يعتقد الكثيرون من اللبنانيين- وأنا منهم- أن الشيخوخة داهمت استقلال 1943، مع العلم أن الذكرى تبقى للبعض مفصلاً مهماً في صفحات تاريخنا المعاصر.
لكن هذا الاستقلال يحل اليوم ونحن في شغور رئاسي "موحش" وواقع حكومة تصريف أعمال، ووسط أزمة وجودية وضائقة مالية واقتصادية محكومة بأسعار صرف دولار تتنوع بين السوق الرسمية والسوق السوداء ومنصة صيرفة.
دولتان وجيشان
ماذا يعني استقلال 1943 بالنسبة للمؤرخ عبد الرؤوف سنو؟ فأجاب أننا رغم نيلنا الاستقلال في حينها من دولة منتدبة على لبنان، فإن دولتنا تحطمت كلياً في الجوانب كافة، ما جعلنا اليوم مستعمرين من الداخل حتى لو نلنا استقلالنا من الخارج".
إعتبر سنو أننا نرزح اليوم "تحت وطأة احتلال ثقيل جداً وضعنا في دولة لها جيشها وداخلها دولة تملك جيشاً لبنانياً نظامياً، إضافة إلى تشكيل مجتمع خاص مقابل مجتمعنا اللبناني، ما يجعلنا اليوم بعيدين كل البعد عن شعورنا بالاستقلال...".
ما المطلوب لنحيي هذا الاستقلال؟ برأي سنو، "على لبنان أن يكون بلداً محايداً عن كل تبعية لتستقيم الأمور كما يجب". وقال: "المجتمع اللبناني منقسم على نفسه في ظل تدخل الطوائف الدينية في الداخل وسط عجزها عن التوافق على مشروع، ما يعري الاستقلال من أي طعم أو مغزى...".
وقال إن "العجز عن الفصل بين السلطات كان له دوره في تسيس القضاء، وإضعافه، ما أدى الى عدم إكمال التحقيق في الانفجار الهائل في 4 آب لاعتبارات داخلية وإقليمية عدة، مضيفاً: "يد القضاء مشلولة عن إكمال التحقيق، وهو عار على جبين لبنان ألا يصل التحقيق إلى أي شيء. المشهد مغاير في قضية اغتيال الصحافية شيرين أبوعاقلة، الذي أوكل القضاء الأميركي بمتابعة التحقيق في اغتيالها..".
ماذا علينا أن نقول للجيل الناشئ عن استقلال 1943؟ أجاب: "علينا أن نوجههم إلى حب الوطن وأهمية إعطائه الأولوية في حياتهم، إلى درجة تعلو على حب الوالدين ..".
وخلص إلى أنه "لا يمكن الاحتفال بالاستقلال اليوم إلا بتحية إجلال لجيشنا اللبناني، الذي يرزح تحت وطأة ظروف صعبة جداً". مشيراً إلى أنه "هيمن على لبنان هويتان هما الهوية الفارسية والهوية اللبنانية، ما يجعل الاستقلال شيئاً بعيد المنال...".
إحياء الذكرى
أما أستاذة العلوم السياسية الدكتورة فاديا كيوان فقد أشارت الى أنه "علينا كل عام كمواطنين لبنانيين ما
زلنا متمسكين لا بل أضحينا أكثر تمسكاً بوطننا، أن نحيي ذكرى الاستقلال وإن لم تكن دائماً في صيغة احتفالية بالنظر إلى الظروف".
أكدت أنه "وقد يكون من غير المستحب الحديث عن الاحتفال لأكثر من سبب، ولكن إحياء الذكرى لا بد منه لكونه محطة مهمة في تاريخنا الوطني، وهي محطة تفكير وتأمل، وربما مصارحة وتبادل الرأي، أي من أجل الوصول الى رؤية مشتركة أكثر متانة في هذه العاصفة التي هبت على المنطقة ونحن لسوء الحظ في وسطها".
"لكن بيروت ستلملم جراحها وتقوم من جديد عندما تكشف الحقائق، وعندما تمتد الأيدي البيضاء لأعداد كبيرة من اللبنانيين لإعادة إعمار بيروت، لنعيدها إلى دورها الرائد منارة في هذا الشرق"، قالت كيوان.
ماذا نقول للجيل الناشئ؟ أجابت كيوان أنه "يجب أن نقول لهم إن للبنان قيمة مضافة وهو وطننا، وكرامتنا مصانة ببلدنا، وإن لم تكن كذلك علينا أن نسعى إلى أن تكون كذلك..".
وذكرت أنه علينا "أن ننقل الى الأجيال الناشئة رؤية متفائلة بالمستقبل ومتشبثة بأن لنا دوراً كلبنانيين ولهم كأجيال ناشئة في تعزيز الوحدة الوطنية في تلاقيهم جميعاً رغم كل الاختلافات السياسية والمذهبية والطائفية، تلاقيهم حول هذا الوطن الكبير، الكبير برؤيته ورسالته في هذا الشرق والعالم العربي". ولفتت إلى أنه "يجب أن نكون فخورين بالانتماء إلى لبنان، وننقل فكرة هذا الانتماء لأبنائه جميعاً كونه صاحب رسالة في هذا العالم العربي".
وتابعت: "هذه رسالة ضرورية لكي تبقى شعلة الاستقلال مضيئة في عقول اللبنانيين وذاكرتهم. لأنه تاريخ الإفراج عن حكومة لبنان، التي كانت سلطات الانتداب اعتقلتها في قلعة راشيا، بعد أن طالب لبنان بالاستقلال عن فرنسا وإنهاء الانتداب الذي كان لفترة مؤقتة بتكليف من عصبة الأمم".
لماذا وصلنا إلى ما نحن عليه؟ أجابت:" ما أوصلنا إلى إما نحن عليه هو الأداء السياسي ورمي الكرة في ملعب الآخرين . هذا الأداء السياسي هو من نخب اخترناها تباعاً...".
[email protected]
Twitter:@rosettefadel