النهار

سدّ المسيلحة مزراب للمياه وللمال العام... شحّ واعتداء على الطبيعة ودير أثريّ اختفى
طوني فرنجية
المصدر: النهار
سدّ المسيلحة مزراب للمياه وللمال العام... شحّ واعتداء على الطبيعة ودير أثريّ اختفى
سد المسيلحة.
A+   A-
حكاية سدّ المسيلحة في البترون كحكاية إبريق الزيت تعرف من أين تبدأ ولا تعرف أين تنتهي، وكلّ ما هو مؤكّد حتى السّاعة أنه مزراب لهدر المال العام أسوة بمشاريع مماثلة نفّذت من دون دراسة أثر بيئي، فغدت من دون منفعة لعدم استيفائها الشروط البيئية والبنيويّة التي تُتيح لها تخزين مياه الأمطار والثلوج للاستعمال في زمن الشحائح، وللإفادة منها لريّ المزروعات، أو لتأمين مياه الشفة بعد التكرير أو… لكن الخطأ أن سدّ المسيلحة أقيم على ارتفاع ٥٠ متراً من سطح البحر بهدف إرواء بلدات كورانيّة وبترونيّة ترتفع أقلّه من سطح البحر إلى نحو ٣٠٠ متر، وذلك عن طريق الضخّ العكسيّ الذي يكبّد الدولة خسائر تشغيل كبيرة تُضاف إلى خسائرها المادية في تنفيذ السدّ.
 
ويقول الناشط البيئيّ بول أبي راشد لـ"النهار": "بدل أن تتكلّف الدولة أموالاً طائلة لإقامة سدّ، تُخزّن فيه مياه النهر المخلوطة بالمجارير من تنورين إلى البحر، كان بإمكانها شفط المياه العذبة من الينابيع الموجودة في منطقة البحر في البترون، والتي أثبتت الدراسات خلوّها من أيّة ملوّثات، وبالإمكان استعمالها للشرب والريّ".
وأشار إلى أن مشروع المسيلحة "تمّت إقامته من دون دراسة الأثر البيئيّ. والعلماء يقولون إن السدّ يقع فوق ما يُعرف جيولوجياً بـ"كسر البترون"، ولهذا فإنّ أرض الخزان تتشقّق ولا تخزّن المياه".
 
ويُضيف "أنّ الأعمال في السدّ أدّت إلى طمر دير أثريّ كان في المكان وفق ما تظهر فيديوهات موثّقة من المنطقة. من هنا، لا يُمكن تفسير الاعتداء على الطبيعة والآثار إلا لسرقة المال العام".
 
وبشأن بيان وزارة الطاقة ومدّة العمل في السدّ وتكاليفه، قال أبي راشد: "المدّة أساساً هي أربع سنوات، وهي تشمل التّجارب. والسنوات الأربع انتهت منذ زمن طويل، ولا يزالون يُجرون التجارب. أمّا التكاليف فهي أساساً ٥٥ مليون دولار، إلا أنّ أحداً في وزارة الطاقة لا يجرؤ على البوح بما بلغته التكلفة حتّى السّاعة، مشيراً إلى أنّ التكاليف في سد "بلعة" (تنورين) بلغت ١٠٠ مليون دولار في حين كان التكلفة مقدّرة بـ٢٥ مليون دولار، وهناك خشية اليوم من أن تصل التكلفة في سدّ المسيلحة إلى ٢٠٠ مليون دولار".
 
وتابع: "في الأول من أيار كان المفيض في السدّ شغّالاً، وفي الـ١٠ من أيار انخفض منسوب المياه في السدّ بشكل لافت، ففُتحت فتحة الكسر وبلعت المياه"، معتبراً أنهم "أقفلوا مجرى النهر قبل الانتخابات لإعادة ملء السدّ، وما يجري كارثة كبرى طالت الثروات المائية والحيوانية وكذلك المزروعات"، لافتاً إلى وجود قوانين لبنانية تمنع تحويل مجاري الأنهار فكيف بتجفيفها!
 
وخلص أبي راشد إلى القول: "هذه المجموعة السياسية الممسكة بوزارتي الطاقة والبيئة، والتي أثبتت فشلها، يجب منعها من الوصول مجدداً إلى هاتين الوزارتين اللتين يجب أن تكونا من حصة الاختصاصيّين منعاً لمزيد من هدر المال العام، وطلباً لإنجاز مشاريع ذات منفعة عامة لجميع اللبنانيين وليس لجيوب السياسيين".
 
إلى صرخة أبي راشد تُضاف صرخة أهالي القرى المجاورة لسدّ المسيلحة، الذين خسروا أراضيهم وواديهم الأخضر بسبب المشروع الذي فشل فشلاً ذريعاً، وقد كانوا شاهدين على خسارة السدّ للمياه التي ملأته.
 
أحد الخبراء الهدرولوجيين، يقول لـ"النهار": "الصيانة المستمرّة للسدّ لم تُجدِ نفعاً بل كلّفت الدولة أموالاً طائلة من دون أيّ جدوى. ففي مطلع العام 2020، خسر السدّ مخزونه من المياه في غضون فترة قصيرة جداً بعد تعبئته اصطناعياً، الأمر الذي حمل وزارة الطاقة على إجراء أعمال صيانة له خلال شهر شباط من العام المذكور. بعدها بشهر، أعيدت عملية تعبئة السدّ بالمياه، لكنه فقد مخزونه مجدداً في شهر نيسان 2020".
 
ويضيف "في العام 2022، أعلنت وزارة الطاقة أيضاً أنّ أعمال التجارب في السدّ تطلّبت إقفال بواباته من أجل حصر الكمّيات الوافدة من نهر الجوز المحاذي له لمدّة 3 أسابيع قبل أن تمتلىء البحيرة. وبيئياً، فإنّ ما حصل أدّى إلى جفاف 4 كيلومترات من النهر، وهو أمرٌ يعتبر مخالفاً لاتفاقية برشلونة البيئية التي تقضي بمنع إغلاق الممرات المائيّة للأنهار، ولبنان هو من الموقّعين على تلك الاتفاقيّة".
 
ويرى أنّه "بحسب الدراسة المرتبطة بالسدّ، فإنّ من المفترض أن يُخزّن نحو 6 ملايين متر مكعّب من المياه، لكن ما يتبيّن هو أنه لا يحتمل هذه الكمّية أبداً، ممّا يجعل المياه المخزّنة فيه تتسرّب بشكل هائل".
 
وينتهي إلى القول: "سابقاً، كان الخبراء قد حذّروا من إقامة السدّ في تلك المنطقة نظراً لطبيعة صخورها غير القاسية، والتي تصاب بالهشاشة بمجرد ملامستها للمياه. وعليه، فإنّ قاعدة السدّ ليست ملائمة لتكوين المياه، ممّا يعني أنّ كلّ المحاولات التي تجري لن تؤدّي إلى نجاحه".
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium