مع بداية البحث في تنفيذه عملياً في الأسابيع المقبلة، أثار مشروع إقامة منصة بتروليّة قبالة شاطئ ذوق مكايل اعتراض أهالي المنطقة والفاعليات فيها، معتبرين أنّه مشروع يضرّ بالبيئة ويشكل تعدياً على الأملاك البحرية العامة. وبرأيهم، للمشروع أضرار بيئيّة جمّة تتمثّل بالتلوّث النفطيّ، والتلوّث الضوضائي والهوائي، فضلاً عن كون التصنيف الصناعي لذوق مكايل غير مطابق للأعمال المنويّ تنفيذها، في الوقت الذي يمكن أن تؤدّي الأعمال إلى خطر داهم على معمل الذوق الحراريّ وتعريض منطقة كسروان إلى خطر تكرار كارثة مرفأ بيروت.
لكن هل أصبحت منطقة ذوق مكايل مهدّدة؟
تنفيذ المشروع أُقرّ بمرسوم صدر في شهر شباط الماضي من العام الجاري. ويقضي المرسوم رقم 8789 بإشغال واستثمار مساحة 38164 متراً مربّعاً لإنشاء منصّة تعبئة للنفط وإقامة حماية بحرية تجاه العقار 877 (ذوق مكايل) المملوك من شركة "ليكويغاز".
وكان لِلمنسِّق العام الوطني للتحالف اللبناني للحوكمة الرشيدة في الصناعات الاستخراجية، مارون الخولي، رأياً معارضاً أكّده في مؤتمر صحافيّ عقده، حين رأى أن "إقامة حماية بحريّة تعني ردم الشاطئ". ويوكّد لـ"النهار" بأنّ المشكلة بدأت منذ الجلسة التي عقدتها بلدية ذوق مكايل في الخامس من الشهر الجاري لمناقشة تنفيذ هذا المشروع مع أعضاء البلدية والفاعليات، والمعنيين، بوجود ممثلين عن الشركة الموكل إليها إعداد دراسة الأثر البيئي، لمناقشة المشروع.
لكن المعنيّين لم يحصلوا - وفق خولي - على أيّة معلومات أو مستندات قبل هذه الجلسة، و"بقي بذلك المشروع مبهماً وغير واضح. وعدم إطلاعنا على تقرير الأثر البيئي المبدئي، وإرساله إلى وزارة البيئة فقط، يعني أنّ هناك أمراً ما لا يرغبون في كشفه أمامنا؛ فحجب هذه المعلومات يجعلنا نطرح تساؤلات كثيرة تتعلّق بالشقّ البيئي".
واستغرب الخولي عدم وجود مندوب من وزارة البيئة خلال هذه الجلسة للتأكّد من مسار المشروع الصحيح، مشدّداً على جهل الدواعي الحقيقية لإنشاء هذه المنصّة، قبل أن يسأل: "إذا ما تراجع استيراد الفيول إلى لبنان، فما هي حاجة زيادة كمّية الصهاريج المنويّ إدخالها عبر هذه المنصة؟ وهل الشركة تستعجل إنشاء هذه المنصة لعدم مرور فترة الستة أشهر المسموح بها لتطبيق أيّ مرسوم؟".
لا تعدّي بيئيّاً حتى الآن
المسار القانوني لهكذا مشاريع عادةً ما يبدأ عبر إعداد دراسة أثر بيئيّ مبدئيّة، وبناءً عليها تُحدَّد بعض العوامل البيئيّة التي يُمكن أن تؤثّر على المشروع. ويجب أن تلي هذه الدراسة دراسة أثر بيئيّ كاملة، و"نحن نقوم بواجبنا في الوزارة ضمن الإطار القانونيّ، ونتابع مسار المشروع بالتفاصيل، ونراجع هذه الدراسة، ونضع ملاحظتنا عليها"، يؤكّد وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال، الدكتور ناصر ياسين في حديثه لـ"النهار".
