النهار

بعد أيّام على مجزرة الطيور... التحقيق شكليّ، وعائلات أوروبية تناشد! (فيديو)
المصدر: "النهار"
بعد أيّام على مجزرة الطيور... التحقيق شكليّ، وعائلات أوروبية تناشد!  (فيديو)
طير لقلق في هنغاريا.
A+   A-
روان أسما
 
مرّت أيام على مجزرة الطيور في سماء لبنان، ولم نسمع حتى الساعة بتوقيف منظمي المكمن الذي قضى على مئات منها. باستثناء طلب من المدّعي العام البيئي في الشمال بفتح تحقيق، لم تسجّل أيّ خطوة جدّية، علماً بأن الجمعيات البيئية التي تحدثنا إليها أكدت توثيقها أسماء وأرقام المتورّطين. 

لا طمأنينة ولا راحة لأحد في هذا الوطن. من منّا لم يتمنّ يوماً أن يكون له جناحان يحلّق بهما بحريّة بعيداً عن سجن الدولار والمحروقات والقتل بالسلاح المتفلت؟ بعيداً عن حرب الساعة والاستحقاقات المؤجّلة وسيناريوهات القتل والخطف والنشل والضرب والكذب؟

الطيور وحدها تمتلك أجنحة الطيران الطبيعية، تطير بها بحريّة أسراباً في سماء لبنان، هذه الطّيور لا طمع لها بثرواتنا الطبيعيّة القيّمة ولا أسهم لها في أسواقنا السوداء. جلّ ما تطلبه تأشيرة مرور تضمن لها سلامة التحليق فوق مناطق لبنان كطريق فرعيّ تسلكه سنويّاً خلال هجرتها إلى بلاد أوروبا حيث للطائر حقوق وحياة كريمة.
 

ومن المعروف أن طيور اللقلق والبجع تسلك سماء لبنان سنويّاً في هجرتها الأولى إلى بلاد كهنغاريا وبولندا وغيرهما في فصل الربيع لتعشّش وتتكاثر وتعود مجدّداً - لحسن الحظّ - من طريق أخرى في هجرتها الثانية من أوروبا في موسم الشتاء والبرد.
 
 
تلك الطّيور أيضاً لم ترد أن تبقى هنا، فهي رأت ما حلّ بطيورنا المحليّة، وكيف اغتالتها أيدي الصيّادين وأسقطتها واحدة تلو الأخرى، تلك الأيادي التي أبت إلّا أن ترحّب بالطيور المهاجرة كما تحتفل بكلّ شيء فراقبت مسارها ولمّا وصلت الى منطقة التنفيذ، أمطرتها برصاصات حيّة من أسلحة حربيّة اخترقت أجسادها البيضاء وأسقطتها أرضاً لا قوّة لها سوى دمعة تظهر في مقطع فيديو تمزّق القلب.
 
 
ومن المعلوم أنّ البجع واللقلق من الطيور البريّة التي لا يؤكل لحمها وهي محميّة دولياً أثناء هجرتها، تُسهّل لها عمليّة المرور ومكان الاستراحة وغيرها. وفي لبنان تُقتل لإشباع غريزة القتل العمد والجائر لتمسك من جناحيها مهزومة جسداً بلا روح، في دلالة على انتصار البندقيّة على السّلام.
 

وفي أوائل هذا الشّهر ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي والمنصّات الإعلاميّة بساحة حرب في عكار حيث اجتمع نحو 700 صيّاد وفق ما وصف المشهد أحد الموجودين في الساحة بعد مراقبة ورصد دقيق لمسار طيور اللقلق والبجع المهاجرة نصبت لها مكمناً محكماً في عكّار ولقّنتها درساً لن ننساه نحن، فتساقطت الطيور الكبيرة كحبّات البَرَد البيضاء مع استمرار القصف العشوائي عليها.
 
 

الأمر الذي دفع بجمعيّات حقوق الحيوان والناشطين البيئيين للتحرّك الفوريّ استنكاراً وإدانة لما حصل. فحاولت تسليط الضوء على القانون 580 - تنظيم الصّيد في لبنان، والقانون رقم 47/2017 - الرّفق بالحيوان.

