الأزمة المعيشية التي انهكت حياة اللبنانيين منذ اكثر من ثلاثة اعوام، لم تحيّد الصروح التربوية من جامعات ومدارس لطالما شكلت منارة للعلم في المنطقة برمتها. وبعد أن تمكنت المدارس من إنقاذ العام الجاري بشق النفس، من خلال بعض الدعم والمساعدات، خاصة الكاثوليكية منها، الا انها تبدو عاجزة عن الاستمرار في ظل اشتداد حدة الازمة وقد بدأت تدق ناقوس الخطر لما ستواجهه في العام المقبل مع تدهور الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع أسعار المحروقات وسعر صرف الدولار، ما دفع ببعض المدارس الى توجيه رسالة الى الأهالي تُعلمهم قرارها البدء باستيفاء جزء من أقساطها بالدولار الفريش ابتداء من العام الدراسي المقبل. فما هي الخطوات العملية المطلوبة للتعاون ما بين الأهل من جهة والمؤسسات التربوية من جهة أخرى منعاً لانهيار القطاع التربوي؟
رئيس اللجنة الأسقفية للمدارس الكاثوليكية المطران حنا رحمه يقول لـ"المركزية": "المدارس التي اتخذت هذا القرار، لا يتعدى عددها الـ17 مدرسة وهي من كبريات المدارس التي تضم أكثر من ألفي تلميذ، موجودة في بيروت وضواحيها ومعظم أهالي تلامذتها يملكون امكانيات مادية تسمح لهم بدفع جزء من القسط بالدولار، والذي يهدف الى سد العجز وتأمين الكلفة التشغيلية للمدارس، خاصة المازوت. اما المدارس الباقية والتي يبلغ عددها الـ 267 الواقعة في المناطق وتضم أقل من مئتي تلميذ، فمن غير الممكن استيفاء الدولار من أهالي التلامذة".
ويؤكد رحمه ان "اللجنة الاسقفية عقدت مساء أمس اجتماعا مطولا ضم مطارنة ورؤساء عامين ورئيسات عامات والامين العام للمدارس الكاثوليكية الاب يوسف نصر للبحث في الموضوع ووضع رؤية وبعض الحلول والافكار الإنقاذية للسنة الدراسية المقبلة"، مشيراً الى ان "لا يمكننا الاتكال على إمكاناتنا الذاتية، وإلا ستواجه المدارس الإقفال، خاصة الصغيرة منها. هذه السنة استُكملت بـ"حلاش الروح" كما يقال بالعامية، حيث عمدت بعض المدارس مثلاً الى الإقفال ايام البرد الشديد للتخفيف من مصروف المازوت. نعمل ليل نهار كي تبقى مؤسساتنا مفتوحة، يا ليت الدولة تأخذ هذا الهم وتعلّم أبناءها".
ويضيف: "المؤسسات التربوية الجيدة أسستها الكنيسة، لكننا نقف اليوم عاجزين امام الحقيقة والوضع الاقتصادي السيئ الذي يرخي بظلاله على كافة القطاعات. نحاول التفتيش عن حلول بديلة وطرحنا أفكارا عديدة، منها محاولة الحصول على مساعدات خارجية بالدولار من المؤسسات والميسورين في الخارج الذين بإمكانهم المساهمة في مساعدة المدارس على الاستمرار. كما نناشد الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي ان تساعد المدارس الكاثوليكية، اسوة بغيرها من المؤسسات والأفراد الذين تساعدهم، وان تسعى الى تقديم، اذا أمكن، مئة دولار شهرياً لكل استاذ وموظف في جميع المدارس وفي كل المناطق".
ويتابع رحمه: "سنسعى أيضا الى طلب الدعم من مؤسساتنا الكنسية التي تساعدنا في الخارج، قبل حصول كارثة التسرب المدرسي وما يترتب عليه من نتائج سلبية على المجتمع. لكن تبقى مساعدات هذه المؤسسات محدودة أمام قدرة الامم المتحدة. هذه المؤسسات لن تتمكن من تقديم أكثر من 3 الى 5 مليون دولار بينما المدارس الكاثوليكية تحتاج بين 15 و27 مليون دولار وفق دراسة أجريناها حديثاً. هذه الميزانية اذا ما تحققت ستتيح للمدارس تقديم، أقله على مدى عشرة اشهر، 100 دولار شهريا لكل موظف واستاذ، إضافة الى راتبه. من هنا نناشد الدولة ان تطالب الامم المتحدة مساعدتنا اسوة بأساتذة القطاع الرسمي".
ويختم رحمه: "معركتنا ليست لربح صوت مع الاهل ضد الاساتذة او العكس، بل معركة وجود واستمرارية. نواجه مرحلة استقالة غير مسبوقة من قبل الاساتذة والموظفين الذين يفتشون عن فرص عمل أفضل. كلنا في خندق واحد مع الاهل والاساتذة والموظف والمؤسسة التربوية. ونفتش عن حلول للاستمرار معا. على الجميع ان يتمتع بحس الوعي للمصيبة التي نحن في خضمها، ونتعاون معا لاجتياز المرحلة بأقل ضرر".