أحمد منتش
جزيرة صيدا البحرية، التي يُطلق عليها أهالي صيدا اسم "الزيرة"، هي آخر ما تبقى من مدينة صيدون القديمة. ويعتقد علماء الآثار بأنّ الجزيرة كانت في العصور القديمة ميناء خارجياً يعود تاريخه إلى ما قبل العام 2200 قبل الميلاد. تقع وسط مياه البحر على مسافة نحو 1500 متر من القلعة البحرية ومرفأ صيدا القديم وميناء الصيادين. مساحتها 27 ألف متر مربّع وشكلها مستطيل.
ظلّت "زيرة" صيدا لعقود طويلة منسيّة، بسبب الإهمال والأحداث الأمنية، بعد أن كان دورها سابقاً محدوداً ومحصوراً بأبناء المدينة، خصوصا الفقراء وعائلات صيادي الأسماك، الذين يقصدونها خلال فصل الصيف للسباحة في مياه البحر النقيّة والنظيفة من أيذ تلوّث، ولتمضية الوقت والتسلية أيّام العطلة، وهرباً من الطقس الحارّ، من دون أن يتكبّدوا أيّة أعباء ماديّة تُذكر.
الانتقال إليها من اليابسة يجري من رصيف ميناء الصيادين، وتكلفته زهيدة، والدخول إليها مجانيّ.
عادت زيرة صيدا منذ سنوات لتشكّل معلماً من المعالم الطبيعية والسياحية في المدينة، ووضعت على الخريطة السياحية، وخصّصت لها الدولة اللبنانية طابعاً ماليّاً يحمل صورتها، وذلك نتيجة الاهتمام والرعاية الكبيرة التي أولاها المجلس البلدي في صيدا برئاسة المهندس محمد السعودي مع ناشطين بيئيّين، ساهموا في تأسيس جمعيّة تُعنى وتهتمّ بها، اسمها "جمعية أصدقاء زيرة وشاطئ صيدا".
يقول رئيس الجمعية، عضو مجلس بلدية صيدا، كامل كزبر لـ"النهار": "إن الجمعية حظيت منذ تأسيسها بالدّعم من كافة الأفرقاء في صيدا، واستطاعت في فترة زمنيّة صغيرة أن تحقق إنجازات كبيرة، إذ أصبح يزورها سنوياً نحو ١٢٠ ألف زائر. ونظّمت الجمعية بالتعاون مع المجتمع المدني في صيدا عدّة حفلات ونشاطات حضرها الآلاف من الزوار من المناطق اللبنانية كافة".
ويُشدّد كزبر على نظافة مياه البحر حول صخرة "الزيرة" وأرضها، وعلى مساحتها الآمنة للسباحة وجلساتها الرائعة.
حديقة صيدون المائية
وفي خطوة لافتة، قامت الجمعية بالتعاون مع نقابة الغواصين بإنشاء أكبر حديقة مائيّة في حوض المتوسط عبر هبة قدّمها الجيش اللبناني ونادي الطيران اللبناني، وتمثلت بإسقاط عدد من الآليات والسيّارات العسكرية والطوافات القديمة غير الصالحة للاستخدام في قعر مياه البحر على مسافة غير بعيدة من زيرة صيدا، وسمّيت حديقة صيدون المائيّة، وأصبحت مقصداً لهواة ومحبّي الغوص الحُرّ في لبنان.
يؤكّد كزبر أنه بالرغم من الأوضاع الاقتصادية السيّئة فإن الجمعية استطاعت أن تقوم بتأمين الخدمة اللازمة للزوار لتحافظ على هذا المكان الشعبيّ التراثيّ والسياحيّ، وستقوم بالتعاون مع البلدية ولجنة صيف ٢٠٢٢ بتحضير سلسلة نشاطات تُقام تباعاً خلال الموسم السياحيّ.
قبل الأحداث، أقيمت عليها منارة لإرشاد السفن والبواخر التجارية الآتية إلى مرفأ صيدا.
لا تستغرق الرحلة بين البرّ الصيداويّ و"الزيرة" أكثر من ربع ساعة ذهاباً وإيابا، وأجرة الراكب الواحد تبلغ 50 ألف ليرة لبنانية، بعد أن كانت قبل الأزمة الأخيرة وانهيار العملة الوطنية لا تتجاوز العشرة آلاف ليرة.