"أبلغتني وزارة الداخلية إلغاء زواجي المدني وتمّ تنفيذ القرار خلال فترة لا تتعدّى اليومين"، يقول خليل رزق الله، وهو من الأشخاص الذين عرضت "النهار" قصة زواجهم المدنيّ في لبنان عبر تقنية الـ"أونلاين".
شكّل هذا النوع من الزواج أملاً للراغبين فيه، خصوصاً بعد الأزمة الاقتصادية الخانقة التي ضربت لبنان وارتفاع تكاليف السفر. قصد قرابة الـ70 ثنائياً هذا النوع من الزواج في الفترة الأخيرة، ليتفاجأ هؤلاء بشطب زواج بعضهم وإعادة وثائق زواج البعض الآخر، بالإضافة إلى فئة ثالثة امتنعت القنصلية اللبنانية عن تنظيم وثائق الزواج الرسميّة التي يحتاجونها.
تزوّج خليل ندى نعمة في تشرين الثاني من العام 2021، ورُزقا بطفلهما "كاي" في الشهر الماضي. خلال وجوده خارج لبنان، تفاجأ خليل بعناصر من مخفر بلدته بكفيا يسألون عنه بهدف الحصول على أوراق تثبت زواجه. بعد معرفته بإلغاء زواجه، قدّم اعتراضاً لدى وزارة الداخلية تضمّن كافة التفسيرات القانونية فلم يلقَ غير الرفض بالحجج نفسها التي اعتمدتها السلطة في المرة الأولى.
مكتومو قيد نتيجة القرار الذي طال خليل وآخرين،
لم يتمكّن خليل من تسجيل طفله بعد إلغاء زواجه، وتوجّه اليوم إلى الإعلام بهدف الضغط. رفع دعوى لدى مجلس شورى الدولة والقاضي المنفرد. في الأسبوع الماضي، تواصل خليل مع إحدى القنوات التلفزيونية لعرض قضيته على الشأن العام. بعد تواصل التلفزيون مع المديرية العامة للأحوال الشخصية، اتصلت الأخيرة بخليل لإبلاغه نيّتها الوصول إلى حلّ باعتبار أنّ "المدير العام لا يقبل أن يظلّ الولد مكتوم القيد".
وقال: "طلبت سيدة منّي التوجّه إلى بلدتي بكفيا لتحضير المستندات اللازمة لتسجيل ابني، إلا أن هذه الطريقة تجعل ابني من دون اسم الوالدة، وهو ما أرفضه كليّاً". وبحسب خليل، اقترحت المديرية فكرة سفره إلى قبرص للزواج من جديد بعد رفضه الاقتراح الأول، خصوصاً أن اللجوء إلى القضاء سيأخذ وقتاً طويلاً.
تواصلت "النهار" مع أشخاص آخرين لجأوا إلى الطريقة نفسها من الزواج المدني، منهم عمر عبد الباقي، الذي تزوّج نجوى سبيتي في حفل أقيم في ضهور الشوير في تموز الماضي. يواجه عمر المشكلة نفسها التي واجهت خليل، ويقول: "أوراقي لم تصل بعد، الظاهر أنه لم يسمح للسفارة اللبنانية في أميركا بإرسال الوثائق إلى لبنان".
يعمل عمر وزوجته في قطاع التعليم، وتشهد الفترة الحالية ضغطاً كبيراً عليهما، إلا أنهما سيتابعان الملف لمعرفة القصة الكامنة خلف عدم وصول أوراقهما من السفارة حتى اليوم. تفاجأ عمر بعدم تعميم المديرية العامة للأحوال الشخصية ووزارة الداخلية القرار الصادر عنهما، فالبعض يعتمد هذا النوع من الزواج حتى اليوم من دون معرفة الإجراءات التي سلكتها المديرية.
الرّد القانونيّ لأصحاب العلاقة الذين طالهم القرار
بدأ الموضوع حين أرسلت القنصلية اللبنانية في لوس أنجلوس كتاباً إلى ف. فخرو (أحد المتزوجين أونلاين بحسب قانون ولاية يوتا الأميركية)، أفادت فيه بأنه جرى تنظيم وثيقة زواج لبنانية بالاستناد إلى وثيقة الزواج الصادرة عن يوتا، التي احتفلت بزواجه. أرسلتها في حقيبة دبلوماسية إلى وزارة الخارجية والمغتربين في لبنان بتاريخ ٦-٦-٢٠٢٢ تحت رقم ٣/٢٠٢٢ لختمها وإرسالها إلى وزارة الداخلية للقيد. استلمت وزارة الخارجية وثيقة الزواج وأحالتها على وزارة الداخلية للقيد تحت رقم ٨٩١٢/٢٠٢٢. بعد مراجعة وزارة الداخلية تبيّن أن زواج فخرو لم يسجّل، وأفادته بصدور قرار بحقه، وتمنّعت عن تسليمه إيّاه، وطلبت إليه مراجعة الخارجيّة.
تابعت وكيلة فخرو الملف في كلٍّ من وزارتي الخارجية والداخلية، وتمكّنت من الاستحصال على صورة للقرار الصادر عن وزارة الداخلية من رئيسة قسم المصادقات في وزارة الخارجية، التي أبلغت المحامية بأن جميع وثائق الزواج، التي عُقدت في ولاية يوتا الأميركية، تمّت إعادتها إلى القنصلية اللبنانية في لوس أنجلوس. وقد تبيّن استمرار حصول هذا الأمر حتى اليوم، دون إبلاغ أصحاب العلاقة.
يُشير مرجع قانوني إلى أنّ المديرية العامة للأحوال الشخصية، بقرارها هذا، خلقت مشكلة اجتماعية طالت ثلاث فئات: "الأولى مكوّنة من أشخاص تمّ قيد زواجهم في وزارة الداخلية وتنفيذه في دوائر النفوس ليُعاد ويُشطب في ما بعد. الثانية وصلت وثائق زواجهم إلى لبنان، ثمّ تمّت إعادتها إلى القنصلية اللبنانية في لوس أنجلوس من دون علم أصحابها. والثالثة امتنعت القنصليّة عن تنظيم وثائق زواجها بعد تبلّغها القرار الصادر عن وزارة الداخلية بحق ف. فخرو".
يضيف المرجع: "هذا التكتم من قبل المدير العام يسبّب ضرراً جسيماً وتفكّكاً عائليّاً، بالإضافة إلى التسبّب بولاداتٍ لها وصف "غير الشرعي"".
اعترضت وكيلة فخرو على القرار الصادر بحقّ الأخير لدى وزارة الداخلية، فرفض مكتب المدير العام للأحوال الشخصية العميد إلياس الخوري تسلّمه. عندها وجهّت الوكيلة اعتراضها لوزير الداخلية وسُجّل في قلم الوزارة، "ليتبيّن لنا أنّه تحوّل إدارياً إلى الخوري". تشدّد الوكيلة على "رفض الخوري مضمون الاعتراض مؤكّداً ما ورد سابقاً في قراره حول عدم قيد زواج فخرو، وإلغاء وثيقة زواج خليل رزق الله، وإعادة قيد زوجته إلى خانة والديها عملاً بمبدأ المساواة".
اعتبر الخوري أنّه غير ملزم بتسجيل زواج فخرو لثلاثة اعتبارات: عدم تضّمن وثيقة الزواج الصادرة عن ولاية يوتا توقيع العاقدين، ومصادقة أو توقيع المرجع الذي أجرى عقد الزواج. لم يظهر للإدارة الوسيلة التي استعملت للتواصل مع العاقد (بالوساطة، بالوكالة، عبر الهاتف أو الإنترنت)، محلّ إقامة العاقدين هو لبنان، فيكون مكان انعقاد العقد هو حكماً الأراضي اللبنانية، وبالتالي يكون الزواج باطلاً لإبرامه في لبنان.
