إن لم يتخذ مجلس النواب الحالي أي موقف بشأن قانون عقود الإيجارات القديمة، فإن أيار المقبل سيشرّع الأبواب أمام عودة جدال دستوري حيال السنة التي يعتبر فيها القانون الذي أصدر تعديله البرلمان اللبناني 28/2/2017 نافذاً أم يمكن اعتباره نافذاً منذ الإصدار الأول أي قبل التعديل.
في حال اعتبر القانون نافذاً عند صدوره في 9/5/2014، فإن مهلة التسع سنوات تكون قد انقضت، وبالتالي يجب أن تتحرّر العقود التأجيرية الخاصة بالعقارات المبنية والتي تعود بتاريخها إلى ما قبل 23/7/1992 ويحق حينها للمالكين تحرير عقود جديدة وفق مقتضيات السوق العشوائية.
وتستثنى من أحكام هذا القانون عقود إيجار الأراضي الزراعية والمباني التابعة لها، إضافة إلى عقود الإيجار الموسمية العائدة لأماكن الاصطياف والإشتاء، والأماكن التي يقدمها أصحاب العمل لأجرائهم مجاناً أو ببدل.
ميّز القانون بين المباني العادية والفيلات بضغط مارسه بعض النواب حينها لكونهم يستأجرون فيلات بعقود قديمة، وجاء القانون مفصّلاً حسب مساحة مسكنهم، إذ حيّد القانون عقود إيجار الفيلات التي تتوافر فيها المواصفات الآتية: أن تكون مؤلفة من طابق واحد أو أكثر ومؤجرة لسكن مستأجر واحد ولها حديقة ومرآب وجهاز تدفئة وجهاز خاص يؤمن المياه الساخنة، وإن كان المستأجر يتحمّل نفقات تأمينها شرط توافر هذه المواصفات بتاريخ بدء الإيجار الأساس.
ومما لا شك فيه، فإن البلاد جانحة نحو نزاع دستوري يمكن أن يتحوّل إلى أزمة شعبية بعد إخراج آلاف العائلات وغالبيتهم من العجائز والمسنين من منازل سكنوها وتخييرهم بين البقاء في المنازل أو الخضوع لتفلت سوق الإيجارات.
وبغياب الخطة الإسكانية، وغياب اللجان والصندوق الملحقين بالقانون، يحرم المالك من مأجوره وهو الذي ما زال يتقاضى "القروش" مقابل مأجوره.
المستأجرون مستعدون للتصدي
رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان كاسترو عبدالله، يرفض باسم لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين قانون الإيجارات جملة وتفصيلاً ويعتبره مخالفاً لمقدمة الدستور التي تحمي الحقوق الأساسية ومن بينها حق السكن، متهماً الدولة اللبنانية بعجزها عن حماية المستأجرين الذي هم عاجزون بمجملهم عن التملّك.
يصف كاسترو عبدالله القانون بأنه القانون الأسود، متحدثاً عن عمليات تهويل يمارسها من سماهم بالسماسرة من المالكين والشركات العقارية ونعتهم بالمأجورين.
ويقول: "كلّنا نعيش الأزمة نفسها، ولكننا اليوم نتعاطى مع فئة عمرية غالبيتها من المسنين وهم من الذين ليس بقدورهم العمل، وحتى المتقاعدون منهم فإن مدخولهم بات لا يساوي شيئاً في ظل الانهيار، ونحن نشهد كيف يتم الحجز على أموال الناس في المصارف".
ويؤكد أن المالكين قد استفادوا في الأعوام السابقة وتقاضوا أضعاف قيمة المأجور، وكان المستأجر قد تكلّف بكل أتعاب التصليحات والترميم بعد الحرب الأهلية ودفع بدلات الإخلاء من دون أن يتكلّف المالك فلساً واحداً.
ينفي عبدالله وجود أي إرادة لدى السلطة في حلّ هذه المعضلة التي وضعت الناس في مواجهة بعضهم البعض، متحدثاً عن مشاريع قوانين موجودة في مجلس النواب تستبدل القانون الذي نحن في صدد بحث مفاعليه، معتبراً قانون الإيجارات الصادر باطلاً.
كما دعا كاسترو عبدالله المستأجرين إلى مراجعة اللجنة في حال تم التعرض لهم أو إهانتهم، مديناً مساعي الشركات العقارية للاستيلاء على أملاك صغار المالكين بهدف "تفريغ المدن من أهاليها وفقرائها". وأكدّ أن المستأجرين ليسوا قاصرين، "سنتعاطى بالطريقة التي تستوجب علينا الرد بكل الوسائل الديموقراطية المتاحة".
وطالب بـ"حل عادل لإنصاف صغار المالكين والمستأجرين القدامى"، مذكراً بما أقدمت عليه وزارة المهجرين عقب الحرب الأهلية لحل قضية محتلي الأملاك وقدمت لكل منهم منزلاً بديلاً.
المالكون: ما يجري اليوم جريمة وسندخل مرحلة تحرير العقود
وبالرغم من إعادة نشر القانون كاملاً في الجريدة الرسمية عام 2017، إلا أن رئيس نقابة المالكين باتريك رزق الله يؤكد أن القانون واضح، وقد صدر عام 2014 وبدأ تطبيقه في 28 كانون الأول من العام نفسه، وهذا يعني أن العام المقبل هو السنة التاسعة لغير المستفيدين من صندوق دعم المستأجرين، على أن يبقى 3 سنوات للمستفيدين منه.
ويحصر رزق الله ما صدر في 2017 بالمواد المواد المعدلة فيه، وهذا هو رأي معظم المحاكم، حسب قوله.
ويتابع :"برأينا يجب تحرير هذه الإيجارات فورًا ومن دون انتظار المهل لأنه من المعيب في حق المستأجر قبل المالك أن يدفع بدلات تقدر بأقل من دولارٍ واحد في الشهر، فيما يدفع فاتورة المولدات وكل المستلزمات المعيشية ولا يعطي المالك حقه".
ويرى رزق الله أنه من المعيب اعتبار الظروف حجة لعدم الدفع، انما العكس، فهذه الظروف ضاغطة على المالك وهو محروم من ملكه منذ ٤٠ سنة. فبأي ضمير يدفع مواطن 20 ألف ليرة لبنانية بدل ايجار منزل شهرياً؟ ويضيف: "هذا استبداد واحتلال ومصادرة للأملاك. وهناك مستأجرون لا يريدون إعطاء المالك حقه سواء كان سعر الصرف 1500 ليرة أو 45 ألف ليرة، هذه ثقافة جشع وطمع ويجب أن يضع مجلس النواب حداً لهذا الأمر وبخاصة للتحريض ضد المالك. نحن أيضاً كمالكين في حاجة للدواء وللسلع الأساسية وغيرها".
يتهم رزق الله بعض المحامين بالاستفادة من الإيجارات القديمة وبالعمل لإدخال البلاد في سجال بغية التهرب من دفع الزيادات على البدلات كما يفعلون الآن حسب قوله متأسفاً، رافضاَ باسم المالكين أي تمديد وملوحاً بالقيام بالإجراءات اللازمة لاسترداد حقوهم وبخاصة في هذه الظروف الصعبة.
يطالب المالكون اليوم القضاء بتفعيل اللجان القضائية بشكل فوري لأن المراسيم صدرت بإنشاء هذه اللجان وبإشاء الصندوق وقد رصدت له 25 ملياراً في الموازنة الأخيرة، وبالتالي فلا مبرر لعدم تفعيل اللجان بعد مرور 3 سنوات على تشكيلها، و"هذا أمر معيب في حق القضاء ومجلس القضاء".
أما مجلس النواب فيطالبونه بإصدار قانون فوري لتحرير الإيجارات غير السكنية لأن "من غير المعقول أن يبيع المستأجر وفق سعر الصرف الحالي الذي يرتفع باستمرار فيما يدفع للمالك ايجاراً قديماً بأربعين وخمسين ألف ليرة في الشهر. هذا إثراء غير مشروع واستغلال لأملاك الغير ويستمر من 40 عاما معتبرين ذلك جريمة!".
تجمع الحقوقيين للطعن وتعديل قانون الإيجارات: يتوجب تعديل القانون برمته مع خطة إسكانية
في المقابل، يرتكز رئيس تجمع الحقوقيين للطعن وتعديل قانون الإيجارات المحامي أديب زخور، على قرارات قضائية لدعم موقفه من القانون، ويشير إلى أنه وبتاريخ 24/6/2021 صدر قرار رقم 318/2021، عن محكمة استئناف الإيجارات غرفة القاضي أيمن عويدات، اعتبر سريان الزيادات على قانون الإيجارات من تاريخ نشر القانون رقم 2/2017 وهي السنة الأولى لاحتساب الزيادات وليس العام 2014، استناداً إلى المادة 15 من ذات القانون الذي نص على تمديد الإيجارة لمدة 9 سنوات، وللمستفيدين من الصندوق 12 سنة من تاريخ نفاذ هذا القانون 2/2017، حسب قوله.
وأضاف زخور: "نصت المادة 60 على أن يعمل بهذا القانون فور نشره في الجريدة الرسمية، ولم يتضمن القانون أي نص على مفعوله الرجعي، ونصت المادة 59 منه على أن تلغى جميع الأحكام المخالفة له أو غير المتفقة ومضمونه، وبالتالي اعتبر القرار أن سنة 2017 هي السنة التمديدية الأولى وتطبق عليها الزيادة المقررة في القانون ومنها يبدأ احتساب الزيادة وفقاً للقانون 2/2017".
ويرى أن ما ذكره يتلاقى مع قرارات رئيسة محكمة استئناف الاإيجارات في بعبدا الرئيسة ريما شبارو التي طبقت القانون القديم 160/92 مع استحالة تطبيق قانون الإيجارات 2014 بعد إبطاله جزئياً من المجلس الدستوري، والمطابق لقرار هيئة التشريع والاستشارات برئاسة القاضية المرحومة ماري دنيز معوشي في رأيها الإستشاري رقم 712/2014 تاريخ 15/10/2015 في ضوء إعطاء موقف من سريان مواد قانون الإيجارات تاريخ 8/5/2014 المذكور"، وأرست قاعدة عدم قابلية القانون للتطبيق، كما مطابق لقرار مجلس شورى الدولة وهيئة القضايا وقرار وزير المالية آنذاك علي حسن خليل.
وتجدر الإشارة وبحسب زخّور، إلى أن قانون الإيجارات للعام 2014 أعيدت صياغته بعد إبطال بعض المواد التي علّقت أكثر من 37 مادة متعلقة بها، وأضيفت إلى القانون 2017 مواد جديدة وعدّلت المواد التي أبطلت وأعيدت صياغتها بحيث أصبح قانوناً مختلفاً عن القانون السابق، والأهم أن المشترع أعاد نشر القانون برمته مرة ثانية وأعطاه تاريخاً موحداً لنفاذه دون أي مفعول رجعي حيث نصت المادة 15 على تمديد الإيجارات 9 سنوات و12 سنة من تاريخ نشر القانون الحالي الجديد رقم 2/2017، وذلك بعكس ما حصل بالتعديلات على قانون الإيجارات عام 1994 التي تم نشرها جزئياً ولم يعاد نشر القانون كلياً والتي عدلت قانون 160/92 وحددت انطلاقتها بمفعول رجعي.
وبالتالي، يعتبر زخور أنه من غير الممكن تنفيذ القانون بطريقة انتقائية او a la carte أي أن نختار ما يعجبنا أو يمكن تطبيقه من القانون، لتناقضه مع مبدأ وحدة القانون وتطبيقه بشكل كامل ومتساو وبذات الموجبات والحقوق على كافة المواطنين، بخاصة أن قانون الإيجارات خاص واستثنائي ولا يمكن التوسع بتفسيره، وتطبيقه بصورة متكاملة ومنسجمة ومتوازنة في آن. ويتوجب تعديل القانون برمته مع خطة إسكانية مع استحالة إنشاء الصندوق وتمويله وسقوط المهل المنصوص عليها وسقوط حقوق المستأجرين في تقاضي تعويضات الصندوق وغيرها، علماً أن الكثير من مواد القانون معلقة لحين إنشاء الصندوق ودخوله حيز التنفيذ استناداً للمادة 58 إيجارات، واقتراحاتنا موجودة في المجلس النيابي، وبحاجة إلى تعديلات بعد مرور الزمن والانهيار الشامل، حسبما جاء في كلامه.
قانون الإيجارات السكنية قد يخضع لتمديد المهل
نيابياً، لا تستبعد عضو لجنة الإدارة والعدل في البرلمان النائبة غادة أيوب أن يشمل قانون الإيجارات السكنية قانون قرار تمديد المهل لحين الدخول في دورات تشريعية.
وذكّرت بقرار كتل عدة بعدم المشاركة في أي جلسات عامة مخصصة لغير انتخاب رئيس الجمهورية وهذا يعني أن أي تشريع لن يتم إن لم تتبدل الظروف، ومن الآن حتى أيار من غير المعلوم ما هي المتغيرات التي يمكن أن تحدث وربما قد يكون قد جرى انتخاب رئيس جديد للجمهورية وانتظمت الأمور التشريعية في البلاد.
تؤكد عضو تكتل "الجمهورية القوية" أن قانون الإيجارات السكنية منذ دخولها الندوة البرلمانية لم يتم طرح أي موضوع يتعلق به في لجنة الإدارة والعدل.
وتقول: "أنهينا دراسة القانون المتعلق بالإيجارات غير السكنية وأرسلناه مع تقرير إلى رئاسة المجلس ولم يتم إدراجه في الهيئة العامة ولا ضمن جدول الأعمال لمناقشته رغم وجود عدة جلسات وكان الوقت حينها يسمح بإقراره ولكن هذا لم يحصل".