وبعد إصدار الدراسة الكاملة، تُقام جلسات استماع تتضمّن ممثِلاً عن الوزارة مع لجنة فنية مشكَّلة من خبراء بيئيّين ومن رؤساء المصالح في الوزارة لتعطي رأيها في تقرير الشركة الموكل إليها إجراء الدراسة النهائيّة، ثم تُعطي الموافقة على الدراسة. وإذا ما تمت الموافقة على المشروع، يؤخذ بالاعتبار ملاحظات معيّنة من الناس المعنيّين في جلسات الاستماع وآراء الخبراء وصاحب المشروع الذي يتعهّد بالالتزام البيئيّ وبالنقاط التي يطرحها الخبراء الفنيّون.
يشرح الوزير هذا المسار ويؤكد التزام الوزارة به، و"تسجيل اعتراض الأشخاص الذي أُخذ بعين الاعتبار في ملف المشروع"، وفق ياسين. وقدّمت بلدية ذوق مكايل الدراسة البيئية الأوليّة للوزارة منذ بضعة أيام.
وعمّا إذا ما كانت الأشغال البحرية ستطال الأملاك العامة، وفق ما ذكر المعترضون، يؤكّد ياسين أنّ "المساحة التي سمح بها المرسوم مردومة سابقاً منذ وقت طويل، والشركة المتعِّهدة ستستخدم هذه المساحة بناءً على ما سمح المرسوم لها باستخدام هذه الأملاك".
وعن دواعي إنشاء هذه المنصة، يشرح ياسين بأنّ "شركة "ليكويغاز" موجودة في تلك المنطقة منذ السبعينيات، واستحصلت على موافقة سابقاً بتوسيع نطاق الشركة لاستخدام الشاطئ عبر إنشاء هذه المنصّة لتفريغ الفيول، وبالتالي ملء خزاناتها؛ لذلك ليس هناك ما يُحكى عن "جزيرة بحرية".
وفي سؤال عن سبب اختيار منطقة ذوق مكايل وليس منطقة أخرى مصنَّفة صناعيّة، يوضح ياسين بأنّه "عندما سألت السؤال نفسه للشركة، كان الجواب أنّ الشركة موجودة قبل جميع المنتجعات السياحية الموجودة في المنطقة".
وفيما تقوم شركة خاصّة بدراسة الأثر البيئيّ لصالح شركة "ليكويغاز"، نسأل الوزير إن كانت وزارة البيئة تكتفي بتقرير الشركة الخاصّة بدلاً من إجراء دراسة بيئيّة من قِبل خبراء فنيّين في الوزارة، فيجيب ياسين بأنّ "المقاربة الإصلاحيّة تقضي بذلك، لكن النظام في لبنان، في ما يتعلّق بدراسات الأثر البيئي، يقضي بالتعاقد مع شركات معتمَدة من قِبل الدولة البنانية ومعلَن عن أسمائها، والوزارة تواكب عمل تقاريرها وتدقّقه على الأرض".
وعمّا إذا كان يتوجّب إطلاع المعترضين على دراسة الأثر البيئي، يورد ياسين أنّ "وزارة البيئة هي أكثر وزارة تحترم الحقّ في الوصول إلى المعلومات، فهي متاحة للجميع. ودراسات الأثر البيئي الكاملة – قانوناً - تفرض جلسات استماع لكي يُبدي الناس رأيهم بالمشروع".
إلى ذلك، رئيس بلدية ذوق مكايل، إيلي بعيني، وفي حديث لـ "النهار"، يفيد بأنّ "ليس هناك أيّ مخالفة أو تعدّ على البيئة، فالمرسوم واضح؛ وهناك 26700 ألف متر من المسطّحات المائيّة المسموح استخدامها، وما مساحته 11464 ألف متر من الأملاك العامّة المتاخمة للعقار، وهي أملاك عامّة بحريّة مردومة موجودة على الأرض"، مضيفاً أنّه "لم يتقدّم أحد إلى بلدية ذوق مكايل للاستحصال على طلب عمليات ردمية، أي حتى الآن، ليس هناك أيّ تغيير في الشكل أو أيّ ضرر على البيئة".