"العنف ضد المرأة في المجال السياسي". عنوان عريض قد لا يستوقف كثيرين، أو قد يراه البعض قضية ثانوية في ظل القضايا الرئيسية في البلد. كيف يمكن أن نطالب بتحقيق التوازن الجندري إذا كان رأس الهرم، أي الدولة، أول المتعدّين على هذا الحق؟ نحتاج إلى جهود مكثفة لإسقاط الصورة النمطية التي أعطيت لبعض الوجوه على حساب بعض الاختصاصيات في العلوم السياسية والشأن الداخلي، وفضّلت الذكور على النساء من دون إعطاء فرصة حقيقية لهنّ للظهور على الاعلام أو تبوّؤ مناصب سياسية عامة.
نقطة الانطلاق تكون من الحي الذي نسكن فيه، مروراً بالمجالس البلدية وصولاً إلى المجلس النيابي. محطات كثيرة تحاول النساء فيها أن يجتزن الألغام والعراقيل والعقلية السائدة في مجتمع تحكمت فيه الذكورية لسنين طويلة قبل أن ينجح في إحداث بعض التغييرات. صحيح أننا قطعنا شوطاً في إدخال العنصر النسائي في العمل السياسي، إلا أن الطريق ما زال طويلاً، والمحاولات الخجولة تُقابلها قوى ضاغطة تكسر من طموحات المرأة وقدراتها.
الاستهزاء بقدرات المرأة وحصر الأسئلة ببعض المواضيع الاجتماعية حتّمت على نساء كثيرات عدم تكرار تجربة ظهورهن على الإعلام أو المشاركة السياسية. وقد عكست بعض التجارب السابقة سوء تعاطي بعض الإعلام كما المسؤولين مع النساء على أساس الجنس وليس القدرات.
56.8 في المئة من الصحافيين يجدون أن هناك فرقاً في التعاطي الإعلامي بين النساء والرجال، و86.4 في المئة يعتقدون أيضاً أن المرأة أكثر عرضة للعنف بسبب نشاطها العام.
هذه الأرقام كشفتها مؤسسة مهارات وجمعية مدنيات بدعم من هيئة الأمم المتحدة للمرأة، وإذا كانت تدل على شيء فهي تظهر التمثيل الخجول للنساء في المعترك السياسي كما في المجالات الأخرى، حيث تحتل بعض الوجوه الشاشات والمواقع الإخبارية والتي لا تتعدى الـ8 في المئة من مجموع الإطلالات التلفزيونية.
تتداخل المشاكل وتتشعّب، إلا أنها تصب في خانة التهميش القسري، وما يثير الدهشة أن 65.9 في المئة من الصحافيين يعتبرون أن هناك سياسات داخلية للمؤسسة الإعلامية التي يعملون فيها لتعزيز مشاركة المرأة في الظهور الإعلامي، إلا أنه على أرض الواقع لا شيء ملموساً ولا وجود لأي سياسات واضحة ومكتوبة تحتم العمل بالتوازن الجندري.
وهذا يشير بطريقة أخرى إلى أن الكلام المعسول لا يترجم أفعالاً، والانتهاكات تبقى قائمة وبوتيرة متصاعدة، ما يفسر مطالبة 97.7 في المئة من الصحافيين بالمزيد من تدريب الصحافيين/ات في هذا المجال.
ما حاولت الأرقام تفسيره لا يختلف عما حاول الصحافيون والصحافيات مشاركته خلال حلقة الحوار التي أعدتها مؤسسة مهارات وجمعية مدنيات. الرأي السائد تمثل بسيطرة أصحاب القرار سواء في المؤسسات الإعلامية أو المجلس النيابي أو الأحزاب السياسية التي تمسك بزمام الأمور. قضايا عديدة تواجهها المرأة في المجال السياسي والعام، يبدأ من حقها في الظهور الإعلامي وكسر الصورة النمطية الملصقة بها، وصولاً إلى تعرضها للعنف اللفظي أو التحرش.
ترى جمعية "مدنيات" ندى عنيد في حديثها لـ"النهار" أنه علينا الانطلاق من الواقع الذي يكشف عدم وجود سيدات بأعداد كافية في المجال السياسي ومواقع القرار. واستناداً إلى هذا الواقع، مسؤوليتنا كمؤسسات ونساء وأحزاب سياسية العمل جدياً في ظل غياب الإرادة السياسية، وعلى الإعلام بذل جهود أكبر لإبراز هذه السيدات من خلال سياسات عامة للمؤسسات الإعلامية، فالتحسن لن يكون ملموساً اذا لم يكن هناك قرار سياسي أو قرار من إدارة المؤسسة".
أما بالنسبة إلى السيدات أنفسهن، فعليهن الانتفاض على هذا الواقع وعدم القبول به، والشجاعة للظهور على الإعلام وعدم الخوف من إبداء الرأي السياسي.
في العودة إلى أبرز الفروقات بين المرأة والرجل، يبدو واضحاً حسب الاستطلاع أنه يطغى استقبال عدد من الاختصاصيين الرجال على الاختصاصيات النساء في البرامج الحوارية، بالإضافة إلى أن التغطية الإعلامية للحملات الانتخابية غالبيتها للرجال.
وتطالب عنيد "الأحزاب أن تنظر اليوم إلى هذا الواقع وتسعى إلى تغييره. نحتاج إلى تطبيق إجراءات ومواصلة السعي، إذ لا يوجد أي مبرر يفسر احتلال لبنان المراتب الأخيرة في الفجوة الحاصلة بين المرأة والرجل في السياسة، ويعود السبب إلى غياب أي إجراء فعلي في هذا الموضوع".
وعليه، تعتبر عنيد أن المشكلة تكمن في اللامبالاة تجاه المرأة، لدينا خبرات مهدورة في البلد لم تُستثمر بعد، بالإضافة إلى عدم إعطاء الفرصة للمرأة لتأدية دورها وإبداء آرائها في مختلف المجالات. عندما تصبح المساواة من الإصلاحات البنيوية التي بجب أن نحققها يمكن القول عندئذ إننا جاهزون لتغيير الواقع.
تحصيل حق المرأة في الحياة السياسية هو الهدف المنشود. لكن كيف نعمل على تحقيقه؟ مما لا شك فيه أنه مقارنة بوعي ومعرفة حقوق المرأة خلال 20 عاماً مع اليوم، يمكن القول إن الوعي والمعرفة بهذه الحقوق أصبحا أكبر حول القوانين التمييزية، وحول وضع المرأة بحد ذاته وسعيها إلى أن تكون شريكاً أساسياً في مختلف المجالات.
وانطلاقاً من هذا الواقع، تؤكد المديرة التنفيذيّة لمؤسّسة مهارات رلى مخايل أن "المعركة ليست سهلة، ومع ذلك بدأنا نلحظ زيادة في ترشح النساء للانتخابات البلدية والنيابية، وحضور المرأة في الإعلام والذي يعكس مدى قدراتهن وفعاليتهن في المجال العام.
إن محاولة المرأة كسر هذه النمطية (سيطرة الرجال على السياسة والاقتصاد ومواقع القرار)... للوصول إلى هذه الشراكة الحقيقية تحتاج إلى رافعة سياسية وإنصاف القوانين التي ما زالت تمييزية. كما على الأحزاب اعطاء هامش أكبر للمرأة لإيصالها وبالتالي توفير فرصة ملموسة لها، لأنه حتى الساعة لم تأخذ المرأة فرصتها في السياسة لإثبات نفسها. صحيح أن المرأة تسعى، إلا أن ذلك وحده لا يكفي، نحتاج إلى قرار سياسي لتفعيل حضورها ومشاركتها.
هل كان الإعلام شريكاً في تعزيز هذه الصورة النمطية بطريقة أو بأخرى؟ تعترف مخايل بأن وسائل الإعلام ليست جميعها متشابهة في تهميش المرأة في المجال السياسي، إذ نلاحظ أن هناك مجموعة من الصحافيين/ات يسعون إلى تحقيق التوازن الجندري في تقاريرهم الصحافية أو الحلقة التلفزيونية، ولكن في المقابل، ندعو المؤسسات الإعلامية إلى وضع سياسات واضحة تدعم حضور المرأة، والانتخابات النيابية كانت أكبر دليل على هذه الفجوة حيث لم يتعدَّ ظهور المرأة نسبة 3 في المئة في الإطلالات.
وبرغم من تجهيز لوائح تتضمن أسماء اختصاصيات في المجال السياسي والاقتصادي والشأن العام ، إلا أننا نرى أن مسار التغيير ما زال بطيئاً. كما أن عدم انتظام الحياة النيابية والبلدية يقلّص من فرص وجودها، لأن التجديد في هذه المجالس يعتبر فرصة للترشح، ولكن كلما انخفضت فرص تجديد هذه المجالس تتقلص فرص المرأة في المشاركة والانخراط في الشأن العام.