منذ بضعة أسابيع بدأنا نرى الحياة والأضواء تعود تدريجيّاً إلى بعض شوارع وأحياء العاصمة بيروت، وخاصّة في منطقة الأشرفية، فرؤية الشوارع مضاءة في الليل، في لبنان عامّة، أصبحت حدثاً استثنائياً ومميزاً في ظلّ وضع الكهرباء المزري. ومنذ يومين وصلت هذه الأضواء إلى منطقة الجمّيزة والى درج مار نقولا تحديداً، بعدما تمّت إضاءته بالكامل وسط احتفالية موسيقية أعادت الفرح والغناء والفنّ إلى أدراجه. فما الذي يحصل ومن يقف وراء هذه المبادرة؟
"ضوّي شارعك"، مبادرة أطلقت منذ نحو الشهرين بالتعاون بين شركة "مدكو" اللبنانية لاستيراد وتوزيع النفط، وجمعية "Rebirth Beirut"، والهدف من ورائها كما توضح مديرة قسم الابتكار في الشركة ميشال شمّاس غرزوزي "إضاءة أكبر عدد من شوارع بيروت، فالضوء يعني الحياة، ولكي نتمكّن من التقدّم لا يمكن أن نعيش في العتمة، خاصة في مدينة الأضواء والفرح. بيروت التي لا تليق العتمة بها ولا بأبنائها التائقين دائماً وابداً إلى حبّ الحياة".
شمّاس ترى أنّ "البلد الآن أشبه بسيّارة نفدت منها الطاقة فاضطرّت مع ركابها، أيّ اللبنانيين جميعاً، إلى التوقّف في وسط الطريق، وهي الآن بحاجة لإمدادها بمزيد من الطاقة للتمكّن من إعادة اطلاق محركاتها وإنارة أضوائها، لتنطلق من جديد وتسير الى الأمام، فتصل بركّابها الى برّ الأمان، "العمل على تأمين هذه الطاقة مادياً ومعنوياً يجسّد رسالة "مدكو" الإنسانية - الاجتماعية في هذه المرحلة تحديدا التي تضع فيها كلّ طاقتها في خدمة اللبنانيين والمجتمع ليتمكنوا من الصمود والاستمرار في هذه المرحلة الصعبة التي نمرّ بها، على أمل أن نتمكّن جميعاً من "إعادة تشغيل محرّكاتنا" للانطلاق نحو مستقبل أفضل لنا ولأبنائنا".
ورداً على سؤال ما الهدف من وراء ذلك، تُشير إلى أن "لبنان بلدنا أوّلاً وأخيراً، وبيروت "ستّ الدنيا" مدينتنا، وجذورنا راسخة فيها منذ مئات السنين، ولا بدّ من العمل ولو من خلال مبادرات فردية أو تشاركية، لاستعادة بريقها وتألقها وتوفير حياة تليق بأبنائها. فلكلّ منّا دور ورسالة يجب أن يؤدّيها في هذه المرحلة لمساندة أهلنا ومجتمعاتنا، كلّ بحسب إمكاناته".
وعمّا يمكن أن تقوم به "مدكو "في هذه المرحلة، تُجيب شماس مبتسمة: "إمداد الناس بالطاقة المطلوبة لمواصلة السير والتقدّم نحو الإمام"، مؤكّدةً أن "نحن في شركة "مدكو" أردنا اليوم وأكثر من أيّ وقت مضى أن نوظّف كلّ طاقاتنا ومواردنا المادية واللوجستية والبشرية لمواكبة اللبنانيين في مختلف محطات حياتهم. وقد أطلقنا لهذه الغاية سلسلة مبادرات إنسانية-اجتماعية بمجملها تلبية احتياجات اللبنانيين الملحّة، والتي تحوّلت مع الأسف الى كماليات يصعب الحصول عليها".
وذكّرت أن "في العام 2021 مثلاً، وبعدما تفاقمت أزمة المحروقات وفقدت على نطاق واسع من الأسواق، أطلاقنا مبادرة "ممنوع القطعة" التي حرصنا من خلالها على استمرار تأمين مادة البنزين لمحطّات "مدكو" 1و"فنيسيا" ومادّة المازوت للمعامل والمنازل وخاصّة المستشفيات، مع إعطاء أولوية الاستفادة منها لزبائننا الذين بادلناهم الوفاء فجاءت "ممنوع القطعة" فعلا لا قولا فحسب".
وفي هذا السياق، لفتت إلى أن "خلال الشتاء الماضي، بدأنا العمل بمبادرتنا الثانية "ممنوع نبرد" وقد استفادت منها أكثر من 500 عائلة لبنانية في المناطق الجبلية، خاصة بعد أن أمنّا لها مادة المازوت للتدفئة، وقد تم اختيار هذه العائلات بالتنسيق مع جمعيات "سيزوبيل" و"كاريتاس لبنان" و "أشرفية 2020" كما ساهم زبائننا بعملية الاختيار هذه من خلال استمارات أرسلناها لهم دوّنوا فيها عناوين لعائلات معوّزة يعرفونها. فعندما نقول "ممنوع نبرد" فإنّنا نعني ما نقول ونعمل من أجل ذلك، سنستمرّ خلال هذه المبادرة في فصل الشتاء المقبل ان شاء الله".
وأكّدت أن "مبادراتنا لم ولن تتوقف، وقد كان آخرها "ضوّي شارعك" التي عملنا عليها بالتعاون مع جمعية "Rebirth Beirut"، ومن خلالها استطعنا إضاءة عدد كبير من شوارعنا وأحيائنا كساحة ساسين ودرج مار نقولا وفرن الحايك وغيرها، ولا زلنا في أوّل الطريق. فالظلام والحياة لا يلتقيان، ولا بدّ من إعادة إحياء بيروت التي تشبهنا ونشبهها، بيروت الفرح والجمال، بيروت العلم والثقافة والسياحة بيروت الامن والأمان، وكلّ هذه الميزات لا يمكن أن تجد مكاناً لها في الظلمة. لذا كلّنا أمل أن نتمكّن من خلال هذه المبادرة من تبديد عامل الخوف ولو جزئياً من قلب أهلنا في العاصمة بعد ان باتوا يتجنّبون الخروج ليلا تحاشيا لعودتهم الى منازلهم بعدما تكون العتمة قد لفّت شوارعهم".
وعمّن يمكنه الاستفادة من هذه المبادرة، تذكر أن "على من يرغب الاستفادة منها فقط الانتساب إلى برنامج "مدكو منّا وفينا" ( MMFC)، وإيجاد مولد كهربائي في الحيّ يعمل 24/24 ساعة و"الباقي علينا" . ما نقوم به ليس سهلاً على الإطلاق، وهو تحدّ بالنسبة إلينا مع كلّ الصعوبات الموجودة".
وتختم شماس بالقول إن "حياتنا محطة ممنوع أن نفشل فيها، بل يجب الاستفادة منها وتطويرها لتصبح محطة أساسية لخدمات كثيرة ومتنوعة يمكن أن نؤدّيها، وهذا هو جوهر رسالة شركة "مدكو" التي بدأتها قبل 112 عاماً".