طوني فرنجية
تشكّل غابة أرز الرب الدّهرية معلماً سياحياً رائداً في لبنان لاستقطاب السّياح الذين يتوافدون من أنحاء العالم كافة. هذا الإرث الدّيني والبيئي، الذي يجتاز عدد زوّاره سنويّاً الخمسين ألفاً، يقول عنه أحد أبناء بشري: "من يزر لبنان من دون أن يزور غابة الأرز كمن يزور الفاتيكان من دون أن يلتقي قداسة الحبر الأعظم"، خصوصاً أن اعتقاداً يسود في بشرّي، بل في غير مكان أيضاً، بحسب مؤرخين وخبراء وعلماء، "بأن الأرزة الأولى في غابة أرز الرب في بشري قد غرسها الله خالق السماوات والأرض وكلّ كائن حيّ".
وتيمناً بذلك، وفي الرّبع الأخير من القرن التاسع عشر، بنيت كنيسة التجلّي على تلّة في وسط الغابة الدهرية، وهي المكان الذي يقصده البطريرك الماروني عشية عيد التجلّي ليحتفل بالذبيحة الإلهية في جواره وفي ظلال الأرز المقدّس.
الأرز الرمز، مقصد السيّاح العرب والأجانب. السياحة الداخلية ناشطة في المكان صيفاً وشتاءً، ولأجل المحافظة وتعزيز السياحة تواكب لجنة أصدقاء غابة الأرز منذ تأسيسها في العام 1985 وحتّى تاريخه البرامج الآتية، وفق خطط خمسيّة:
- تشحيل الأغصان اليابسة.
- إنشاء وصيانة الممرات.
- وضع لاقطات صواعق، وتسنيد الأرزات في سبيل التّوازن.
- بناء مداخل لتنظيم الدّخول والخروج من الغابة.
- تتحيف كنيسة التّجلّي.
- نحت أرزات الثالوث في ساحة لامرتين، وأرزة الشمعة.
- إعمار السور.
- إطلاق محميّة الأرز-قاديشا.
- تحريج المساحات الجرداء الملاصقة للغابة تحت اسم "غابة أصدقاء أرز لبنان" بأكثر من 160000 شجرة على مساحة 550 هكتاراً مقدّمة من بلدية بشري ضمن برنامج العرابات.
- إنشاء طريق المشاة من قنوبين إلى أرز الرب.
- إنشاء المشاتل الأحدث في منطقة الشّرق لتوليد الشتول من بذور الأرز اللبناني.
- إطلاق مشروع قمم الأرز الذي يربط غابة الأرز بغابتي إهدن وحدث الجبة – تنورين.
- إنشاء برك مياه للريّ تستوعب كميات تكفي لريّ الشتول بطريقة منتظمة وعلميّة.
- إنشاء المعشب الطبيعي لجميع النباتات في قلب ومحيط الغابة.
إضافةً إلى برامجها العمليّة والإنقاذية، أنشأت لجنة أصدقاء غابة الأرز شبكة علاقات وطنيّة ودوليّة، وأصبحت ممثّلة الدول العربية في "تجمّع غابات البحر المتوسط" كما اكتسبت ثقة كلّ المؤسسات الرسمية والخاصة في الوطن لمساعدتها على تحقيق برامجها وضمان استمرارها في المستقبل.
وفي سبيل تنشيط السياحة البيئية، أقامت اللجنة مسارات لهواة رياضة المشي والاستكشاف.
وتستضيف منطقة الأرز مهرجانات الأرز الدولية سنوياً. وتشير المصادر في بشري إلى الالتزام بمضمون قانون المحميات الذي يمنع إقامة أيّ إنشاءات ضمن نطاق 500 متر كحد أدنى من المحمية، تجنباً لوقوع أيّ أضرار.
عرابو الأرز
تحتلّ الأرزة مكاناً عظيماً في وجدان أهل بشري ولبنان. لذلك، كانت لجنة أصدقاء غابة الأرز سباقة في تكريم بعض الشخصيات اللبنانية والعالمية من خلال تخصيص شجرة باسم الشخصية، لقاء تبرع مالي. وتحصل الشخصية على شهادة ورقم يثبتان نسبة الأرزة إليها.
ماذا تحكي الأساطير عن الأرز؟
تروي الأساطير أنّ آلهة الأرض هالهم أن يتركوا جبل لبنان من دون حارس يدافع عنه إذا اشتدّ الخطر، فاتفقوا على أن يكون أرز الرّب رصدًا في هذا الجبل. وها هو الأرز يقوم برسالته منذ آلاف السنين، كلّما أحدق خطر بلبنان، تضطرب أغصانه الخالدة وتثور، إلى حدّ الإيمان بأنّ الأرز هو ناطور لبنان. ويُروى أن النبي نوح قطع أغصانًا من أرز الربّ وصنع منها ألواحًا لبناء سفينته، وأن القديس يوسف صنع سريرًا للطفل يسوع من خشب الأرز، كذلك الكرسي الذي جلس عليه المسيح في هيكل أورشليم والمذبح والأثاث كلّها مصنوعة من خشب الأرز، والصليب الذي سمّر عليه مصنوع من خشب الأرز أيضًا.
ارتبط ذكر الأرز بالحكايات والأساطير وبالمقدّسات وبالرموز الإيمانية، وزعمت أساطير أن آدم وحوّاء سكنا في لبنان، وكانا يمضيان فصل الشتاء في مغارة قاديشا، وفصل الصيف في غابة أرز الرب. وورد في "سفر أيّوب" الفصل الأوّل، الآيتان 4 و5 (4-5: 1) أنَّ آدم اتخذ غابة الأرز مقامًا خاصًا له، يقدّم فيها القرابين عنه وعن بنيه.
إلى ذلك كلّه، أبدع الفنان رودي رحمة في بعض الأشجار اليابسة نحتاً، فغدت تحفاً فنية مزروعة في أرض الغابة، لكنها بروعتها وجمالها تحاكي السماء وتبتهل لخلاص لبنان.