النهار

منذ 34 عاماً تنتظره... أم مصطفى تحيي الصورة في صدر الدار وتترضى على ابنها!
روزيت فاضل
المصدر: "النهار"
منذ 34 عاماً تنتظره... 
أم مصطفى تحيي الصورة في صدر الدار وتترضى على ابنها!
أم مصطفى ونجلها
A+   A-
في الأزمة الخانقة لضمائر الطبقة الحاكمة في لبنان، والمتحجّرة جداً، يجدّد عيد الأم طيفه على أمهات لجنة أهالي المخطوفين والمخفيّين قسراً، وهو يحمل حزناً مضاعفاً أدّى إلى رحيل عدد منهن إلى دنيا الخلود من دون معرفة مصير أحبّائهن....

حاولت "النهار" معايدة قلوب موجوعة مِن تجاهل الطبقة الحاكمة لملفّ كان قد أخذ حجماً مختلفاً لو كان يعني فعلياً أحد أبناء حكّام هذا الزمن الرديء جداً...

أم مصطفى زكزوك غنية عن التعريف بالنسبة إلى متابعي هذا الملف. كانت تنام في الماضي داخل خيمة اللجنة في حديقة جبران خليل جبران، كالراحلة أوديت سالم، لأنها تشعر هناك بالقضية، بناسها، بابنها البكر مصطفى الغائب منذ 34 عاماً...

عايدناها بالخير في عيد الأم. أجابت على الهاتف بصوت متعب: "شكراً على المعايدة"، وصمتت.
كيف قضت 34 عاماً من دون وجوده بقربها؟ بقي إلى جانبها كلٌّ من شقيقه عدنان وشقيقته نسرين، مع معلومة مهمّة أنه منذ خطفه حتى اليوم يقصد ولداها منزلها لمعايدتها بعيد الأم حاملين هدية إضافية من مصطفى...

بعث عراقي
كيف اختفى مصطفى؟ تسارع أم مصطفى، وهو اللقب الأحبّ إلى قلبها للقول إن ابنها خطف، يوم كان في الـ16 ربيعاً، وكان يتابع دروسه المهنية في تخصص الكهرباء. تتوقف عن الكلام لتتنهد بحسرة، شارحة أنه "ولدي البكر. اختفى لأن قوات الردع العربية خطفته بعد تأييده الفريق الرياضي العراقي، بعد منافسته الفريق السوري في مباراة لكرة القدم، مما جعل جرم مصطفى جسيماَ جداً، فكلّفه عدم عودته منذ 34 عاماً حتى اليوم إلى منزله الأبوي الكائن في شارع باب الرمل في طرابلس".

كوابيس

توالت الكوابيس في حياة أم مصطفى بعد أن تواردت أخبار عن وجود ابنها في سوريا بتهمة موالاته للبعث العراقي، وفق ما نقل لنا بعض المتابعين للملف.

لم تهدأ في جولتها اليومية في سوريا متنقّلة من سجن المزّة إلى سجن صيدنايا أو إلى أيّ من الفروع الأخرى، من دون أيّ جواب. طالبها "وسطاء" في هذا الموضوع بمبلغ ماليّ لتسهيل المهمّة، وهذا أوصلها إلى بيع أثاث بيتها لتوفير النقود بحثاً عن مصطفى.

قالت: "تواصلنا في طرابلس مع أحزاب موالية لسوريا بدءاً من"طلائع حزب التحرير الشعبية - قوات الصاعقة" وصولاً إلى وسيط آخر تحدّث مع رئيس الحزب العربي الديموقراطي علي عيد من دون جدوى.
لِمَ لم تصل إلى نتيجة؟ قالت: "أنا لا أوالي أيّ مسؤول، ممّا جعل مهمّة البحث عن ابني صعبة جدّاً".

الحديث مع الصورة

لنعد إلى عيد الأم... منذ 34 عاماً، تجد أم مصطفى صعوبة كبيرة في التحضير لأطباق ابنها المفضّلة، منها الكوسا المحشي أو ورق العنب المحشي، أو صينية الكفتة والبطاطا، لأن هذه الأطباق يحبّها مصطفى ابني حبيبي، وتناولها من دونه أمر مستحيل وصعب.

كيف تحدّثه دورياً؟ أجابت باندفاع مشيرة إلى أن صورته في صدر الدار تصبّحه وتمسّيه، قالت: "أتحدّث معه كلّ دقيقة محاولة الاطمئنان على حاله، وأترضّى عليه طبعاً...".

تصارحنا قائلة إنّ الأهالي في محيط سكنها يعرفون تفاصيل معاناتها هي ووالده المرحوم محمد مصطفى زكزوك.

تنهي كلامها قائلة إنّها أسيرة الوحدة، وقلق الانتظار، مع العلم أنّ ولديها عدنان ونسرين يحاولان جاهدَين دعمها، والوقوف معها في هذه المحنة.

عمّا إذا كانت تشتاق إلى النوم في داخل الخيمة قالت: "أكيد. هذا أمر محسوم. لكنني أعاني من شلل الأطفال، الذي زادت وطأته مع مرور العمر. لم يعد سهلاً عليّ التنقل كما الحال في السابق لأتردّد على الخيمة وأنام فيها. كنت أشعر هناك بأنّ ابني سيأتي ويطلّ عليّ كحال الأمهات كلّهن".

سجون سوريا

أم رشيد صديقة أم مصطفى تنتظر ابنها...
 
فكرُ أم مصطفى مشتّتٌ، وهذا ما نحاول نقله في هذا الحوار. قاطعناها سائلين: "مَن هو المصدر الذي أكّد لك وجوده في سجون سوريا؟"، فأجابت بأن المُحَررين من هذه السجون ذكروا أمامها أنّهم التقوا بشاب أشقر، عيناه زرقاوان، ويحمل علامة فارقة في أصبع رجله الصغيرة، ممّا جعلها على يقين من أنه مصطفى.

عاشت أم مصطفى صراعاً كبيراً عند اندلاع الحرب في سوريا، حيث سيطر عليها شعور الخوف على مصير ابنها بسبب انقطاع أيّ خبر عنه.

لم يبقَ لها إلا لجنة أهالي المخطوفين والمنفيّين قسراً، معتبرة أنّ عملها بات بصيص الأمل الوحيد في عودة مصطفى من سوريا.

تخشى على مصير أمهات المفقودين والمخفيّين قسراً، لأن "رفيقتها أم رشيد توفيت أخيراً بحسرة انتظار ابنها، فيما امرأة أخرى لم تذكر اسمها لا تجيب على الهاتف منذ مدة...".

ما زالت أم مصطفى تنتظر عودة ابنها البكر، فهل يتنازل أحد المسؤولين لمساعدتها على معرفة مصيره؟!
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium