النهار

تدهور الثروة السمكية... هل تستطيع الجهود القانونية والعملية إيقافه؟
المصدر: "النهار"
تدهور الثروة السمكية... هل تستطيع الجهود القانونية والعملية إيقافه؟
صياد في المياه اللبنانية قبالة شاطئ صيدا (أرشيفية).
A+   A-
ماريا منصور
 
إنتاج السمك في لبنان لا يلبّي طلب السوق المحليّة منذ سنوات طويلة، والأسباب متعدّدة. يظهر التفاوت بين حجم استيراد وتصدير السمك الحاجةَ إلى جهود تحمي وتعزّز الثروة السمكية المنسيّة والأمن الغذائي.
 
بحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، استورد لبنان في 2022، ما مجموعه 11067 طنّاً من الأسماك والقشريّات والرخويّات وغيرها، بقيمة 50.4 مليون دولار أميركيّ، في حين، تمّ تصدير 1.6 في المئة فقط من حجم الاستيراد، أي 178 طنّاً مقابل 1.3 مليون دولار.
ووفقاً للكتاب السنويّ لمنظمة الأغذية والزراعة لإحصاءات مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية في 2019، استورد لبنان في 2017، ما مجموعه 55480 طنّاً من الأسماك والمنتجات السمكيّة بالوزن الحيّ، وصدّر ما يزيد قليلاً عن واحد في المئة من حجم الاستيراد، أي 589 طنّاً.
 
"بدأت خلال الحرب الأهلية فوضى الصيد، واستمرّت مسبّبةً تراجعاً في ثروتنا السمكيّة. ولكن قبل الحرب كان إنتاجنا المحليّ من السمك كبيراً جدّاً"، يقول حنّا شواح، رئيس نقابة صيادي الأسماك في بيروت وضواحيها.
 
يُكمل شواح أنّه "بالنظر إلى عدد سكّان لبنان، وطول الشاطئ اللبناني والمناطق الصالحة للصيد، يتبيّن لنا أن الإنتاج المحليّ يُفترض أن يكفي لسدّ حاجة الداخل اللبنانيّ. ولكنّه في ظل غياب قانون جديد، ومع انتشار الصيد الجائر، تراجعت ثروتنا السمكيّة، وأصبحنا مجبرين على الاستيراد".
 
 
الأحياء المائية في مسودة قانون
تدرس لجنة نيابية فرعية منبثقة عن اللجان المشتركة مسودة قانون "الصيد المائي وتربية الأحياء المائية" الذي يتضمّن تعديلات أساسية، وإضافات، من شأنها أن تنظم القطاع وتحدّ من عشوائيّة التراخيص. وخلال إعداد المسودة، جرى تعاون لصيق بين وزارة الزراعة و الهيئة العامة لمصايد الأسماك في البحر المتوسط GFCM و"الفاو".
 
فبحسب مدير التنمية الريفية والثروات الطبيعية في وزارة الزراعة، شادي مهنا، كشف خبراء من GFCM على الشاطئ اللبناني لدرس ما يُمكن تربيته من الناحية الفنية، والمخاطر التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند تربية الأحياء البحرية.
يشير مهنا إلى أنه "للمرة الأولى يُدرج موضوع تربية الأحياء المائيّة ضمن قانون. وقانون الصيد الحالي عمره نحو مئة عام؛ إذن هناك حاجة ملحّة لتغييره!".
 
"بدأنا العمل على التعديل منذ عشر سنوات، لكننا لم نتمكّن الوصول إلى نتيجة من قبل، بسبب تغيّر الحكومات أو نتيجة تطوّرات تطرأ"، يُضيف مهنا، لافتاً إلى أن "هذه المرة على ما يبدو بدأنا نصل إلى خاتمة، فالقانون يناقش من قبل لجنة نيابية بحضور وزارة الزراعة".
 
وعن مرحلة تحضير المسودة، يشرح النقيب شواح بأنّهم "كنقابات وتعاونيات، شاركنا في اجتماعات مع وزارة الزراعة خلال إعداد مسودة القانون، ونحن ننتظر صدور القانون لتقديم اقترحات تعديل تجعله يلائم التغيّرات التي حدثت في السنوات التي تلت وضع المسودة".
 
لكن نقيب صيادي السمك في شمال لبنان، مصطفى أنوس، يشير إلى أن النقابة التي يرأسها لم تشارك في صياغة المسودة؛ وهي تضمّ أكثر من ألفي صيّاد، ونحو 90 في المئة من منتسبيها في طرابلس "لا يعملون إلا في الصيد، لأن ليس لديهم أيّ خيار آخر"، بحسب قوله.
وفي حديثه عن التحدّيات التي تواجه قطاع الصيد كمصدر رزق، يوضح شواح بأن "نحو 700 صيّاد من المنتسبين إلى نقابة بيروت وضواحيها مرغمون على القيام بأعمال أخرى إلى جانب صيد السمك للعيش".
 
 
"احتججنا ضد مشروع"
تغيب مزارع الأسماك البحرية في لبنان بشكل كامل على خلاف مزارع الأسماك في المياه العذبة، وذلك نتيجة تحدّيات تُلقي بظلالها على هذا القطاع.
 
وفقاً لـنظرة عامة على قطاع الاستزراع المائيّ الوطني، أعدّتها منظمة الأغذية والزراعة، فإن "معظم اللبنانيين يفضّلون الأسماك البحرية، ولا يزالون لا يعرفون الطرق المختلفة لطهو سمك الترويت. ومع ذلك، فإن هذا النوع من الأسماك آخذ في النمو، وأصبح معروفاً بشكل متزايد من قبل المستهلك اللبنانيّ".
 
"هناك نحو 1685 نوعاً من الأسماك في النظام المائيّ البحريّ. وتوجد مزرعة واحدة فقط للاستزراع المائي في المياه المالحة في لبنان، وهي مزرعة للجمبري (القريدس) في منطقة العبدة، شمال لبنان".
 
يشرح مدير معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند، منال نادر، بأن غياب القانون عقبة أساسية في وجه مزارع الأسماك البحرية، "فالقانون الساري المفعول لا يسمح باستثمار المسطحات المائية، وهذا ما يمنع وضع أقفاص في البحر".
 
يلفت نادر إلى أن تكلفة تنفيذ مشروع مزرعة أسماك بحريّة مرتفعة، وبالتالي "المستثمر لن يضع أمواله في حال غياب قانون يحميه".
 
ومن بين العقبات الإضافية، بحسب نادر، غياب البنى التحتيّة الضروريّة في المرافئ، وعلى اليابسة، والأدوات اللازمة للعناية بالتجهيزات التي سيتم وضعها في البحر وغيرها من المتطلبات الداعمة للمشروع.
 
وفي هذا السياق، يروي شواح أنّ "قبل ثلاثين عاماً تقريباً احتججنا كنقابة ضدّ مشروع مزرعة أسماك بحريّة في جنوب لبنان، وعقدنا اجتماعات لإيقافه. وذلك لأنّنا اعتبرنا حينها أنه سيضارب على إنتاج الصيادين. ولكن عندما زاد استيراد الأسماك بالدولار، غيّرنا موقفنا من مزارع الأسماك البحرية".
 

"البيروقراطية أوقفت مشروعنا"
في السنوات الثلاث الأخيرة، تمنّت الجهات السياسية الفاعلة في الجنوب، حزب الله وحركة أمل، على نجل النائب السابق أحمد عجمي، محمد عجمي، إعادة النظر في مشروع أوقفه منذ خمسة وعشرين سنة تقريباً، بحسب قوله.
 
يشرح عجمي بأن فكرة المشروع بدأت بعد زيارة إلى اليونان، فبدأ التحضير له سنة 1993 على أرض قريبة من البحر تمتلكها عائلة عجمي في منطقة عدلون الجنوبية. كان سيتم إنشاء مزرعة لإنتاج القريدس، وإلى جانبها كان من المخطط إنشاء مرفأ لتسهيل عمل مزرعة بحريّة كانت ستنفّذ على بعد 10 كيلومترات من الشاطئ لإنتاج نوعين من السمك هما الأجاج والقاروص.
 
اهتمّت العائلة بهذا المشروع، بحسب تفسيره لأنه "كان سيوظف ما بين 150 و200 عامل في المرحلة الأولى منه. مشروع إنمائي بحت، ومشروع اقتصادي، يمكن أن يدرّ أرباحاً بعد عدد معين من السنوات".
 
زارت وفود من اليونان ،الصين ،مصر وقبرص لبنان لإجراء دراسات مطلوبة لتسيير بعض الأمور اللوجستية، وذلك بحسب عجمي، الذي أسف لأن إنجاز كلّ معاملة في المؤسسات الرسمية حينها كان يستغرق ست أشهر أو سبعة. "البيروقراطية أوقفت مشروعنا"، يقول عجمي.
يلفت عجمي إلى أن تمويل المشروع كان سيتم بوساطة قروض ذات فوائد مخفّضة من أحد المصارف اللبنانية، نافياً وجود شركاء معهم في هذا المشروع.
 
بعد خمس سنوات من متابعة المعاملات وإتمام عدد كبير منها، رأت العائلة عدم استكمال المشروع، في سنة 1998، لأنّ الأرقام والتقنيات تبدّلت، بالإضافة إلى أن القروض التي كانت متاحة بفوائد مناسبة لم تعد متاحة.
 
يؤكد عجمي أنه لم يعد مهتمّاً بالاستثمار في الاستزراع السمكيّ، لكنّه يأمل في رؤية مشاريع مماثلة منفّذة في لبنان.
 
وعلى بعد أكثر من مئة كيلومتر من عدلون، سينفذ قريباً مشروع “biohut nursery” في عمشيت بهدف حماية وتعزيز الثروة السمكيّة. يعتمد المشروع على موادّ "قابلة لإعادة التدوير بنسبة 100 في المئة"، وفقاً لشركة Ecocean الفرنسيّة التي طوّرته؛ وهي شركة تمّ تأسيسها في مونبلييه، عام 2003. وفقاً لموقعها الإلكترونيّ، قامت الشركة بتركيب أكثر من 4800 “biohut nursery” حتى الآن.
 
 
"Biohuts" في عمشيت
ستنفّذ جمعية يوميات المحيط، التي تهتم بالبيئة البحرية، مشروعاً يقضي بتركيب أقفاص لتكون ملجأ للأسماك الصغيرة، التي ستتمكّن من الدخول والخروج، من وإلى الأقفاص، لتأكل وتحتمي من الأسماك الكبيرة.
"مشاريع مزارع الأسماك البحرية مختلفة تماماً عن مشروعنا، ومن منظور بيئيّ ليست مستدامة للغاية، وتخلق الكثير من المشكلات"، تشرح مديرة جمعية يوميات المحيط جينا تلج. "مشروعنا هو إعادة ترميم الموائل المدمّرة".
 
وتشير تلج إلى أن مشروع “biohut nursery” الذي ستنفذه الجمعية في مرفأ الصيادين في عمشيت، بالتعاون مع Ecocean، مموّل من قبل مرفق البيئة العالمي "GEF".
 
في آذار، سيدرّب فريق من الجهة الفرنسيّة الجمعية القائمة على المشروع، وسيعلّمها طريقة تركيب أقفاص الـ“biohut nursery” والعناية بها ومراقبتها خلال السنوات الخمس المقبلة.
 
ورداً على سؤال، أوضحت تلج بأنهم "حتى الآن"، حصلوا على رخصة من وزارة الأشغال العامة والنقل ليتمكّنوا من العمل في المرفأ.
 
وسبب اختيارهم لمرفأ عمشيت -بحسب قولها- أنّهم على تواصل مع البلدية وإدارة المرفأ، ويثقون بحسن تطبيق إرشادات الصيد، إضافة إلى أن المياه هناك لا تزال نسبياً نظيفة.
 
مطلب من نقابة الصيادين
يقول نقيب الصيادين في شمال لبنان مصطفى أنوس مشتكياً "تواصلنا مع وزارة الزراعة منذ نحو سنتين كي ترسل عناصر لضبط البحر، وليمنعوا الصيد بالبنادق ليلاً. أجابونا بأنّه ليس لديهم عدد كاف من عناصر المراقبة".
 
"استخدام البندقية يقتل الأسماك الصغيرة، والصيادون لا يجدون في الصباح أسماكاً نتيجة الإفراط في استخدامها ليلاً في ظلّ غياب الرقابة". يؤكد أنوس أنّه مستعدّ لتأمين عناصر مراقبة و"لكنّني بحاجة إلى إذن من وزارة الزراعة".
 
وفي هذا السياق، ينبَه نقيب الصيادين في بيروت وضواحيها، حنا شواح، إلى أن "الصيد الجائر يقضي على الثروة السمكيّة، وعدد مراقبي الوزارة قليل جداً، وهم للأسف ليس لديهم سلطة. هم يبلّغون الوزارة بالمخالفات، ويتعاونون مع القوى الأمنية في بعض الحالات".
 
This report was written and produced as part of a media skills development programme delivered by the Thomson Reuters Foundation. The content is the sole responsibility of the author.
 

اقرأ في النهار Premium