لينا إسماعيل
تعتزم المديرية العامة للآثار، اعتماد "بيت ناصيف التراثي"، الواقع في الجهة الجنوبية من قلعة بعلبك الأثرية مدخلاً جديداً لزوارها، بعد الانتهاء من أعمال ترميمه.
هذا الإجراء يلاقي معارضة قوية في المدينة خصوصاً من قبل بلدية بعلبك وبعض أصحاب المؤسسات التجارية والسياحية، لحجّتين، الأولى اقتصاديّة، إذ إنّ المدخل الجديد لا يسمح لزوار الموقع الأثري المرور في السوق التجاري، والثانية تراثية، بمعنى أنّ المدخل الجديد لا يمتلك ما يمتلكه المدخل القديم أو ما يسمّى مدخل "سبيل شومان" من هندسة تراثية ومعمارية.
مع العلم أنّ المدخل الجديد الذي تمّ العمل عليه من ضمن خطّة التحسينات للقلعة بدعم من الوكالة الإيطالية للتنمية، والذي يُعرف مدخلَ "بيت ناصيف"، يعدّ من أقدم المنازل في بعلبك، يتألف من ثلاث طبقات، ويتضمن صالة عرض للموقع وغرفة عرض سمعي وبصري، ومكتب للمديرية العامة للآثار، إضافة إلى مركز للاستعلامات وشباك التذاكر للدخول إلى القلعة.
واللافت أن "بيت ناصيف"، تمرّ به قناة للمياه، وهو أمر ستكون متاحة مشاهدته للزائرين والتمتع بمناظره والتعرف إلى تاريخ الحي والبلدة. ويحتوي موقع بستان "بيت ناصيف" على أهم المعالم الإسلامية في المدينة والتي تعود إلى عهدي الأمويين والمماليك، وتطل أمامك مشهدية سور معبد جوبيتر الشمالي، الذي تم بناؤه من تسعة أحجار فقط، يبلغ طول كل منها تسعة أمتار ونصف.
ومن الجهة الغربية يتصل الجدار الغربي (الدكة الكبيرة) بلوحة طبيعية تضمّ مدماكين يُعدّان من أهم المعالم الهندسية في بعلبك لضخامتهما، طول كلّ منها 19 متراً ونصف، والوصول إليهما متاح وهما محاطين بأشجار سرو عملاقة.
جوهر المشكل
يتفق غالبية الأهالي على أنّ الخلاف مع المديرية العامة للآثار، يظهر في العلن على غير حقيقته، مع وجود إجماع على ضرورة وجود حوافز تستقطب السياح وتدر النشاط في أوصال وشرايين المدينة اقتصادياً، لا أن تتحوّل مسألة مرور السياح وتحديد المداخل، المشكلة الأساسية في المدينة. فبعلبك تفتقر إلى رؤية سياحية، وهذه الرؤية مطلوبة أولاً من أهل الدار وليس من الغرباء، من أصحاب المحال والمؤسسات الذين يُطلب منهم امتلاك خطط واستراتيجيات تحوّل بعلبك إلى مدينة جذابة ومقصداً للسياح من كل العالم.
مداخل القلعة في حلّة جديدة
لم تشهد قلعة بعلبك المدرجة على لائحة التراث العالمي لمنظمة الأونيسكو منذ عام 1984، أي عملية ترميم وتأهيل جدية منذ أكثر من قرن.
واليوم، تم تنفيذ أكثر من 80 في المئة من أعمال مشروع "حماية الإرث الثقافي والتنمية المدنية"، بتمويل من البنك الدولي وآخرين، من ضمنها ترميم "بيت ناصيف التراثي"، وكانت تولّت شركة "البنيان" للهندسة والمقاولات، تنفيذ أقسام من المشروع سابقاً، كرصف الطرق المحيطة بالقلعة بأحجار "البازلت" الطبيعية، على أن تستخدم هذه الطرق كممرات مشاة فقط حفاظاً على السلامة العامة للسائح، إلا في الحالات الشديدة التي تتطلب ذلك، بموجب دراسة المشروع وقرار صادر عن بلدية بعلبك عام 1998 تحت رقم 207 عقب كتاب موجّه من المديرية العامة للآثار، نظراً لأهمية الحركة السياحية.
فمُنع حينها مرور السيارات على طريق" معبد فينوس" وأمام المدخل الحالي "سبيل شومان" (الذي أنشئ من خلال جسر معدني وخصص لخروج الزوار ايضاً).
غير أنّه استجابة لمطالب التجار المتكررة للتخفيف من أزمة المرور في المدينة، لم تنفذ البلديات المتعاقبة في بعلبك القرار البلدي رقم 207، ونفذت عدداً من المخططات المرورية، كان آخرها المخطط الحالي الذي يسمح للسيارات بالمرور أمام المدخل الحالي للقلعة، ما يتسبب في زحمة مرورية، ناهيك عن التراخي في تنظيم السير، بسبب قلة العديد من عناصر الشرطة البلدية، والذي ساهم بإيقاف زوار القلعة والأهالي سياراتهم الى جانب الطريق المحاذي للقلعة، بالإضافة إلى ظاهرة سائقي "التوك توك" الذين ينتظرون السياح كصيد ثمين لنقله من موقف الحافلات المخصص للسياح في بستان الخان التابع للمديرية مقابل مدخل "بيت ناصيف" إلى مدخل القلعة "سبيل شومان".
الكلمة الحسم لمن؟...
وبالعودة إلى جوهر المشكلة، لا بدّ من التأكيد أنّ الإصرار على إظهار الوجه الحضاري والريادي لبعلبك أمرٌ ضروري، والمخططات لتسهيل المرور نحو القلعة وضعت لتُنفذ، لا لأن تخضع مؤسسات الدولة لاعتبارات ومصالح فئوية، من شأنها، تحت مسمّى الفائدة الاقتصادية والسياحية.
من هنا، يُطرح السؤال، هل ستتراجع المديرية العامة للآثار عن قرارها أمام الضغط الذي يمارس من بلدية بعلبك والتجار وأصحاب المحال التجارية في سوق الوسط التجاري بإبقاء المدخل القديم المدخل الأساسي للقلعة؟!
يشدّد الأهالي في المدينة على ضرورة الابتعاد عن السجالات، ودعوة منظمات وجمعيات المجتمع المدني العاملة في المدينة أخذ زمام المبادرة لتفعيل وإيجاد وسائل جذب سياحي للقلعة، بالإضافة إلى الاستفادة من فترة مهرجان التسوق في المدينة ومهرجانات بعلبك الدولية.