شرف أبو شرف
أمي
يا خيرَ نداء
ويا أبهى ضياء
جئتِ سبيلَنا الى الله لتكون لنا الحياة.
والسماء حيث أنت وواحات الرجاء.
غادرتنا بالأمس وكنتِ من زمان تنتظرين لحظة الفراق هذه، كأنك خُلقت لها.
ومن زمان وأنت تستعدّين لها بالأداء والصلاة. فكان حضورك صلاة، يقظتك صلاة، عملك صلاة، وحياتك صلاة وحكاية جميلة، جمالها ببساطتها، بالحب والصبر والعطاء، بالبذل والبسمة والصفاء.
كم تحمّلتِ ووالدنا، رفيق دربك لويس أبو شرف، من هذا الزمن ومنا، فلا اشتكيتما التعب، ولا عرفتما الراحة إلا ساعة الوداع الأخير. آمنتما بالله المحبة والتسامح والغفران، وبأزلية وسرمدية لبنان، لبنان الكرامة والعنفوان، وبالعائلة اللبنانية الواحدة الموحدة اساس البنيان صدقًا وعدلًا وعفّة يد.
علّمتنا يا أمي أن الصمت الذي آثرته دومًا أجدى من الكلمات، ويمنحنا نعمةَ سماعِ صوت الله. لكن الكلمات تبقى شهادةً للذكرى، دليلًا الى الينابيع التي استقيتِ منها.
رحلتِ عنا يا أمي وبقيتِ بيننا، قمرًا لا يمضي، ضياءً حيًا. قولةً تدوم.
يرتسم وجهُك البهيّ أمام أعيننا كلَّ لحظة. ولك في كل نسمة ريح طلةُ عطر تغطينا، تحرسنا أينما اتجهنا، ترافقنا كظلّنا. لقد بقي الكثير منك فينا، وظلّت صورتُك الحيّة في كل مكان حللتِ فيه، في البيت، في المدينة، في الكنيسة. كل شيء هنا هو أنتِ، فردوسُنا الارضي. أما أنت فقد رحلت إلى حيث ترغبين. وإذا بنا ننتظرك، نراكِ ولا نراك.
كنا نشتاقك وأنت هنا، فما عساه يكون هذا الشوق في الغياب؟ ألمٌ وعذاب أم عتاب على الفراق واستعداد للقاء آخر؟ أعرف أن لا شيء يعوّض المغيب يا أمي. وحده نورُك باقٍ فينا حتى نستنير. فقد صرتِ محجّةً الى اللامدى وبتنا نجدك في الضياء.
أمي
نشتاقك دومًا كما الشوق الى الوالد، وسنظل على حبكما وفاءً وعرفانًا وأخلاقًا.وسنكمل رسالتكما القائمة على التربية والمحبة والعطاء، على الحق والحرية والعدالة، وعلى الايمان بلبنان الواحد السيد الحر المستقل.
فلكما الشكر والحب إلى أن يجمعنا الفادي مجددًا، وهو الحيّ فينا ويدعونا الى أن نتذكر أننا من أبناء الرجاء، وأننا اخوةٌ له، وهو ملاذنا الدائم.
إننا اليوم أشدُّ إيمانًا بالخلود يا أمي، فعبّدي لنا الطريق، وشاركينا الصلاةَ كما عوّدتنا، واطلبي للبناننا المصلوب أمنًا وعدلًا وسلامًا، ولشعبه ولنا رحمةً وازدهارًا وبقاء،
وإلى اللقاء.
(ذكرى مرور أربعين يوما على وفاة عدلا الشدراوي أبو شرف)