وسام إسماعيل
غلاء المحروقات حرم العائلات الفقيرة من ألسنة لهب المواقد في ليالي الشتاء الطويلة، وهذا الطفل الذي توجّه فرحاً ومسرعاً إلى أقرب محطة لشراء مادة المازوت بمبلغ 100 ألف ليرة، جمعها والده بعرق الجبين، آملاً في أن ينعم بالدفء بعد طول انتظار، إذ به يقف مذهولاً، تتفحّص عيناه الحائرتان القطرات القليلة التي استقرّت في قعر "الغالون" البلاستيك. فهذه الكمية الضئيلة لا تكفي ساعة احتراق كاملة... عاد بخطى متثاقلة يجرّ أذيال الخيبة، ويلعن ألف مرّة كلّ من أوصل بلدنا إلى هذا الدّرك اللعين، وهذا الزمن الرديء، حين بات حلمنا تأمين بعض الدفء في بيوتنا، ولو بجمع بقايا الكرتون والورق والبلاستيك من جوانب المحالّ، لا بل من حاويات القمامة.
هذه الصورة ليست حالة خاصّة، أو استثناءً، بل هي أصدق تعبير عن حال الكثير من العائلات البعلبكيّة المتعفّفة، التي باتت مداخيلها لا تكفي ثمناً للخبز وإجار المسكن، فكيف السبيل إلى توفير ما يقيها البرد الذي "ينخر العظام" حسب تعبير العجائز؟
وممّا يزيد الطين بلّة في المنطقة انقطاع التيار الكهربائي والارتفاع الهائل في أسعار الحطب، وصعوبة التأقلم مع البرد في مدينة يزيد ارتفاعها عن 1160 متراً فوق سطح البحر، وتتدنّى فيها الحرارة في الكثير من الليالي إلى ما دون الصّفر.
يكفي الوقوف لبرهة أمام أيّ محطة لبيع المازوت لتقف على واقع الناس ومعاناتهم، حيث باتوا يشترون المازوت للتدفئة بالقطّارة، إذ لم يخطر في بال أم رامي (ربّة منزل) يوماً أن تجد نفسها مضطرّة إلى شراء نصف ليتر من مادة المازوت لتدفئة أطفالها لمدّة ساعة واحدة يوميّاً، وليتمكّنوا من الدراسة على ضوء الشّمعة.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن العائلة تحتاج كلّ يوم إلى 10 ليترات من مادة المازوت للتدفئة، ثمنها نحو 500 ألف ليرة.
ولا يسعنا إلا الدعاء لأهلنا الذين يسكنون في بلدات جبلية على مرتفعات السلسلتين الشرقية والغربية لجبال لبنان، كحال بلدات قرى عيناتا، اليمونة، حام، معربون، وطفيل وغيرها الكثير من البلدات والقرى النائية التي يتوجّس أهلها الرّعب من قدوم العواصف الثلجيّة التي تعزل قراهم عادّة لأيّام.
ولعلّه ينفع النداء المعنيين: ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء.