النهار

عشّاق البحر والسباحة بين مطرقة أصحاب المسابح الخاصّة وسندان انعدام الأمن والأمان في المسابح الشعبيّة للعموم
أحمد منتش
المصدر: "النهار"
عشّاق البحر والسباحة بين مطرقة أصحاب المسابح الخاصّة
وسندان انعدام الأمن والأمان في المسابح الشعبيّة للعموم
شاطئ صيدا الشعبيّ (أحمد منتش).
A+   A-

أصبح الشاطئ اللبنانيّ الممتدّ من خلدة حتّى مدينة صور، مروراً بإقليم الخرّوب وصيدا والزهراني، بمعظمه يقع تحت سيطرة وهيمنة أصحاب الأراضي والمسابح والشاليهات القريبة والمحاذية للشاطئ، فيفرضون على عشّاق البحر وهواة السباحة والاستجمام أسعاراً تضاعفت جدّاً هذا العام، وتفاوتت أسعارها بين مسبح وآخر، من 7 دولارات الى 25 دولاراً.
 
أمّا هذه الأسعار فترتفع يومَي السبت والأحد. وقبل دخول أيّ شخص الى المسابح، تتعرّض أغراضه الخاصّة للتفتيش، لأنّ إدخال الأكل والمشروبات ممنوع، كي يستفيد أصحاب المنتجعات من بيع ما لديهم بأسعار خياليّة، والأفظع من ذلك أنّ أصحاب الأراضي والمسابح على الشاطئ، وعلى الرغم من مخالفاتهم واستغلالهم أملاك الدولة والأملاك العامّة، وتحديداً خطّ سكّة الحديد المعطّلة منذ الحرب الأهليّة، يمنعون أيّ شخص من الوصول الى الشاطئ الرمليّ، حتّى لو كان من أبناء البلدة المترامية أطرافها الغربيّة على البحر، وبلدة الرميلة الساحليّة خير مثال على ذلك، فلم يتبقَّ أيّ مساحة من الشاطئ يرتادها الأهالي مجّاناً، علماً أنّ مسبح "الهافانا" الذي يستثمره أحد أبناء البلدة، يخفّض على أهل منطقته تكاليف الدخول.
 
 
الصّور بعدسة الزّميل أحمد منتش.
 

ارتياد المسابح المفتوحة والشعبيّة المتبقّية على الشاطئ الرمليّ الممتدّ من خلدة وحتّى صور، محفوفة بالمخاوف والمخاطر، فمياه بعضها ملوّثة تتكاثر فيها كلّ أنواع البكتيريا بسبب مجاري الصرف الصحّي التي تصبّ فيها، وجزء آخر تتكرّر فيه حوادث الغرق بفعل التيّارات البحريّة.
 
وصيدا التي دمّرت وشوّهت أعمال الردم معظم واجهتها البحرية، لا تزال تنعم بموقعين مهمّين للسباحة والاستجمام وممارسة كلّ أنواع الألعاب الرياضيّة، يعتبران ملاذاً ومتنفّساً لأبناء المدينة ومنطقتها، الموقع الأوّل مسبح صيدا الشعبيّ للعموم القائم عند واجهة صيدا البحرية "المدخل الشماليّ"، وتشرف عليه بلديّة صيدا، والثاني "زيرة" صيدا البحرية التي ساهمت جمعيّة أصدقاء شاطئ وزيرة صيدا بالتعاون مع بلدية صيدا بجعلها معلماً سياحيّاً، ومساحة مفتوحة للأفراد والعائلات، في بحر نظيف، ولهواة الغطس بعد إنشاء حديقة مائيّة في قاع البحر تشكّلت من مجموعة آليّات ودبّابات عسكريّة قديمة وغير صالحة، قدّمها الجيش اللبنانيّ لإنشاء الحديقة.
 

عادات وتقاليد ممنوع تجاوزها

وعلى الرغم من أهميّة الموقعين في صيدا، إلّا أنّ الدخول أو التواجد فيهما يخضع للتقيّد والالتزام بعادات وتقاليد لا يزال بعض الجهات الحزبيّة والدينيّة مثل الجماعة الإسلامية وبعض رجال الدين، يحرص على فرضهما على الجميع بكلّ الوسائل المتاحة، حتى لو كانت مخالفة للقوانين المرعيّة الإجراء، التي تحافظ وتحترم حرّية الفرد، وخلافاً لما هو قائم وسائد على شواطئ صور الخاصّة والشعبيّة، حيث بإمكان أيّ شخص مهما كان جنسه ارتداء أيّ نوع من لباس البحر أو تناول المشروبات الروحيّة، الأمر الذي أسهم كثيراً في تنشيط حركة السياحة المحليّة وفي استقطاب آلاف المواطنين من معظم المناطق اللبنانيّة، خصوصاً في موسم السباحة، فإنّ بيع أو تناول المشروبات الروحية في صيدا يُعتبر من المحرّمات، وكثيرة هي حوادث القتل والتفجير والحرق التي تعرّض لها أصحاب المحالّ التي كانت تبيع هذا النوع من المشروبات، ومن المحرّمات أيضاً أن تجد فتاة أو سيّدة من صيدا أو من خارجها في لباس البحر على مسبح صيدا الشعبيّ، أو في زيرة صيدا البحرية، وإن تجرّأت واحدة وفعلت سيكون مصيرها مشابهاً لما حصل مؤخّراً مع الناشطة في المجتمع المدنيّ ميساء حنون يعفوري، التي كانت برفقة زوجها على شاطئ مسبح صيدا الشعبيّ وهي ترتدي لباس بحر عاديّاً، وإذ بها تتعرّض للتعنيف والكلام البذيء، وتمّ رشقها بالرمال لإجبارها على الخروج من الشاطئ، على يد مجموعة من الفتيان والشبان تقدّمهم أحد المشايخ الذي كان يُفترض أن يكون في سلّم أولويّاته الدعوة للجهاد من أجل تحرير أرضه المحتلّة في فلسطين، بدلاً من وقوفه على مسبح للعموم جاعلاً نفسه وصيّاً ومجاهداً لتحرير شاطئ صيدا من أبنائه الأصليّين.
 

قرار بلديّ بمنع أيّ تجمّع على شاطئ المسبح الشعبيّ
يوم الأحد، "درءاً للفتنة"

والمضحك المبكي أنّ معظم التعليقات وردود الفعل الصيداوية التي جرت بعد حادثة المسبح، جاءت لتبرير ما قام به الشيخ، وأعادت رجم الناشطة بأبشع العبارات. والدعوة التي وجّهها بعض الناشطين المتضامنين مع يعفوري للتجمّع قبل ظهر اليوم الأحد، لعقد مؤتمر صحافيّ، جوبهت على الفور بدعوات مماثلة من المعارضين والرافضين لممارسة السباحة بلباس البحر، للتجمّع في الوقت المكان نفسيهما، الأمر الذي جعل رئيس بلدية صيدا المهندس محمّد السعودي، يصدر قراراً بمنع أيّ تجمّع على الشاطئ الّا بعد الحصول على ترخيص رسميّ مسبق من البلدية، وذلك حرصاً على "سلامة الجميع وعلى مدينتنا الحبيبة وأهلها الكرام".

وللتذكير فقط، فإنّ الجهات السياسيّة والدينيّة في صيدا تحرص على حماية العادات والتقاليد المحافظة، وتمنع ما تعتبره من المحظورات.
 
 

ارتفاع أسعار المحروقات ورسم الدخول سيحدّ من ارتياد المسابح الخاصّة.
 
 مع بدء موسم السباحة وافتتاح المسابح والشاليهات أبوابها، لا يبدو حتى الآن أنّ غالبيّة هواة السباحة وعشّاق البحر، وخصوصاً من القرى والبلدات الجبليّة البعيدة عن الساحل، متحمّسون للنزول الى البحر كما كانوا يفعلون سابقاً، وذلك بسبب ارتفاع أسعار المحروقات وتدنّي سعر العملة الوطنيّة، وارتفاع رسم الدخول الى المسابح، وقال مدير ثانويّة جزّين الرسمية سابقاً مارون واكد لـ "النهار" أنّه اعتاد في فصل الصيف وموسم السباحة النزول الى أحد مسابح بلدة الرميلة مرّتين أو ثلاث مرات في الشهر مع زوجته وابنتيه، من دون أن يشعر بأيّ أعباء مادية، ولكن بعد ارتفاع سعر صرف الدولار وتدنّي سعر صرف الليرة وارتفاع أسعار مادة البنزين، لم يعد بإمكانه المجيء الى البحر سوى مرّة واحدة في الشهر، واليوم بات يخشى بعد تضاعف سعر مادّة البنزين وارتفاع تكاليف الدخول الى المسبح من عدم تمكّنه من المجيء الى البحر، وقال ممازحاً: "عندما يصادف مرورنا في بلدة الرميلة سأقول لعائلتي هنا كان بحرنا ومتنفّسنا في موسم السباحة"



الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium