النهار

موسم الورد في تلال قصرنبا يزهر جمالاً وطيباً... المشهد رائع والمردود محدود (صور وفيديو)
لينا اسماعيل
المصدر: "النهار"
موسم الورد في تلال قصرنبا يزهر جمالاً وطيباً... المشهد رائع والمردود محدود  (صور وفيديو)
موسم الورد في تلال قصرنبا. (النهار)
A+   A-
إنّه موسم الورد في بلدة قصرنبا - غرب بعلبك. جلول الورد الدمشقيّ تشهد انتشار المزارعين منذ الفجر، لحصاده وتوزيعه على التعاونيات التي تنتج ماء الورد وشراب الورد والزهورات ومنتجات عضويّة أخرى. 
 
 
في أحد الحقول الرائعة. صادفنا سيّدة تتفحّص شجيرات الورد الصغيرة، وتعرف بالضبط أيّاً من الورود حان قطافها. المفاجأة إنّها امرأة كفيفة. السيّدة حنان تنتقي الورد وتتحدّث إلى من معها وتقيّمه بحاسّة اللمس، وكأنّها ترى الورود ذات اللون الورديّ متشابكة مع الأبيض تخرج في عناقيد مشطيّة في المظهر، ليكوّن تراث منطقة ضائعاً، دون التمكّن من الاستفادة منه بشكل جيّد لتحقيق عائد مربح، على الرغم من كونه منتجاً عضويّاً.
 

لا تنتهي حكاية هذه الوردة عند جلول بلدة قصرنبا التي تُعتبر من أهمّ مناطق إنتاج الورود إلى جانب جارتها تمنين الفوقا، بل تنتشر رائحتها الأخّاذة، مثبّتة اسمها كتراث لا مثيل له إلّا في هذه المنطقة، كثبات المعبد الرومانيّ في أعلى تلال قصرنبا.
 
 
وتجد شجيرات الورد الدمشقيّ بشكل متقطّع حول المنازل وداخل البساتين ومحيطها كجدران وأسيجة لها.
 
وزرعت بشكل مرويّ ضمن بساتين خاصّة بها والجميع يقطفونها، النساء والرجال، منذ ساعات الفجر الأولى، بطريقة لا تقلّ مهارة وخفّة وفي حركات منتظمة ولطيفة، فتوضع داخل جيوب من القماش تتدلّى عند الخصر.
 

يؤكّد لـ "النهار" السيد علي الديراني البالغ من العمر ستين عاماً، وهو يقطف وروده، أنّ الوردة الدمشقيّة، من "تراث البلدة، أخذت اسمها من موطنها الأصليّ دمشق، ويزرعها أهل البلدة من جيل إلى جيل، وعليهم الحفاظ عليها رغم كلّ العراقيل التي تمرّ بها، وإنّه لولا إصرارهم على العناية بها، لما استمرّت وأعطت المحصول فخراً بجودتها، لرائحتها العضويّة العطرة، بحيث لم يتمّ رشّها أثناء نموّ وفتح براعمها للحفاظ على منتج صحّيّ خالٍ من الأدوية والسموم".
 

وعلّقت شقيقته السيدة سجيَّة لـ "النهار" أنّها جاءت لمعاونة شقيقها وللاستمتاع برائحة الورود، والاسترخاء من شؤون الحياة، موضحة أنّ "الأزرار" أي الورود الصغيرة التي لم تتفتّح بعد، تجفّف لاستخدامها كأعشاب للمشروبات الساخنة، وفي معظم الأطعمة، بينما تستخدم الوردة الكبيرة المتفتّحة لتقطير ماء الورد، وصنع المربّى أو شراب الورد، وهو ما يتقنه ويمتهنه معظم الأهالي.
 

وفي مصنع تعاونية خيرات البقاع - قصرنبا، تجهد السيدة ربيعة الديراني في تجهيز "الكركة" لتقطير أوراق الورد، حيث تحتاج إلى كيلوغرام بعد تجفيفها في الداخل لتقطير نصف لتر من الماء المركّز (ماء الورد).
 

وتوضح الديراني أنّ التعاونيّة تعمل على شراء محاصيل الورد من أكثر من 250 مزارعاً في البلدة بأسعار مشجّعة، لتصنيعها وبيعها لدعم المزارع وهذه الزراعة معاً، في ظلّ غياب دعم واستراتيجيّة تسويقيّة للمنتجات، وزيادة التكاليف، من ارتفاع أسعار الزجاج الذي يتمّ تعبئته، وكذلك المواد المستخدمة، حيث تتحمّل الخسارة أحياناً والربح القليل وكافة الظروف، كي لا يصاب هذا القطاع بالركود من سنة إلى أخرى.
 

إلّا أنّ هذه الوردة التي أطلقت عليها الشاعرة الإغريقيّة اليونانيّة "صافو" لقب "ملكة الزهور"، والتي ذكرها الكاتب والشاعر الإنجليزي "شكسبير" في إحدى مسرحيّاته بقوله (جميلة مثل جمال الورد الدمشقيّ)، ليس لها عائد مادّي كافٍ، وتعاني من تبعات الأزمة الاقتصادية وجشع التجّار حسب ما يؤكّده الأهالي، ما أثّر على المحصول وجودته وخفض أسعاره، ليصل الكيلوغرام منه إلى 30 ألف ليرة لبنانيّة، ويستغرق العمل على حصاده أكثر من أربع ساعات.

أصبح كلّ شيء اليوم صعباً ومكلفاً، من ارتفاع أسعار الأدوية الزراعيّة إلى ارتفاع تكلفة العمالة، وخاصّة الخبراء منهم، لكنّ اللافت أنّه بالرغم من أهميّة هذه الوردة الاقتصاديّة، إلّا أنّهم لم يستفيدوا منها اقتصاديّاً بطريقة مربحة من خلال تصنيع "الزيت العطريّ" (المستخدم في صناعة العطور الفاخرة)، من ثمّ تسويقه لأنّه أصعب وأغلى منتج، حيث أنّ الكيلوغرام منه يتطلّب ما لا يقلّ عن طنّ من بتلات الورد، ويمكن بيع الغرام الواحد بأكثر من 200 دولار أميركيّ، وهو ما لم يستفد منه هؤلاء، ويحتاج إلى دعم علميّ وماديّ.
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium