عادت قضيّة "مركب الموت" في طرابلس إلى الواجهة من جديد، بعدما أعلن قائد القوات البحرية في الجيش اللبناني العميد هيثم ضناوي، صباح اليوم، عن انطلاق الغواصة الهندية للبحث عن المركب. تمّ تأجيل مهمة البحث عن المركب، بعد الظهر، بسبب ارتفاع موج البحر ما قد يهدّد سلامة الغواصة وطاقمها، بحسب بيان نشره الجيش اللبناني. وكان قد غرق المركب منذ أربعة اشهر تقريباً على عمق 470 متراً تقريبا، وعلى متنه أكثر من 30 مفقوداً.
أكثر من 80 شخصاً كانوا على متن المركب الذي توجّه من شمال لبنان بإتجاه أوروبا، وتحديداً إيطاليا، وبلغ عدد الضحايا 7 بينهم طفل. ولم تتضح حتى الآن ظروف الحادثة، فبينما اتّهم ناجون عناصر من القوات البحرية بالتوجّه لهم بالسباب وبإغراق القارب عن قصد أثناء محاولة توقيفه، قال الجيش إن قائد المركب نفّذ "مناورات للهروب... بشكل أدّى إلى ارتطامه" بزورق للجيش.
لا تزال الضبابية تسود المشهد، وانتظار هذه الفترة الطويلة للمباشرة في عملية إنقاذ المفقودين يطرح الاهمال الكبير من قبل المسؤولين في الدولة. ففي هذا البلد تبقى أشلاء الضحايا في البحر لأشهر، وتُنتظر فيه بعض المبادرات الإغترابية للبتّ في عملية الإنقاذ، التي من المفترض أن يُباشر فيها منذ الساعات الأولى. لا يمكن فصل غرق المركب عن واقع المدينة والظروف التي يعيشها أبناؤها منذ سنوات بفعل الإهمال والظلم والإمعان بتدمير إحدى أكبر الحواضر العربية على حوض المتوسط.
"ما بعرف شو بدي قول، نحنا كل يوم أمام صدمة جديدة"، تقول مروى سلّوم، خطيبة المفقود محمد طالب. اختار محمد المجازفة بحياته من أجل "تأمين حاله" والعودة إلى لبنان للزواج من مروى. ركب الزورق إلى جانب أهله وأخويه، ليبتلع البحر أربعة من أفراد الأسرة، وينفذ أخوه الأوسط مازن فقط من الغرق. فُقِد محمد بعد ثلاثة أيام على خطوبته وعقد قرانه من مروى التي تتساءل اليوم عن سبب الإنتظار كل هذه المدّة للمباشرة بعمليات البحث وتقول: "الغواصة عادت بعد أربعة أشهر لتقتلنا من جديد، تقاعس الجهات الرسمية يصدمنا يوماً بعد الآخر".
وكانت قد أشارت معطيات "النهار" في وقت سابق إلى أنّ مراكب صيد أسماك عدة، غادرت فجر السبت من عدة مواقع من الشاطئ العكاري والشمالي. وبحسب المعلومات، كان على متن كلٍّ منها أكثر من 40 شخصاً (رجال ونساء وأطفال) من بلدات عكارية وشمالية، بالإضافة إلى بعض السوريين والفلسطينيين.
ورغم المخاطر وبعض التجارب المميتة، إلّا أن ما شجّع على تكرار محاولات الهجرة غير الشرعية باتجاه أوروبا، وخاصةً إيطاليا، نجاح بعض ركاب المراكب بالوصول إلى بر الأمان خلال الأشهر الثلاثة الماضية. وكان قد اتصل قسم كبير من الذين نجحوا بالوصول بأقاربهم وبخاصة الشباب، وشجعوهم على إجراء رحلات مماثلة.
وتقول المعلومات إن هذه الهجرة لن تتوقف طالما أن الإمكانيات متوفّرة للهروب من هذا "الجحيم"، ويقول أحد المغادرين، "يكفينا شرف المحاولة، ونرفض الموت البطيء كحال القسم الأكبر من اللبنانيين".
ويشير متابعون إلى أن "أحداً لا يمكنه التكهّن بما ستؤول إليه الأمور في المستقبل القريب، مع انعدام فرص العمل، وتراجع قيمة الأجور، فيما يغيب المسؤولون كلياً عن هموم الناس ومعاناتهم، لا بل هم سبب هذه المعاناة".