يُجيب المرجع القانوني في حديثه مع "النهار" على ما تحجّج به الخوري بما يأتي:
1. إن وثيقة الزواج الأميركية تتضمّن تواقيع رقميّة. وحسب قانون يوتا، تتضمن وثيقة الزواج تواقيع رقميّة بصرف النظر عمّا إذا كان الزواج قد تمّ حضورياً أم عبر تقنية مؤتمرات الفيديو. من جهة أخرى، إن قانون المعاملات الإلكترونية رقم ٨١ المنشور في الجريدة الرسمية عدد ٤٥ بتاريخ ١٨ تشرين الأول ٢٠١٨، والذي قضى بأنّ أحكامه تسري بعد مرور ثلاثة أشهر على نشره، نصّ في مادته الرابعة على أن التواقيع الرقميّة لها نفس المفاعيل القانونيّة التي تتمتع بها التواقيع الورقيّة.
2. لا تتضمّن وثيقة الزواج اللبنانية المنظّمة في القنصليّات اللبنانية أو في داخل لبنان خانة تظهر الوسيلة التي تمّ بها عقد الزواج، فضلاً عن أنّ قانون ولاية يوتا لا يتطلّب إظهار هذه الوسيلة، ولا القانون اللبناني يطلب ذلك. والمادة ٢٥ من القرار ٦٠ ل.ر تنصّ على أن الزواج يكون صحيحاً إذا احتفل به وفقاً للأشكال المتّبعة في البلد الذي أجرى هذا الاحتفال.
3. أولاً، إن عقد زواج فخرو والآخرين ممّن عقدوا زواجهم بتلك الوسيلة عينها تمّ وفقاً لقانون ولاية يوتا كما هو مذكور، إن على وثيقة الزواج الصادرة عنها، وفي الكتاب الصادر عنها الذي يؤكّد على خضوع هذا الزواج لسلطة يوتا وقانونها.
ثانياً، عدا عن تبنّي ولاية يوتا صلاحيّتها في إخضاع هذا الزواج لقانونها، وليس للقانون اللبناني، يبقى أن للمتعاقدين، عملاً بقاعدة الإرادة، حقّ اختيار القانون الذي يرغبان في إخضاع زواجهما له. وهنا اختار العاقدان قانون ولاية يوتا ليرعى زواجهما.
ثالثاً، في حال صحّة إعمال قاعدة "المكان يسود العقد"، لا بدّ من التساؤل حول كيفية تمكّن المدير العام من إثبات تواجد العاقدين على الأراضي اللبنانية. هل اكتفى بالاستناد إلى مكان الإقامة الذي يحدّد مكان سكنهما قبل الارتباط، والمذكور على رخصة الزواج وليس على وثيقة الزواج؟ من الظاهر أنه توجد زيجات عديدة تمّ عقدها عبر تقنية مؤتمرات الفيديو في حين كان العاقدان يقيمان خارج الأراضي اللبنانية.
تواصلت "النهار" مع المديرية العامة للأحوال الشخصية التي اكتفت بالتشديد على أن الملف بين الإدارة والأطراف أصبح في القضاء، وأنّ رأي الإدارة كان واضحاً في كتابها. وأضافت: "حاولنا التوصل إلى حلّ إلا أنهم رفضوا، وقرّروا التوجه إلى القضاء. هناك نزاعات قضائيّة بالنسبة إلى موضوع خليل رزق الله، ونحن بانتظار النتائج القضائيّة".
بالرغم من حصول خليل رزق الله وآخرين على إخراجات قيد عائليّة، استفاقت المديرية العامة للأحوال الشخصية على "عدم قانونية هذه الزيجات" بعد قرابة السنة. تحويل أطفال إلى مكتومي قيد خطيئة، تتحمّل مسؤوليتها المديرية ووزارة الداخلية ومن ضغط باتجاه هذا القرار التعسّفي. يطرح القرار أسئلة عديدة عن طبيعة الضغوط التي لحقت بالمعنيين للتراجع عن قرارهم بالسماح لهذا النوع من الزيجات. قد يكون بعض رجال الدين والسياسة أكثر المتضررين من قرار كهذا، فمشاهدة اللبنانيين يتحرّرون من عباءتهم الطائفية قد يلغي أو يقلّل من تأثيرهم في تفاصيل حياتهم اليومية.