نظّم المعهد العالي للدكتوراه بالتعاون مع المركز الأعلى للبحوث في جامعة الروح القدس- الكسليك "الأيام البحثية الوطنية لدراسات الدكتوراه"، وهي المرة الأولى التي تنظّم جامعة في لبنان هذا النوع من الأنشطة التي تجمع طلاب الدكتوراه من مختلف الجامعات اللبنانية ليتبادلوا المعارف ويتنافسوا في ما بينهم.
وقد حاز هذا النشاط على اهتمام مختلف الجامعات بحيث شاركت فيه أهم الجامعات في لبنان ومنها: الجامعة الأميركية في بيروت، جامعة القديس يوسف، جامعة بيروت العربية وغيرها. وهدف إلى تسليط الضوء على بحوث الطلاب وعملهم الإبداعي. كما أتاح الفرصة لعرض بحوثهم وعملهم الإبداعي، ولنقل نتائج البحوث إلى الأساتذة والطلاب ولتسهيل العمل بين الجامعات عبر تبادل المعرفة والأفكار بين الباحثين والمختبرات والاختصاصات.
بدايةً، ألقت عميدة معهد الدكتوراه في الجامعة الدكتورة رانيا سلامة كلمة ترحيبية، وجاء فيها: "ها نحن نحتفل باليوم الوطني للبحوث في لبنان، ونقف للاعتراف بالدور الحيوي الذي تقوم به البحوث في تقدّم مجتمعنا. إذ تشكّل البحوث القوّة الدافعة وراء الابتكار والتقدّم والتغيير، وإنّه من خلال البحوث ننجح في اكتساب فهمٍ أعمق لعالمنا. ويتمتّع لبنان بتاريخٍ غنيّ في المساهمة في البحوث في مختلف المجالات، من الطب والهندسة إلى الأدب والموسيقى. إنّ بلدنا هو موطن الباحثين والعلماء الموهوبين الذين قدّموا مساهمات كبيرة كلٌ في مجال اختصاصه".
أردفت: "نحن نعي التحديات التي يواجهها الباحثون في لبنان. فلقد عانى بلدنا من عدم استقرار اقتصادي وسياسي أثّر في قدرتنا على الاستثمار في البحوث والتطوير. إلاّ أنه ورغم هذه التحديات، أظهر الباحثون في لبنان مثابرةً قويةً متسلحين بشغفهم للمعرفة ورغبتهم في إحداث فرقٍ في العالم. نحتفل، في هذا اليوم، بالباحثين الذين كرّسوا حياتهم لاكتشاف المجهول والبحث عن الإجابات لأكثر الأسئلة إلحاحًا في عصرنا. إنّهم الذين تخطّوا حدود المعرفة الإنسانية وتحدّوا افتراضاتنا ومعتقداتنا وأحدثوا تغييرًا تحويليًا. ولكن، لا يمكننا التوقف عند هذا الحد. إنما ينبغي علينا أن نستمر في الاستثمار في البحوث ودعم الباحثين، وأن نقدّر قيمة البحوث في التصدّي للتحديات التي نواجهها كمجتمع، سواء في مكافحة المرض، أم في السعي للحصول على طاقة مستدامة ولتحقيق العدالة الاجتماعية".
ثم تحدث المدير الإقليمي للوكالة الجامعية للفرنكوفونية جان نويل باليو مثنيًا على التعاون الوثيق بين الوكالة والجامعة مشددًا على "أهمية تنظيم هذه الأيام التي تأخذ منحًى وطنيًا ومتعدد الاختصاصات الأمر الذي دفعنا إلى دعمها. إنّ هذه الدعوة مفتوحة على مختلف الاختصاصات مع إعطاء الأولوية للمشاريع البحثية المتعلقة بالأزمة، لا سيما من الناحية الاقتصادية والصحية وإدارة الأزمة...، وذلك بهدف المساهمة في الاستجابة الوطنية لمواجهة الأزمات. كما تقوم الوكالة بالتعاون مع المجلس الوطني للبحوث العلمية بمساندة الباحثين الشباب عبر تنظيم تدريب منهجي ومسابقات متنوعة".
وأضاف: "إنّ دور الباحث في بلدٍ يواجه أزمات ويعاني فيه النظام التعليمي والجامعي والعلمي يكمن في المحافظة على الرأسمال البشري والعلمي، أي المحافظة على الخبرات العلمية الوطتية والبنى التي تحمي النظام البحثي الوطني، إضافةً إلى تجديد الرأسمال العلمي الذي لطالما عانى، أي تشجيع المهن العلمية لدى الشباب وتحفيز إمكانية تألقهم في النظام التعليمي في لبنان، والاستفادة من المهارات لخلق فرص عمل وأنشطة. ومما لا شك فيه إنّ دور الباحثين هو أساسي من الناحية الاقتصادية والاجتماعية وخبراتهم العلمية أساسية لا غنى عنها لنهضة البلد وضمان سيادته".
بعد ذلك، كانت كلمة للأمينة العامة للمجلس الوطني للبحوث العلمية الدكتورة تمارا الزين اعتبرت فيها أنّ "البحث العلمي يشكّل آخر الأولويات خلال وقت الأزمات هذا. وهنا تكمن أهمية هذا النشاط الذي يعطي إشارة حيوية وديناميكية ويعطي دورًا رائدًا للباحثين الشباب في تحمّل مسؤولية تجديد النظام العلمي وتحسين أدائه لخدمة لبنان. إنّ همّنا الأول، اليوم، هو الاستمرار في إعداد باحثين ذوي جودة عالية بالرغم من ندرة الموارد المتاحة والصعوبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة".
ثم وجّهت دعوة إلى "مختلف الجامعات لإطلاق ورشة عمل وطنية تضع البحوث في خدمة الوطن بعيدًا عن التصنيفات والمؤشرات. وتجدر الإشارة إلى أنّ مجتمعنا يعاني من انعدام الثقة بالعلوم الأمر الذي يهمّش الباحثين ذوي الكفاءة العلمية ويفسح بالمجال أمام باحثين يفتقرون إلى الأخلاقيات من احتلال الشاشات ومنصات التواصل الاجتماعي ونشر الأخبار الكاذبة والمعلومات الخاطئة".
وختامًا، ألقى رئيس جامعة الروح القدس- الكسليك الأب طلال هاشم كلمة أشار فيها إلى أنّ "هذا اليوم هو مناسبة للاحتفال، ولتسليط الضوء على أهمية البحوث في تقدّم المعرفة وتحسين العالم، وللاعتراف بجهود الباحثين الشباب ومساهماتهم في مختلف المجالات ولتعزيز قيمة البحوث في مؤسساتنا وتأثيرها في وطننا. لهذا السبب اختارت الجامعة أن تستثمر في البحوث وتدعم الباحثين وتعترف بقيمة البحوث في مجابهة التحديات التي نواجهها كمجتمع في مجال مكافحة المرض، والسعي للحصول على طاقة مستدامة وتحقيق العدالة الاجتماعية".
وتابع الأب الرئيس بالقول: "صحيحٌ أنّ البحوث تتمتّع بقيمة علمية إلاّ أنها تملك أيضًا بعدًا مهمًا ألا وهو الانفتاح والتعاون. وبما أننا نعيش في عصرٍ يسوده الابتكار السريع والتوسّع في المعرفة، من المفيد أن نحتضن مبادئ الانفتاح والتعاون لتحقيق التقدّم وهدم العوائق وتخطي حدود الفكر الإنساني. إنّ الانفتاح في العالم الأكاديمي يعني التبادل المجاني للأفكار والمعلومات والنتائج داخل الاختصاص الواحد وبين مختلف الاختصاصات، أي هو ثقافة الشفافية والثقة والمشاركة... أما التعاون فيسمح للباحثين بتوحيد خبراتهم ومواردهم ووجهات نظرهم لمعالجة المشاكل التي لا يمكن لفرد أو اختصاص واحد بحلّها. إذًا، ليس الانفتاح والتعاون مجرد كلمات طنّانة، بل هي ركائز يقوم عليها تقدّم البحث الأكاديمي. إنّ احتضان هذه المبادئ من شأنه أن يُطلق العنان للقدرات الفعلية للذكاء الاصطناعي وتسريع الاكتشاف العلمي ومجابهة التحديات المعقدة التي تنتظرنا".
استمرّ المؤتمر على مدى يومين اجتمع خلاله نخبة من الباحثين من جامعات محلية ودولية ومراكز بحثية عدة. وقد تمحور النقاش حول: الصحة، العلوم والتكنولوجيا؛ التعليم، الأدب والموسيقى؛ القانون وإدارة الأعمال.
وفي الختام، جرى توزيع الجوائز على الرابحين، قدّمها الشركاء التاليين: المركز الوطني للبحوث العلمية (CNRS) والوكالة الجامعية للفرانكوفونية(AUF) والمعهد الفرنسي وجامعة حمد بن خليفة قطر.
أما الفائزون فهم: عن فئة الصحة والعلوم والتكنولوجيا: في المرتبة الأولى كارلا ابراهيم، في المرتبة الثانية كل من نور معتوق، ايفا حبيقة ونزار هاني، في المرتبة الثالثة كل من ماليسا روفايل وطاهر مياسي. وعن فئة الإنسانيات والهندسة والفنون والقانون والأعمال: في المرتبة الأولى جيلبار معوض، في المرتبة الثانية كل من حليم الشويري، روان ابو نادر واليسار نداف، وفي المرتبة الثالثة كل من جورج ميشال عبدالساتر، أليزا عبد الغني وباتريسيا قرطاس. أما عن فئة البوسترات العلمية، فقد فاز كل من غدير جلول وأماني فواز.