أحمد منتش
قصر ومتحف دبانة واحدٌ من أهمّ المعالم الأثرية والتاريخية والسياحية العديدة والمتنوّعة التي تتميّز بها مدينة صيدا، انطلاقاً من تاريخها العريق منذ بدايات العهد الكنعانيّ أو الفينيقيّ، وصولاً إلى العصور الرومانيّة والصليبيّة والعربيّة والعثمانيّة، وانتهاءً إلى عهد الانتداب الفرنسيّ.
يقع قصر ومتحف دبانة عند الطرف الشمالي الغربي لمدينة صيدا القديمة، بمحاذاة شارعَي الشاكرية والمطران. بناه المغربي علي آغا حمود في العام 1721 ليكون مقراً لوالي المدينة العثمانيّ. وقرابة العام 1850 اشتراه يوسف لطفي دبانة (كان قنصلاً لصقلية ونابولي)، ثمّ توارثه منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا أبناؤه وأحفاده، الذين كان آخرهم ولا يزال روفائيل دبانة ( قنصل إيطاليا الفخري في صيدا والجنوب)، الذي عاش مع أفراد عائلته ومَن سبقه من العائلة في القصر حتى العام 1978، حين اضطرّ إلى مغادرته، نتيجة سيطرة الأحزاب والتنظيمات اللبنانية والفلسطينيّة المسلّحة على الوضع الأمني في المدينة، بالتزامن مع الاجتياح الإسرائيلي الأوّل لمنطقة جنوب الليطاني.
استطاع روفائيل دبانة بمساعدة بعض أبناء المدينة نقل معظم أثاث ومقتنيات منزله قبل أن يحتلّه لاجئون ومسلّحون ينتمون لتنظيمات محليّة، لغاية العام 1982.
بعد ذلك بسنة، استعاد دبانة قصره، وكان في حالة يرثى لها بسبب الأضرار التي لحقت به خلال فترة احتلاله، فخطرت على باله فكرة إنشاء "وقف دبانة"، الذي يهدف إلى إعادة ترميم البناء واستخدامه كمتحف يُعبّر عن الحقبة العثمانية وآثارها المعماريّة، ويقوم على دمج عناصر المنزل ومحتوياته مع المتحف في المكان نفسه.
بعد إنشاء وقف دبانة في العام 1999، بدأت في العام 2000 أعمال ترميم وصيانة المبنى، ثمّ أعادت العائلة إليه كلّ ما كان موجوداً فيه سابقاً من أثاث ومقتنيات وأوانٍ أثرية ولوحات فنيّة وكتب متنوّعة؛ حتى "مطيرة" عصفور الكناري التي كانت تعشقها زوجة دبانة، السيّدة أنجيل بورتاليس، أعيد وضعها في مكانها في القاعة الرئيسيّة للقصر، ومنذ العام 2001 باتت أبواب القصر مفتوحة أمام الزائرين والسيّاح من لبنان والدول العربيّة ومن معظم دول العالم.
أبواب القصر مفتوحة
تقول مديرة القصر والمتحف أولفت البابا إن القصر يفتح أبوابه من الساعة التاسعة صباحاً لغاية الساعة السادسة مساء، ورسم الدخول بلغ في الوقت الحاضر 35 ألف ليرة لبنانية للشخص الواحد، و20 ألف ليرة للشخص ما دون سن الـ18، بعد أن كان سابقاً بـ5 آلاف ليرة لبنانية فقط، وذلك نتيجة الأعباء المادية الناجمة عن ارتفاع سعر الدولار وفاتورة اشتراك بالكهرباء وأعمال التنظيف والصيانة. وأوضحت البابا بأن القصر كان يستقبل قبل اندلاع انتفاضة 17 تشرين في العام 2019، وتفشّي وباء كورونا، نحو 40 ألف زائر على امتداد العام، أغلبيّتهم من لبنان والدول العربيّة والأوروبيّة والغربيّة والآسيويّة.
وأملت البابا في موسم سياحيّ واعد للقصر ولمعالم صيدا الأثرية والتاريخية خلال الأشهر المقبلة.
العائلة تنازلت عن ملكيّته لمطرانية صيدا للروم الكاثوليك
واللافت هنا أن روفائيل دبانة الذي ظلّ متمسّكا بالقصر، وبذل جهداً كبيراً للحفاظ عليه، تنازل بمبادرة منه، مع أبنائه وعائلاتهم، بعد سنة واحدة من إنشاء "وقف دبانة" في العام 1999، عن ملكيّة القصر ومحتوياته لمطرانية صيدا للروم الكاثوليك، بعد أن قام بتمويل الدراسات والأبحاث التاريخيّة والمتحفيّة والأثريّة المتعلّقة بالبناء ومحيطه، والتزم تمويل المرحلة الأولى من أعمال الترميم والصيانة. ومثل هذه المبادرة نادرة، وتكاد تكون فريدة من نوعها، تحديداً في لبنان، حيث شهدنا في سنوات الحرب الأهلية وحكم قوى الأمر الواقع كيف أن أصحاب النفوذ والسلطة وبعض زعماء الأحزاب والطوائف، تناوبوا على الإفادة من الأملاك العامة، وكيف استولوا على مساحات كبيرة ممّا يعرف بـ"المشاعات" لمصالحهم الشخصيّة.
انتسب وقف دبانة في العام 2001 إلى المجلس الدولي للمتاحف ولجنة المساكن التاريخية – المتاحف، بعد أن كان صُنّف في العام 1968 بناءً أثريّاً بمسعى من الأمير موريس شهاب.
القنصل روفائيل جورج دبانه صاحب القصر والمتحف والذي تنازل عن ملكيته لمطرانية صيدا للروم الكاثوليك.
قنصل صقلية ونابولي يوسف لطفي دبانه اول من اشترى القصر من المغربي علي اغا حمود قبل نحو قرنين من الزمن وقرن واحد على بنائه
الفت البابا مديرة القصر والمتحف