما أضاف على هذا المعلم التاريخي القديم قيمة أثرية وتاريخية، المكتشفات الجديدة التي كانت مدفونة تحت التراب التي أظهرتها عملية إعادة ترميم الخان والحفريات التي جرت والتي قرر القيام بها السيد أنطوان صاصي نجل الوريث الأخير لصاحب الخان والقصر الطبيب غبريال صاصي بعد 52 عاما على مغادرة العائلة القصر، اثر الزلزال الذي ضرب صيدا العام 1956، وبعد أن استعاد صاصي المبنى، وتمكن بعد جهود مضنية من إرضاء نحو 17 عائلة من اخلائه ظلت تقيم فيه منذ وقوع الزلزال ولغاية العام 2008، وكان في حالة يرثى لها.
المكتشفات كنوز استثنائية من حقبات تلي العصور الوسطى
سمحت أعمال إعادة ترميم الخان التي بدأ تنفيذها منذ العام 2010 واستمرت لمدة خمس سنوات، بعد إزالة الركام وعمليات الحفر والتنقيب، باكتشاف كنوز استثنائية من حقبات تلت العصور الوسطى.
- اثنان من الحمامات النموذجية من العصر المموكي (1201 – 1517) مع قبابهما وفتحات قاع الزجاجة تسمح بمرور الضوء.
- بئران محفوران من أنماط معمارية مختلفة يتغذان من الخزان الجوفي الساحلي والذي يشهد على ثروة المدينة المائية منذ العصور القديمة.
- بئر ثالث يقع في الجناح الايسر من الخان، متصل بالقصر العلوي.
- فرن متعدد الاستخدامات من الفترة العثمانية (1918 – 1517).
- غرفة للمؤن بأرضية مرصوفة.
العديد من الخزفيات من عصور مختلفة.
والاهم ان كل ما تم اكتشافه، تم تنظيفه وحفظه وابقاؤه داخل الخان ليكون شاهداً على تاريخ المدينة وحياة الشعوب والجيوش التي تعاقبت وتصارعت على المدينة.
موقع الخان والقصر
خان وقصر صاصي، ملاصق ومجاور لقصر دبانه، يقع عند الطرف الشمالي للمدينة القديمة، الوصول اليه اما عبر ساحة النجمة وسط صيدا وشارع الشاكرية وصولا الى شارع المطران، ومدخله الرئيسي مجاور لمدخل قصر دبانه وكلاهما مع غيرهم من القصور بناها أحد كبار الشخصيات العثمانية من أصول مغربية علي اغا حمود في العام 1721 وانتقلت ملكيته لعائلة صاصي منذ نحو220 سنة وتوارثته ستة أجيال من العائلة.
تُفتح ابوابه أمام الزوار والسواح طيلة أيام الأسبوع من الساعة التاسعة صباحا ولغاية الساعة السادسة مساء. وتقام في قاعاته حفلات وأمسيات فنية وثقافية ومعارض. رسم الدخول للشخص الواحد 30 ألف ليرة وللصغار 10 آلاف، يعود ريعها لدعم تلامذة مدرسة خاصة في بلدة عين المير – شرق صيدا.
"عهد" أنطوان صاصي
خان صاصي، ما كان ليبصر النور ويعود من جديد للحياة كما كان منذ انشائه قبل أكثر من ثلاثمئة عام ويكون شاهدا على تاريخ المدينة القديمة، لولا الإرادة الصلبة والروح الحية التي تميز بها أنطوان صاصي نجل الوريث الأخير للخان والقصر الدكتور غبريال صاصي.
وفي حديث خاص لـ"النهار" قال صاصي: "بعد مرور 50 عاما على ترك عائلتي للقصر بعد الزلزال الذي ضرب المدينة، واحتلاله من قبل عائلات تصدعت بيوتها أو دمرت كليا، اقامت العائلة في بيروت، وانا هاجرت الى فرنسا لمدة ثلاثين عاماً، وخلال احدى زياراتي الى لبنان وبصحبتي أصدقاء فرنسيون، قلت لهم سأعرفكم على بيت العائلة في صيدا، وخلال زيارتنا للقصر والذي كان في حالة يرثى لها عاهدت نفسي على ضرورة استعادة القصر وإعادة ترميمه من جديد. طبعا المهمة كانت صعبة وشبه مستحيلة حتى ان البعض اعتبر ما أقوم بها "جنوناً". الخطوة الأولى كانت في اقناع وارضاء 17 عائلة كانت تقيم في ارجاء القصر، وهذا الامر استغرق فترة ثلاث سنوات. وابتداء من العام 2010 ، وبعد اجراء الدراسات على يد خبراء واختصاصيين بدأنا بورشة رفع الأنقاض والركام من الطبقة السفلى للخان، وخلال عمليات الحفر التي جرت على يد مختصين واشراف من المديرية العامة للاثار، كانت المفاجأة كبيرة عندما اكتشفنا غرف وقاعات تحت الخان تعود الى عصر المماليك، وجميع المحتويات المكتشفة لا تزال موجودة، وهنا يصح القول ان الخان يمكن تسميته متحف خان صاصي، واعمال الترميم وكافة الاشغال استغرقت نحو 5 سنوات. ومنذ العام 2017 ، يفتح الخان أبوابه امام السواح والزوار طوال أيام الأسبوع، وتقام فيه حفلات فنية وثقافية في مناسبات خاصة ووطنية".
واكد صاصي ان صيدا مدينة أثرية وتاريخية بامتياز، ولا يجوز ان تكون فقط ممراً وانما مقراً لكل زائر أو سائح.
وحول إعادة ترميم وصيانة قصر العائلة، اكد صاصي ان الإرادة موجودة وبدأنا بوضع التصاميم والدراسات اللازمة، والامر يحتاج الى بعض الوقت وتوفر الإمكانيات المادية الكبيرة لذلك ونأمل ان تساعدنا ظروف الأوضاع في لبنان على تنفيذ غايتنا.