يودّع اللبنانيّون عاماً مضى اتّسم بالخيبات، ومع نهايته يستعدّ المواطنون لاستقبال ولادة السيّد المسيح مسلّحين بالقوّة والإيمان "فبالإيمان والصلوات كلّه بهون". لم يتبقَّ غير الصلوات الإلهية لتخفّف من عبء هذا الواقع المرير. وبالرغم من الاحتفالات التي عمّت المناطق، ناهيك عن الشوارع التي أضافت بعض الألوان وأعادت بعضاً من رونقها الذي فقدته بفعل الأزمات، تبقى قصص مخبّئة في الظلام وتحت أنقاض بلد منهك. ومن هنا طرحت "النهار" على لبنانيين هذا السؤال: "كيف تستعدّون لاستقبال عيد الميلاد المجيد؟ ومن أمنيات اللبنانيين؟"
"القناعة قبل كلّ شيء "
تسرد السيدة م.ر التي تحفّظت عن ذكر اسمها، قصّتها لـ"النهار"، فتقول: "الوضع صعب جدّاً، فبعد وفاة زوجي، انقلبت حياتنا رأساً على عقب، كنا نحتفل بالعيد، وكانت الفرحة تملأ البيت و"ياريت ترجع أيّام الماضي"، فبالرغم من الفقر كنّا نجتمع وكانت البسمة لا تفارقنا، أمّا اليوم حاولت أن أعيد لمعة هذه الذكريات، لكنّ جميع محاولاتي باءت بالفشل."
وتضيف: "استمراريّتي هي بفضل ربيّ وإيماني، نستهلّ يومنا بالصلاة وذلك ما يدفعنا إلى خوض هذه الأيام العسيرة، حتى في أشدّ اللحظات، يختفي الألم حين نصلّي ونذكر أنفسنا دائماً "نحن رح نرجع نضحك والقناعة قبل كلّ شي"، لكن لا يزال الواقع مؤلماً، فبسبب صعوبة الظروف وانتهاك قدرتنا على التحمّل، وُضعت أمام خيارين إمّا أن أشتري الطعام أو أن أدفع مستحقّات المدرسة، فاخترت العلم، لأنّ أملي في أن تحقّق بناتي ما لم أستطع تحقيقه، يمنحني الأمل في الاستمرار والمقاومة."
"بدي بس من دولتي جواز سفر لهاجر"
"بدي بس جواز سفر لهاجر"، هذا ما طلبه شربل سائق التاكسي حين سألته "النهار" عن أمنيته في هذا العيد. وحين تكلّمنا معه لم يحجب عن حديثه جملة "الحمد اللّه أحسن من غيرنا". يكرّرها للتخفيف من صعوبة الوضع على نفسه "فمصيبتك بتهون قدام غيرك."
ويروي شربل: "ليس في وسعي هذا العام أن أشتري عشاء للميلاد، أو حتى هدايا لأطفالي، فجميع الألعاب بالدولار، ولو كان بحوزتي مبلغاً من المال سأحتاجه أوّلاً لتأمين الطعام؛" ويتابع: "تبخّر جوّ الميلاد منذ بداية الأزمة، لكن ما يبقينا أقوياء هو اجتماع العائلة إذ على الرغم من الظروف نسند بعضنا بعضًا."
وأصرّ شربل على أنّ الهجرة مفرّه الوحيد، معتبراً أنّ في حال الحصول على سفرة، سيحمل عائلته ويغادر، "ما أريده من دولتي أن تؤمّن لي جواز سفر، الوضع لن يتغيّر وأنا لديّ عائلة أريد أن أعيلها، فقدت الأمل في هذا البلد."
"منجمع العائلة حتى لو على خبزة محمّصة"
فاديا فرح تعيش مع أخيها في بيت أهلها القديم غير المجهّز لمقاومة البرد، ناهيك من عدم قدرتهما على تأمين التدفئة، لكن تتسلّح فاديا بالإيمان وتقول لـ"النهار": "ميلاد الطفل يسوع هو ما يعزّز قوّتنا، نحتفل بالصلوات التي تسلّحنا لمقاومة العقبات، وسنجتمع لو على خبزة محمّصة،" متابعةً: "بالرغم من أهميّة العيد لا يمكنني غضّ النظر عن الحالة الصعبة التي نعيشها أنا وأخي، فهي حالة يرثى لها، فمثلاً لم نتمكّن هذا العام من وضع شجرة ليسوع وذلك يحزنني، لكن بالرغم من صعوبة الوضع نشكر اللّه على نعمة الصحّة."
(صورة من منزل فاديا)
الواقع الأليم، كان يُنتظر من الدولة أن تقوم بمبادرات لمساعدة الناس ولو عبر التدخّل في خفض أسعار المأكولات والمواد الغذائيّة وغيرها، لأنّ ما ذكرناه أعلاه هو عيّنة صغيرة من كثير ممّن يتعذّبون في الخفاء، وليس باستطاعتهم قصد المطاعم وشراء الملابس وتأمين المال. من هنا، طرحت "النهار" سؤالًا إلى وزارة الاقتصاد عمّا فعلته لضبط الأسعار خاصةً خلال فترة الأعياد؟
في السياق، يؤكّد مدير عام وزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر لـ"النهار" أنّ خطّة الوزارة انقسمت إلى شقّين، الأوّل يتعلّق بسلامة المنتج، مضيفاً: "تمكّنّا كوزارة اقتصاد من ضبط العديد من السلع الفاسدة والمنتهية الصلاحية، منها المشروبات الروحية غير المستوفاة الشروط، بالإضافة إلى ضبط ما يقارب الـ160 كيلوغراماً من اللحوم الفاسدة في إحدى أكبر ملاحم لبنان، وللأسف كلّما تشتدّ الأزمة الاقتصادية، يحاول "تجّار الأزمات" استغلال الوضع لصالحهم وتحصيل أرباح على ظهر صحّة الناس."
أمّا في الشقّ الثاني فلفت أبو حيدر إلى أنّ "وزارة الاقتصاد تراقب الأسعار، علماً أنّ 80 في المئة من المواد الغذائية مستوردة، فضلاً عن ارتفاع سعر الصرف، الذي أدى إلى انخفاض القدرة الشرائية لدى اللبنانيين، لذا نحاول قدر المستطاع ضبط السوق من خلال الجولات اليومية لمديرية حماية المستهلك برفقة جهاز أمن الدولة، ومؤخّراً تمّ الحصول على إشارة من القضاء لإقفال بعض السوبرماركت المخالفة."