ميشال حلاق
يقيم في محافظة عكار نحو 300 ألف نازح سوري، وهذا العدد مرشح للارتفاع مع تزايد عدد الولادات بشكل يومي، أي ما يوازي تقريباً 70 في المئة من عدد أبناء هذه المنطقة الحدودية.
هذه المنطقة تحملت الصدمة الاولى في استقبال النازحين مع بدء الأزمة السورية قبل حوالي 12 سنة، عندما تمّ استضافتهم من قبل ابناء المنطقة، ففتحوا بيوتهم ترحيباً بهم وقدموا العون والدعم الانساني اللائق، بدافع التضامن والتعاضد والأخوة والقرابة والنسب.
ومع تراجع القدرة المالية والاقتصادية منذ العام 2017 إلى اليوم، تغير واقع أهالي عكار نحو الاسوأ، وباتوا اليوم في حاجة لمن يدعمهم في ظل الانهيار الحاصل، وتحوّل النزوح السوري إلى عبء كبير يثقل كاهل الأهالي والبلديات وكل الجمعيات الأهلية التي استنفدت كل امكانياتها وقدراتها.
ازدادت الشكاوى من أن النازح السوري بات يشكل منافساً نشطاً في سوق عمل المواطن اللبناني في مختلف القطاعات، الزراعية والمهنية والحرفية وفي المطاعم والمقاهي والفنادق والمنتجعات السياحية، وسوق سيارات الأجرة، والحال أن عدداً كبيرا من النازحين فتحوا مؤسسات ومحالاً تجارية منافسة للمواطن اللبناني بشكل مخالف للقانون، ما بات يؤدّي إلى نزاعات ومشاكل بين العامل والتاجر اللبناني، ومنافسه السوري، وهذا رتّب في مرات عدّة تداعيات امنية في اكثر من بلدة.
مع تضاؤل فرص العمل المتاحة امامهم يشعر اللبنانيون بضيق معنويّ وماديّ يهدد معيشتهم، سيّما وان العامل السوري يتقاضى أجراً أقلّ، بفعل استفادته من المساعدات المالية الاضافية، باليورو والدولار الفريش، التي توفرها مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمات الشريكة لها، اضافة الى توفير الطبابة والاستشفاء وكذلك المحروقات والمواد الغذائية وغير ذلك من مساعدات عينية تشكّل في مجملها اغراءات لعدم العودة الى بلاده. هذه المساعدات لا تتوفر للمجتمعات المحلية المضيفة التي باتت في وضع معيشي حرج للغاية. ناهيك عن أن مخيمات اللجوء تستهلك نسبة كبيرة من الطاقة الكهربائية، على حساب الخزينة. والمنظمات الأممية الى الآن لا تقوم بدفع كل هذه المترتبات المكلفة. والمريب، إصرار الجهات الدولية المانحة على عدم تقديم أيّ معونات حقيقية جدية وذات قيمة للمجتمعات المضيفة.
ويتخوّف متابعون من ان تتسبب هذه الفروقات الحياتية والمعيشية بين المواطنين اللبنانيين، والنازحين السوريين، بتداعيات سلبية جدّاً على مناخ الامن والسلم المجتمعي، ومن ان تخلق توترات غير محسوبة، قد تخرج عن السيطرة.
هذا وقد ساهم تراكم كل هذه المعطيات، خاصة على مدى السنوات الـ5 الماضية، بتصاعد وتيرة المطالبة، على الصعيد الوطني، بعودة كريمة وطوعية للنازحين السوريين الى بلادهم التي أضحت في قسم كبير منها آمنة بما يسهّل العودة التدريجية الى منازلهم وأراضيهم .
المحافظ
محافظ عكار المحامي عماد اللبكي، الذي أبدى وعلى مدى سنوات من عمر الازمة جهوداً كبيرة، لتوفير افضل الظروف للمجتمعات المضيفة وتمكينها من الصمود في مواجهة هذا التحدي، أوضح لـ"النهار"، أنه في عكار أكثر من 1100 مخيم ومراكز إيواء منتشرين في مختلف ارجاء المحافظة. وقد باتت تشكل عبئاً كبيراً على اهالي المنطقة سيّما وان المنظمات الأممية المانحة تهتم بالنازحين السوريين أكثر من اهتمامها بالمجتمعات المضيفة، لغايات لا ندركها، وهذا أمر يتسبّب بتراكمات سلبية".
وأضاف: "البلديات باتت مفلسة وعاجزة عن القيام بدورها، ولم تعد قادرة على جمع النفايات من البلدات، فكيف لها تأمين الخدمات لمخيمات اللجوء الكبيرة والكثيرة، في ظل إحجام المنظمات الأممية عن التعاون أو التنسيق مع البلديات، لا بل محاولة إقصاء هذه البلديات عن أيّ دعم أو دور استشاري، بشكل مخالف للقوانين اللبنانية المرعية الاجراء، مؤكداً أن استمرار الوضع على هذا النحو مرفوض.
