احتفل "اتحاد الجمعيات في زحلة" بمرور 3 سنوات على بدء خدمته الخيرية المتمثلة بتوزيع الوجبات الساخنة على محتاجيها في المدينة، والمستمرة منذ 25 أيار 2020 بفضل تبرّعاتٍ بلغت 600 و95 ألف دولار، وبفعل تفاني 156 متطوعاً توالوا على توزيع 245 ألف وجبة، على مدى 520 يوماً، لـ700 عائلة.
وللمناسبة أقام الاتحاد مأدبة غداء، في "مطعم المحبة"، الذي أسّسه راعي أبرشية زحلة المارونية الأسبق المغفور له المطران جورج إسكندر، في عام 1988، بهدف الخدمة الاجتماعية. جمعت المأدبة التكريميّة 3 فئات، هم: المستفيدون من أصحاب الحاجة، والمتبرّعون، والمتطوّعون، أو الركائز الثلاث للعمل الخيريّ، وفق رجل الأعمال المغترب نبيل شرتوني، وهو من مؤسّسي هذا العمل الخيريّ وأكبر مساهميه، معتبراً في كلمة ألقاها خلال الاحتفال بأنّ الأهم بين الثلاثة "هو من يعطي من وقته لأن الوقت هو أثمن الأمور. الأموال تأتي وتذهب، والمحتاج قد يتدبّر أمره، لكن الذي يعطي من وقته يعطي أهم شيء في حياته". وأشار إلى أن "العطاء ليس سهلاً، إذ يجب أن نعرف كيف نعطي"، راوياً قصة تُليت عليه في لندن، وتعود إلى عام 1860، وفيها أن "رجل دين يهودي سقط في هوّة، فتحلّق حوله الناس محاولين مساعدته، فراحوا يقولون له: "أعطنا يدك، مدّ يدك"، إلا أنّه كان يرفض ويمتنع. فمرّ مطران مارونيّ من زحلة، وتوجّه إلى الرجل القابع في الهوّة "خذ بيدي"، ومدّ يده، فبادر الآخر إلى تلقّفها، لأنه كان يعطيه ولا يأخذ منه".
هذا العمل الخيري المستمرّ هو تكافل اجتماعي بين عدد من الأفراد والجمعيات الذين اتّحدوا على فعل الخير، وخلقوا مساحة تسعى إلى ردم هوّة نتجت عن تردّي الأوضاع المعيشية للّبنانيين نتيجة الأزمة المالية والاقتصادية. وقد اختصر الأب غابي خيرالله العلّة وما حتّمته من بدائل، فقال متحدّثاً باسم "مركز الشبيبة الكاثوليكية- CJC" المساهم في استمرار خدمة الوجبة الساخنة: "دولتنا تنهار، لم تعد موجودة". وأضاف: "إنما هناك مؤسّسة لم تمت اسمها الكنيسة. الكنيسة ليست فقط الإكليروس، كلمة كنيسة تعني شعب الله. فلمّا قال المسيح "أبواب الجحيم لن تقوى عليها"، فهذا يعني بأنه طالما أننا نقف معاً متضامنين فلا شيء سيهزّ الكنيسة، بل ستبقى واقفة، لأنكم أنتم هنا. الكنيسة أنتم، وطالما أنتم موجودون، فالكنيسة موجودة، والكنيسة هدفها أن تقف مع أولادها. كلّنا معاً سنستمر".
قصة الوجبة اليومية السّاخنة رواها المهندس نديم الحجّار متكلّماً باسم الاتحاد، وروى أن خدمة الطبق اليوميّ انطلقت بمبادرة من رجل ظلّت هويّته مجهولة من معظم فريق المتطوعين، الذي تألّف من 16 شخصاً، إذ "بدأنا التوزيع في 25 أيار 2020. كنا نتلاقى في مطرانية زحلة للموارنة، والطعام يحضّر في فقرا catering ببيروت، وينقل إلى زحلة ببرادات خاصة. وكانت بلدية زحلة تؤمن نقل الوجبات. لم تردعنا أيّ صعوبات: لا مطر ولا ثلوج على طريق ضهر البيدر، ولا قطع الطرقات، لا كورونا ولا أزمة البنزين. خلال كل الصعوبات تمكنّا من إيصال اللقمة، وكان المتطوعون ينشطون بكلّ إرادة زحلية صلبة لإيصال الوجبات لمحتاجيها".
وأوضح بأن المتبرّع الأول كان مجهولاً، قبل أن تمتدّ المبادرة لشهور طويلة، وقبل أن يفاجئ الجميع بتكريمهم، بالرغم من رغبتهم بتكريمه أولاً، فكان السيد نبيل شرتوني.
وتابع: "كبرت العائلة، وزادت الأعداد، وبات لدينا 30 متطوعاً، 15 سيّارة تعمل في توزيع الوجبات على المنازل، وكبرت عائلة كلّ متطوع لأن كلّ من كان يوصل لهم الوجبة أصبحوا جزءاً من عائلته بالمحبّة".
وشدّد على أنهم كانوا "كفريق، أفراد ننتمي إلى عدة جمعيات. تطوّعنا لهذا العمل، فوجدنا حاجةً إلى أن ننسّق في ما بيننا على صعيد الجمعيات نفسها. ومن هنا ولدت فكرة "اتحاد الجمعيات في زحلة"، الذي يضمّ "بيت عذراء الفقراء"، "عائلة مار شربل"، "المنسيين"، "كاريتاس- إقليم زحلة" و"سيدات مطعم المحبة". طموحنا أن يكون لدينا شراكة أكبر ومتطوّعون أكثر وعطاء من دون أيّ شرط، بكل محبة وحضارة واحترام".
ومضى الحجار راوياً بأنه إزاء الواقع المستجد "أخذنا قراراً بأن نبدأ بطهو الأطباق في زحلة، فوجدنا أن "مطعم المحبة" التابع للمطرانية المارونية يلبّي حاجتنا من مطبخ مجهّز وصالة طعام، وببركة المطران معوض بدأنا الطبخ في زحلة. كانت تكلفة تأمين الوجبات 5 آلاف دولار، فجاءت المساعدة من "مركز الشبيبة الكاثوليكية - CJC" عبر الأب خيرالله بنصف القيمة، أي 2500 دولار، فبدأنا بـ80 شخصاً، ومن بعدها تبرّع السيد شرتوني بباقي القيمة، ثم توالى المتبرّعون وهكذا زاد العدد، وبتنا نؤمن اليوم وجبات لـ370 شخصاً".
وقال المتحدث باسم الاتحاد: "لسنا وحدنا كاتحاد جمعيات زحلة من نؤمّن الوجبات لمحتاجيها في المدينة، بل هناك مطاعم أخرى مماثلة، أخصّ منها بالذكر: "مطعم يوحنا الرحيم" التابع لمطرانية الفرزل وزحلة للروم الكاثوليك الذي يطعم ألف شخص في اليوم، وجبات ممولة من السيد نبيل حداد بإدارة الشيف ملحم فريحة، "جمعية مار منصور دي بول"، وأخيراً "مطعم Saint Nicolas" لجمعية "السامري الشفوق" الذي تكفّل معنا، ببركة راعي أبرشية زحلة وبعلبك للروم الأرثوذكس المطران أنطونيوس الصوري، تقديم وجبة ساخنة أسبوعياً، فهم يقدمون وجبة يوم الأربعاء، ونحن نقدم وجبتي الإثنين والجمعة".
وخلص الحجار إلى أن"ما يهمنا بالنهاية ألا يجوع أحد، وأن نحفظ كرامة أهلنا في المدينة، وأنن تبقى زحلة مرفوعة الرأس".
من جهته، شكر راعي أبرشبة زحلة المارونية المطران جوزف معوض المتبرعين والمتطوعين، "لاسيما الجماعات التي تعمل مع بعضها البعض وتتضامن مع بعضها البعض خاصة في هذه الظروف الصعبة"، مشيراً إلى أن عملهم هو رصيدهم في السماء، مباركاً المأدبة والمشاركين فيها.