وتواصل وزير البيئة ناصر ياسين مع المدّعي العام البيئي في الشمال القاضي غسان باسيل الذي فتح تحقيقاً في الحادثة لملاحقة المرتكبين المخالفين لقانون الصيد وإنزال العقوبات بحقهم، بحسب بيان صادر عن مكتبه الإعلامي.
 
منازل طيور اللقلق في هنغاريا

كذلك طلب وزير البيئة من وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي الإيعاز للقوى الأمنية بالملاحقة الجدية لمطلقي النار.
 
 
 
واعتبرت الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الحيوان غنى نحفاوي أنّ القانونين 580 و47/2017 "يُنتهكان بأبشع الطرق، لأنّ قضاءنا ليس حاسماً في تطبيق القوانين، فالمجزرة التي حدثت يندى لها الجبين حقيقةً"، موضحةً أنّ لبنان ثاني أهمّ ممرّ للطيور المهاجرة من أوروبا إلى أفريقيا والعكس بسبب دفء الهواء البرّي، وهذه الطيور البريّة لا تؤكل وبالتالي هذا الصّيد هو إجرام ووحشية لإشباع اللذّة فقط".
 

والطيور البريّة تنظّف الطبيعة، تأكل الجيف وبقايا الحيوانات وتحافظ على التوازن البيئي. وهي تمرّ من لبنان تحت حماية القانون المحليّ والقوانين العالميّة لكونها مهاجرة.
ولفتت نحفاوي إلى أنّ "هنغاريا وبولندا من البلاد التي تناشدنا سنويّاً لندعها تمرّ بسلام للوصول إلى عائلاتها دون أن يُستهدف أحد الأبوين في لبنان".

الطيور المحلية انقرضت كالصفراية، ما يتسبّب اليوم بموت شجر الصنوبر لأنّ هذه الطيور هي الوحيدة المسؤولة عن أكل دود الصّندل الذي يقتل شجر الصنوبر.
 

وناشدت امرأة هنغاريّة تُدعى نيكوليت ليكتور اللبنانيّين أن يدعوا الطيور تمرّ، في مقطع فيديو مصوّر يُظهر خلفها طائر لقلق في العشّ بانتظار زوجته التي قُتلت في لبنان.
ومن الجدير ذكره أنّ طيور اللقلق لديها نظام أحادي، تتزاوج مرّة واحدة في العمر في الربيع فتعود إلى مناطق التكاثر قبل أيّام قليلة، لتوسيع الأعشاش الباقية من الموسم السابق.
 
 
من جهته، أوضح الناشط البيئي روجيه سعد أنّه عقب المجزرة التي استهدفت طيور اللقلق والبجع المهاجرة، تحرّكت الجمعيّات مع الناشطين للبحث والاستقصاء عن المعلومات والمكان بمساعدة صيّادين على الأرض ليتبيّن أنّ هؤلاء الأشخاص لديهم مجموعات على تطبيقات التواصل الاجتماعي لملاحقة الطيور المهاجرة من لحظة دخولها لبنان حتى وصولها إلى منطقة الاستهداف وهذه الطيور أثناء هجرتها إلى أوروبا في الربيع تسلك خطّاً واحداً ما يسهّل عمليّة تعقّبها".

واعتبر أنّ الخطر في هذا الأمر أنّ الصيد في عكّار تمّ باستخدام الرصاص الحيّ لا بأسلحة الصّيد المعتمدة، وهذا خطر أمنيّ في غياب تامّ للأجهزة على الأرض.
 

وأكّد سعد أنّ "الجمعيّات قدّمت شكاوى بالأسماء وأرقام الهواتف بالتعاون مع الجمعيّات المعنيّة ووزير البيئة والتحقيقات مستمرّة"، متمنّياً أن "تتخطّى العقوبات ورقة التعهّد ومصادرة السلاح وأن يُعاقب المفتعلون بالسجن وبغرامة ماليّة ضخمة لتكون بمثابة درس قاسٍ لهم".
 

آلاف الرّصاصات أطلقت في عكّار لتلطّخ بياض سلام الطيور بدماء حقدها، لم تسمح لها بالوقوف لثانية على جذع شجرة أو فوق شطّ أو نهر للاستراحة بل أسقطوها أرضاً وحملوا جثثها متفاخرين بقتلها. تلك الطّيور المحميّة دوليّاً هل لها أن تلقّن القتلة درساً أم لا سلطة لأحد على سماء لبنان وزائريها؟ 

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium