النهار

"وادي جهنم" يا "قطعة سما"… واحة بيئية وسياحية مذهلة
المصدر: عكار- "النهار"
"وادي جهنم" يا "قطعة سما"… واحة بيئية وسياحية مذهلة
وادي جهنم الواحة المذهلة.
A+   A-
ميشال حلاق

لا يعبّر اسمه على الإطلاق عن حاله وموقعه الرائع والفريد بكونه أطول الأودية اللبنانية واغناها من حيث التنوع البيولوجي، حيث الطبيعة بكل عناصرها تحاكي لبنان،قطعة سما، التي غنّيناها جيلاً إثر جيل، ونتطلع إلى أن نورّثها للأجيال القادمة. إنه "وادي جهنم" الرابض على الحد الفاصل جغرافياً بين محافظة عكار وقضاء المنية - الضنية، وله حدود مشتركة أيضاًً مع محافظة بعلبك الهرمل إلى الشرق أعلى الوادي والغني بكل الأشجار الدهرية وبالينابيع وتنوع نباتي فريد.
 

يشرح الناشط البيئي وأحد مؤسسي جمعية "درب عكار"، والعالِم بمكنونات وتفاصيل البقعة الرائعة خالد طالب أنّ "الوادي يشقّ طريقه من تفرعين أساسيين: التفرع الأول يبدأ تقريباً من أعالي بلدة القمامين مُتاخماً لغابة أرز القلّة وجرد مربيّن، ويضم وادي عميري وبعض التفرّعات الصغيرة على ارتفاع 1800م عن سطح البحر، وهو يلتقي مع التفرّع الثاني  المتجه من أعالي بلدة مشمش حيث المنطقة المسماة باب وادي جهنم على ارتفاع 1900م تقريباً عن سطح البحر، نزولاً عبر وادي حقل الخربة، ليلتقي التفرعان حيث تجتمع مياه نبع البرغش بمياه نبع الدلب وبينهما عشرات الينابيع الصغيرة، اللذين يكملان مسارهما حتى ملتقى النهرين، ليشكلا معاً نهراً واحداً، وهنا يكون الملتقى بين كل التفرعات، منها تفرع وادي الواطية ووادي أبو زيد مع وادي مشمش، مع ما يحملانه  من مياه نبع فنيدق وعشرات الينابيع الأخرى. ويستمر الوادي نزولاً حتى يتجاوز منطقة عيون السمك والبارد وصولاً حتى مشارف الساحل. وكل ما ذكرناه من تفرعات ومياه منسابة فيها تُشكل روافد لنهر البارد أحد أغزر الأنهار في عكار الذي يصب في البحر بين مخيم نهر البارد ومدينة المنية".
 

ويقول طالب إنّ "للوادي مكانة مهمّة جداً على الصعيد البيئي والإيكولوجي. فبالرغم من عدم تصنيفه كمحمية حتى الآن، إلاّ أنه  يضم معظم الأشجار والنباتات المعروفة في لبنان بداية من أشجار اللزاب بكافة أنواعه والأرز والشوح وصولاً الى الصنوبر البروتي والسنديان وما ينمو تحتهما من نباتات، بعضها نباتات لا زالت تُكتشف للمرة الأولى في هذا الوادي، من ضمنها  أنواع من الأوركيد البري، أو النباتات الأخرى التي ينفرد بها الوادي عن غيره من الأماكن في لبنان، وبعضها متوطّن وخاص بلبنان ويطلق عليها علمياً endemic، ومردّ ذلك إلى البيئة الرطبة والمنعزلة نوعاً ما للوادي، وهذا ما سمح لمئات الأنواع من الكائنات الحية من حيوانات وحشرات وطيور بالعيش والتكاثر لتشكل واحداً من أكثر الأنظمة البيولوجية تنوعاً وحساسية في لبنان".
 
 
ولفت طالب إلى أن السياحة البيئية تشهد في الوادي إقبالاً متزايداً، بسبب وجود عشرات المسالك ودروب المشي التي تُشكل مقصداً للزوار المحليين والأجانب. ولا تقتصر هذه الزيارات على رياضة المشي في الطبيعة، بل تتعداها إلى أنشطة أخرى مثل مراقبة النباتات والطيور المهاجرة والمقيمة وحتى رياضات التسلق والسباحة. أمّا الأماكن الأثرية والتراثية في الوادي فهي محدودة وتقتصر على بعض المطاحن القديمة على ضفاف النهر،شأنها شأن باقي مجاري الأنهر في عكار ولبنان عامة، إلى أطلال  قلعة السلاسل المهدمة وبعض المنازل القديمة في قلب الوادي وعلى تخومه.
 
 
ويشير طالب أيضاً إلى أن السياحة البيئية سمحت بنشوء  العديد من المرافق الخدمية مثل بيوت الضيافة والمطاعم رغم أن حجم الاستثمارات الخجول انعكس على جودة الخدمات التي تقدمها والتي لا زالت بحاجة لمزيد من التطوير لمواكبة مستوى ونوعية الخدمات الموجودة في أماكن مشابهة في لبنان.

من المؤسف أن الوادي، البعيد نسبياً عن أعين المراقبة والمحاسبة، لم يسلم من الانتهاكات، التي جعلت من وضعه حرجاً، وأهمها مشكلة النفايات الصلبة من خلال عشرات المكبّات العشوائية المنتشرة على ضفتي الوادي، وما زاد في الخطورة تحويل مخلفات الصرف الصحي التي لوثت أغلب مياه الوادي وجعلتها غير صالحة للشرب او حتى للاستعمال الزراعي، ولا زالت هذه المشاكل تنتظر الحلول الموضوعة في الأدراج منذ سنوات.
 

يُضاف إلى ذلك  مشكلة الفوضى العمرانية الآخذة في التوسع عشوائياً  مع غياب المخططات التوجيهية المفترض حضورها  للحفاظ على جمال الوادي ورونقه.
 
أما المشكلة الأخطر وفق طالب، فهي مشكلة المقالع والكسارات التي تُمعن تدميراً في الوادي على مرأى ومسمع الجميع، خاصة لجهة الضنية، ومع إضافة خطر حرائق الغابات والتي قضت عام 2021 وحده على أكثر من 150 هكتاراً من مساحة الوادي الخضراء وضمن اهم المناطق الإيكولوجية فيه، ومع القطع الجائر للغابات زادت مشكلة الانهيارات الأرضية والصخرية بشكل غير مسبوق خلال الشتاء الماضي.
 

وأكد طالب أن الوادي بحاجة اليوم قبل الغد إلى  خطة طوارئ بيئية لحمايته  من كافة الأخطار التي تتهدده، وتسمح للمشاريع البيئية بالنمو فيه والاستفادة من الطاقة الخضراء التي يوفرها خاصة مع وجود معامل كهرمائية في عيون السمك والبارد، فهل سنعيش لنرى هذا الوادي نظيفاً ومحمياً كما كان منذ عشرات السنين.
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium