ميشال حلاق
بالرّغم من أن موسم الصيد لم ينطلق رسمياً، والوزير المختص لم يعلن أيّ شيء بهذا الخصوص، لا سلباً ولا إيجاباً؛ وبالرغم من أن الجمعيّات البيئيّة كانت تفضّل إعلان بدء موسم الصيد لتحديد المسؤوليّات ومحاسبة مخالفي قانون الصيد؛ وكي لا تتفلّت الأمور بالشكل التي هي عليه الآن، بكّر "الفرقعجية" في إطلاق العنان لحفلات الجنون، التي تكاد تقضي ليس فقط على الطيور المهاجرة، بل حتى على أسراب الحمام، واليمام، والبلابل، وفراشات الحقول.
إنّها متعة القتل تحت مسمّى الصيد! هذه هي الحال في محافظة عكار، حيث تعيش القرى والحقول والبساتين، ساحلاً ووسطاً وجبلاً، على وقع أصوات طلقات الصيّادين، التي تطال كلّ ما هو حيّ، وكلّ طائر، في فضاء يعتقدون بأنّه ملك شرعيّ لهم، من دون حسيب أو رقيب.
مئات آلاف الطيور تمّ قتلها في أقلّ من شهر، مع بدء موسم عبور الطيور المهاجرة في أرجاء المنطقة، من عصفور التين إلى اللقلاق وحتى النسور الضخمة. وبالتالي، قتل الطيور متاح ومباح، و"إذا مش عاجبك روح اشتكي"، لإدراك الصيادين أن الشكوى في هذه "العصفورية" لا توصل إلى نتيجة.
ممارسات "فرقعجية" آخر زمن، حرّفت هواية الصيد، وخرقت كلّ قوانينها وأعرافها وتقاليدها ومواسمها، وهي تفقد الجيل الشاب أصول ممارسة هذه الهواية، بعد أن أصبحت وسيلة للتباهي و"العنترة". فالكثيرون ممّن يدّعون الصيد يعمدون إلى نشر صورهم وصور ضحاياهم على سياراتهم رباعية الدفع وسط الحقول، ويعممونها على كل وسائل التواصل الاجتماعي بكل تفاخر "أهوج"، فيما الدولة غائبة ومقصّرة ومتغاضية أحياناً، وربّما شريكة في هذه الجرائم الحاصلة كلّ يوم، وعلى بعد أمتار قليلة من مراكز ومخافر عسكريّة وأمنيّة .
ومن المثير أيضاً أنّ القسم الأكبر من البحيرات الاصطناعية الزراعية تؤجَّر في مثل هذا الموسم لتكون كمائن للطيور العابرة، خصوصاً البطّ. وهناك حيازات زراعية خاصّة، وأراضٍ مشاع، في سهل عكار وفي عدد من المناطق الحدودية الشمالية والشمالية الشرقية، حيث المعابر الإلزامية للطيور، تحوّلت إلى محميات محروسة من قبل البعض بقوة السلاح (سلاح الصيد)، تؤجّر لهذه المجموعة أو تلك من الصيادين القادمين من عكار ومن مختلف المناطق اللبنانية.
إنها جبهة مفتوحة يوميّاً، ومجزرة تبدأ من ساعات الفجر الأولى وحتى غياب الشمس.
أموال طائلة تدفع ثمن الخرطوش فقط، فهل تحوّلت هواية أو رياضة الصيد في لبنان إلى مصدر للعيش؟
إنها تجارة تمارس بشكل علنيّ، وعلى الهاتف سجّل طلبيتك، فكلّ طائر له ثمنه؛ فسعر عصفور التين بأرضه عشرة آلاف ليرة، لأصحاب النفوذ والناس الميسورة، كذلك لأصحاب المطاعم، وترتفع الأسعار بشكل كبير لهواة تحنيط الطيور الكبيرة الذين يعمدون إلى بيعها في الداخل والخارج، فيدفعون أموالاً كثيرة ويشجعون على قتل الطيور النادرة.
ويسأل أهالي القرى والبلدات المحيطة بهذه المواقع، والمنزعجين إلى أبعد الحدود من كلّ هذه الخروقات، ليلاً ونهاراً، إلى متى السماح باستمرار هذه الاستباحة وإطلاق النار المفرط من قبل الفرقعجية، وكأنّهم في حقل رماية مفتوح 24 على 24 .
والمثير أيضاً لا بل المستغرب، والأقرب إلى الفضيحة أن "الفرقعجية" أنفسهم، الذين لم يرووا غليلهم من الصيد في الأماكن المفتوحة، يعمدون ليلاً إلى استخدام سطوح الأبنية في مختلف القرى والبلدات العكارية، لرفع أغصان يابسة أو خضراء، ويسلّطون عليها الإضاءة، مستخدمين المسجّلات الجاذبة للطيور لاقتناصها على أضواء الليزر التي يستخدمونها لاستدراج هذه الطيور إلى مرمى نيرانهم، غير آبهين بكلّ الإزعاج الذي يتسبّبون به لجيرانهم، وغير مدركين لحجم الأذى الذي يلحقونه بطيور لبنان المقيمة والمهاجرة.
إنها صورة واقعية لما هو قائم وحاصل، وهي برسم الوزارات المعنية والحكومة اللبنانية مجتمعة. فهل هذه صورة لبنان التي تريدونها أمام كل دول العالم المهتمّة بحماية الطيور ومسارات ترحالها على مستوى الكرة الأرضية؟
هل أصبح لبنان من شماله إلى جنوبه، ومن شاطئه إلى أعلى قممه، المكمن الأخطر لاعتراض هذه الطيور؟
المطلوب تطبيق القوانين وفتح تحقيقات جدية وشاملة، ومتابعة كلّ ما ينشر على وسائل التواصل، لضبط هذه الخروقات البيئية المجانية الحاصلة، والتي تسيء أوّل ما تسيء إلى صورة لبنان الأخضر الحلو، وإلى هواية الصيد والصيادين المحترفين الملتزمين بشروط وقواعد وسلوكيات وقوانين الصيد، والمطالبين بتسجيل موقف اعتراضي، ولو لرفع العتب، على هذه الإساءة.
وفي ما يأتي أسماء بعض الطيور المسموح صيدها في لبنان :
السمّن، الصلنج، الفرّي، البط الخضاري، البط الشتوي، البط الفرفور، الدلم، الكيخن، السمّن الدّبق، المطوّق.
أما الطيور الممنوع صيدها في لبنان، والتي تتعرض للقتل العمد فمنها :
السنونو، الورور، الحوّام، الصقر، العقاب، النسر، اللقلاق الأسود والأبيض، البجع، الدرُّس، الموّيت، الطيور المائية على أنواعها: النورس، أبو المغازل، الضرّب أو الصرد.
القرقف، اللوّاء الأوراسي، أبو بليق على أنواعه، الترغلّ، اليمام المطوّق، الدوري الإسباني أو المعروف بالدوري المصريّ، الشقرواق، الهدهد، السمّن الصخر، الخطّف، الخطّاف الذياب، الحميراء، اللاهية أو معدّب الرعيان.