وقال: "سنقوم فور انتهاء عطلة الاعياد، بحملة في معظم المخيمات للتأكد من خلوها من أي محال تجارية، قد تم انشاؤها بشكل مخالف للقانون، وسنعمل على إقفالها بالتعاون مع الاجهزة الأمنية المعنية. وحماية للعامل اللبناني، سنقوم أيضاً وبالتنسيق مع وزارة العمل بجولة على مختلف المؤسسات والمحال التجارية في كافة البلدات العكارية، لمنع تشغيل السوريين بشكل مخالف للقانون ودون حصولهم على أذونات من وزارة العمل".
وأبدى المحافظ اللبكي استياءه من تصرّف المنظمات الأممية التي حوّلت النازحين الى عبء كبير على المجتمعات المضيفة، فلا تتكفل هذه الجمعيات بتقديم أي مساعدات مالية أو دفع فواتير الكهرباء أو جمع النفايات. وتخصص للنازحين مساحة عمل أكبر في إداراتها ومشاريعها مقارنة باللبنانيين، وفي حال أقرت مساعدات تنموية لبلدية معينة، تلزمها باستخدام اليد العاملة في هذه المشاريع مناصفة بين اللبنانيين والسوريين.
وتابع: "وتقوم هذه الجمعيات بتنظيم ورش عمل ودورات تعليمية مهنية للنازحين السوريين لتأهليهم مهنياً في ورش الحدادة والنجارة والدهان والبناء والكهرباء والادوات الصحية، ولإيجاد فرص عمل لهم في بعض المشاريع التنموية، التي تُمنح للبلديات، وهي قليلة جداً، وذلك كشرط لمساعدة هذه البلدة او تلك. وتقدم للنازحين مساعدات ورواتب شهرية بالعملات الاجنبية، وفي الوقت عينه تسعى لتأمين فرص عمل لهم، على حساب اليد العاملة اللبنانية"، داعياً الدولة الى التحرّك لضبط الأمور ووضعها في نصابها القانوني الصحيح.
وناشد اللبكي كل البلديات العكارية للوقوف سداً منيعاً، ووفق القانون، في وجه آليات العمل المتبعة من قبل المنظمات والجمعيات الدولية، التي تحاول ان تفرض شروطها على البلديات، بينما العكس هو المفترض أن يحصل، فالجميع يعلم بأنّ وضع البلديات المالي صعب للغاية، وعلى هذه المنظمات التعاطي بإيجابية وليس بفوقية مع البلديات وبأن يكون لأبناء المجتمعات المضيفة أولوية في المشاريع والتقديمات والتوظيفات والاعمال كافة.
وتعليقاً على ما أثارته حركة الارض مؤخراً بشأن إقدام بعض مخاتير عكار على إصدار وثائق لسوريين لقاء مبالغ مالية، قال المحافظ اللبكي: "هذه الحادثة حصلت في العام 2017، حيث انتشرت وقتذاك أوراق تظهر هويات للبنانيين أُزيلت عنها صورة الشخص الأساسي، ووضعت مكانها صورة النازح السوري، وتم التحقق من الموضوع، في حينه، وتبيّن أن أحد المخاتير قد قام بالأمر مقابل مبالغ ماليّة وتمّ إيقافه في حينه. ومنذ ذلك التاريخ لم تحصل أيّ حادثة مشابهة، ولكن مؤخراً تفاجأنا بإثارة الامر مجدداً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والإيحاء بأنها تحصل الان، فأجريت اتصالاً بجميع مأموري النفوس الموجودين في المحافظة، للتأكد من المسألة وتبيّن أن لا صحة لكلّ ما يثار، الى أن أتت "حركة الارض" لتؤكّد أن الأمر حصل، وطلبنا منها أن تزوّدنا بكافة المعلومات لديها وحتى الساعة لم يحصل أيّ شيء". وأكد اللبكي انه على تواصل دائم مع حركة الارض للوقوف على أيّ مستجدات أو وثائق تثبت حصول مخالفات، ونحن مستعدون للتعاون ولفتح تحقيق جدّي وسريع ازاء ايّ مخالفة.
وقال: "نتابع الموضوع بجدية، ولمزيد من الحرص أدعو أيّ شخص يملك أيّ معلومة في هذا الصدد الى التواصل معي شخصياً، وأنا مستعدّ لمتابعة الموضوع حتى النهاية لأنّ هذا بلدنا ويجب أن نحافظ عليه وعلى أهله".