أنطوان سلامه
لم يكن المحامي نهاد نوفل شخصية عابرة في تاريخ لبنان الحديث، بل هو من المؤسسين الكبار الذين بنوا مدينة هي زوق مكايل، وشرّع قوانين بلدية واتحاد بلديات في المنحى الجديد للدولة اللبنانية فسميّ قانون العام ١٩٧٧ باسمه.
منذ رئاسته بلدية زوق مكايل العام ١٩٦٣ حتى العام ٢٠١٦، تمايز وتفرّد في أدائه. اختط لنفسه نهجا شبيها بمناهج السلطات المحلية في الغرب، تحديدا فرنسا، فالبلدية هي سلطة ، ومنصة ثقافية ترافق النمو الديمغرافي والعمراني في سياق تاريخي متصاعد وثابت في آن واحد.
يتمثّل ثباته في الجذور أيّ في التراث الذي تحميه السلطة المحلية وتدفعه الى الأمام من خلال فعاليات ثقافية.
آمن نوفل أنّ الحياة الثقافية البلدية تنتفي اذا لم تتأمن لها البنى التحتية، هذه البني شكلت هاجسا محوريا في مسيرته الإنمائية، من القصر البلدي في حرمه الذي اتسع منذ بنائه في السبعينات لحركة تشكيلية رائدة ولمنبر فكري وحواري في قاعته للمحاضرات، الى الحديقة العامة بمسرحها في الهواء الطلق تتسع لأمسيات الشعر والموسيقى، الى ابداعاته في انشاء " بيت الحرفي" وبيت الشباب والثقافة" و" المدرج الروماني" في توازيه ثقافيا مع مهرجانات بعلبك وبيت الدين وجبيل... الى بيت الطفولة في وسط السوق العتيق الذي رمّمه في عزّ الحرب، كل هذه الإنجازات تدل الى أنّ أداءه البلدي لم ينفصل عن البعد الحضاري خصوصا في تتويج رحلته البلدية بمتاحف الشاعر الياس أبو شبكة والأديب انطون قازان ومتحف "النول" كمنصة لحفظ التراث الأغلى في تاريخ الزوق، تتزامن هذه المتاحف والصروح الثقافية مع تكريم كبار البلدة في الكلمة والسياسة، بأنصاب تتوسط المستديرات والأرصفة المزهرة.
لم يطغى اهتمامه بالبنى الفوقية على اهتماماته في مدّ البنى التحتية من "سدّ شبروح" الى شاطئ البحر، من المستوصفات والاهتمام بالمدرسة الرسمية الى اطلاق "المركز الثقافي البلدي" امتدادا الى جعل الثقافة صناعة بلدية تجذب الاستثمارات وتؤمن فرص العمل... بهذا الاتجاه أسس "ليالي السوق العتيق" بتحويله السوق التاريخي الى "عاصمة" الحرف اللبنانية والعربية، فأمن الاتصال المباشر والحيوي بين الحرفي والمستهلك...
في هذه السيرة التي خطها إنجازات تراكمت، يمثل نوفل مثال رئيس السلطة المحلية الذي يعرف تطويع القانون من أجل تحقيق رؤياه المستقبلية.
بنى للغد.
حافظ على الماضي. وفي الحالتين التزم بالإنسان في قيمته الميّالة الى الرفاه، فترك، طوال خمسين سنة من الكفاح البلدي المضني، إرثا كبيرا، ونموذجا لأداء بلدي عصري رفعُ الانسان فيه هو الإنجاز الأهم، ولعل المجمّع الرياضي الذي حققه، ويحمل اسمه، عنوان من عناوين المشاريع التنموية المستدامة.
رحيله موجع لمحبيه. يُضاف غيابه الى خسارة لبنان المزيد من طاقاته البشرية التواقة الى التمدن والحداثة والرقي.