6 من أصل 10 نساء تعّرضن للاعتداء الجنسي في لبنان لم يبلّغن عن الجريمة بسبب العرض والشرف، في وقت اعتبرت 75 % من النساء أن الاعتداء الجنسيّ هو بالدرجة الأولى اعتداء جسديّ ونفسيّ على المرأة، وأكدت 71 % أن المجتمع يراه بالدرجة الأولى اعتداءً على عرض العائلة.
هذه الأرقام التي كشفت عنها منظمة "أبعاد" من خلال دراسة إحصائية تكشف الواقع الأليم للنساء اللواتي تعرّضن للعنف الجنسيّ، حيث الخوف من العار وشرف العائلة أكبر من حقوق المرأة في لبنان.
تروي إحدى الناجيات قصّتها بالقول "لقد كانت لي سوابق مع المعتدي، حيث قام بابتزازي إلكترونيّاً في وقت سابق، قبل أن يقوم بالاعتداء عليّ جنسيّاً. وبالرغم من التبليغ عنه فإنني لم أصل إلى أيّ نتيجة، لأنه ببساطة شخص له معارف وعلاقات، حتى أنه قام بتهديد زوجي بإيذائه".
تعترف بأن هذه الجريمة أثّرت على حياتها بشكل كبير، "عشتُ صدمة كبيرة، كنت عالقة في دوامة الخوف الدائم، ولم أعد أرغب في الحياة، حتى وصلت في بعض الأحيان إلى التفكير في إنهاء حياتي".
اليوم تحدّت هذه الناجية وجعها، وأرادت أن تحثّ الناجيات من الاعتداء الجنسيّ على تبليغ السلطات المعنية فورًا، وأن لا يسمحن للمرتكبين بتهديدهنّ وإبتزازهنّ.
هذه الدراسة التي أجرتها شركة Statistics Lebanon ltd، بتكليف من منظّمة أبعاد، شملت 1800 سيدة وفتاة، تراوحت أعمارهن ما بين 18 و50 سنة، تسلّط الضوء على جرائم الاعتداء الجنسي في لبنان، وهدفها معرفة مدى لجوء النساء اللواتي يتعرّضن للعنف الجنسيّ للتبليغ عن هذا العنف، وما هي أسباب الامتناع عن التبليغ.
تؤكّد مديرة منظمة أبعاد غيدا عناني أنه "لا يزال يتمّ ربط جرائم الاعتداء الجنسي في لبنان بموضوع العرض، الشرف والعار. ونحن في أبعاد منذ بدأنا العمل على هذه القضيّة أكدنا أهميّة النظر إلى هذا النوع من الجرائم خارج السياق التنميطيّ المجتمعيّ والتعامل معها بحزم".
وتأتي هذه الدراسة ضمن حملة وطنية تحت عنوان "#لا_عرض_ولا_عار" التي تطلقها منظّمة أبعاد بمناسبة حملة الـ16 يوماً العالمية التي تهدف إلى إنهاء العنف ضدّ النساء والفتيات.
وفي قصّة لناجية أخرى، يبدو واضحاً ولافتاً أنّ الخوف من المجتمع والعار هو الرادع الأوّل لعدم الإبلاغ عن مثل هذه الجرائم، إذ تُشارك إحدى الناجيات معاناتها التي ما زالت تتعايش معها بالقول "تعرّضتُ للاغتصاب، وعلمت بحملي بعد خمسة أشهر من الجريمة. منعتني عائلتي من التبليغ عن المجرم بسبب خوفهم من المجتمع، وتعرّضت للتهديد بالقتل من شقيقي".
ولا تخفي أن هذه الحادثة "سبّبت لي صدمة كبيرة، ومررت بالكثير من العوارض النفسيّة، إضافة الى الخوف والقلق الدائمين والرغبة في العزلة. أنا اليوم أفضل. لذلك أقول للناجيات من الاعتداء الجنسي أنّ التبليغ الفوري ينقذ الحياة، ولو أنّني أبلغت السلطات أو الجمعيات فور حصول الاعتداء عليّ لربّما تعافيت أسرع، ولكان المجرم نال العقاب الذي يستحقّه".
وقد كان لافتاً أن سلوك النساء لناحية التبليغ، يختلف بين من تعرّضن لاعتداء جنسيّ وبين مَن لم يتعرضن، إذ إن النساء اللواتي لم يتعرّضن للعنف الجنسي أكّدن، وبنسب مرتفعة جداً، أنّهن سيبلغن عن هذا الاعتداء، لكن المفارقة أنّ هذه النسبة انخفضت كثيراً لدى النساء اللواتي تعرّضن فعلاً لاعتداء جنسيّ تحت ضغط العرض والشرف.
لابد من إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات اللبناني، وترفع منظمة "أبعاد" الصوت للمطالبة بتعديل وتشديد العقوبات على جرائم الاعتداء الجنسيّ لكون هذا الموضوع يشكّل رادعًا لمنع حدوث مثل هذه الجرائم.
وتقول عناني: "نحن اليوم في مبادرة تواصل مع الكتل النيابيّة لتسليمها مقترح تعديل الفصل الأوّل من الباب السابع من قانون العقوبات اللبناني، الذي عملنا عليه من أجل أن يكون منصفًا لكلّ ضحيّة وناجية من هذه الجرائم. ونعوّل على السّلطة التشريعيّة في لبنان لإنصاف النساء والموافقة على التعديلات المقترحة".
وبالعودة إلى الأرقام، أكثر من نصف النساء (55%) اللواتي تعرّضن لاعتداءٍ جنسيّ لم يبلّغن عن هذا الاعتداء.
• 60% من المشاركات في الدراسة أيّدن تشديد العقوبة على من يُكره غیر زوجه بالعنف والتھدید على الجماع، ورفعها إلى السجن المؤبّد.
• 56% من المشاركات في الدراسة اعتبرن أنّ عقوبة مَن أكره آخر بالعنف والتهديد على مكابدة أو إجراء فعل مناف للحشمة غير عادلة، وأيّدن رفع العقوبة إلى السجن المؤبد.
• 65% من المشاركات في الدراسة اعتبرن أن عقوبة مَن ارتكب بقاصر دون الخامسة عشرة من عمره فعلاً منافیًا للحشمة غير عادلة، وأيّدن رفع جزاءها إلى السجن المؤبّد.
في المقابل، تكشف أرقام القوى الأمنية حول جرائم الاعتداء الجنسيّ المبلّغ عنها في لبنان:
- 37 حالة تحرّش جنسيّ في لبنان خلال العام 2022 (نحو 4 جرائم شهريًّا).
- 20 حالة اغتصاب جنسيّ في لبنان خلال العام 2022 (جريمتا اغتصاب شهريًّا).
- 57 حالة اعتداء جنسيّ خلال العام 2022 (نحو 6 اعتداءات يبلّغ عنها شهريًّا).
تعرّضت إحدى الفتينات للاغتصاب، ولكنّها تقول "لم أبلّغ القوى الأمنية بالحادثة، لأنني لا أملك أوراقًا قانونية. فأنا لاجئة في لبنان منذ سنين. وقد كنتُ أخاف من أن يتمّ توقيفي في حال توجّهت إلى القوى الأمنيّة. لم أخبر أحدًا بالجريمة، وأكثر ما يعذّبني اليوم أنّ الجاني لم يَنَلْ عقابه".