وسام إسماعيل
ليست سوى أسابيع قليلة ليبدأ بعدها فصل الشتاء، ولتحضر همومُه الاقتصادية المترتبة على المواطن البقاعيّ، خصوصاً أن هذا العام مختلف عمّا سلفه، لأنّه الأشدّ والأخطر؛ فالبقاعيّ يقف عاجزاً أمام تحدّي التدفئة، سواء أكانت بمادة المازوت أو بالحطب أو بأيّ وسيلة أخرى.
في البقاع، حيث القرى والبلدات التي يتخطّى ارتفاعها الـ٧٠٠ متر عن سطح البحر، تصبح التدفئة فيها من ضروريّات الحياة، وشرطاً من شروط البقاء في فصل شتاءٍ قارسٍ يمتدّ لـ6 أشهر.
في فصل البرد والثلج، اعتاد البقاعيون منذ عقود اعتماد المازوت مادة أساسيّة للتدفئة إلى جانب الحطب قبل أشهر من دخول فصل الشتاء. لكنّ معظمهم في هذا العام لم يتمكّن من تأمين ما يلزمه من تلك الموادّ، بسبب أسعارها الجنونيّة التي تتخطّى قدرة وإمكانيّة الأهالي، إذ بلغ سعر البرميل الواحد من المازوت الـ220 دولاراً أميركيّاً (8360000 ليرة لبنانية، بحسب سعر الصرف حالياً).
ومع اتباع العائلات سياسة التوفير، تكفي هذه الكميّة لمدّة شهر واحد فقط للمنازل الصغيرة، في وقت لا يتخطّى دخلها الشهريّ الفرديّ ٤ ملايين ليرة، أي أن حاجة المنزل الواحد للتدفئة في الشهر الواحد تتخطّى ضعفي معاش ربّ العائلة...
أمّا البديل الثاني للتدفئة، والذي كانت تعتمده العائلات ذات الدخل المحدود، فهو الحطب، الذي أصبحت أسعارها مقاربة لأسعار المازوت، إذ بلغ سعر الطنّ الواحد ما بين سبعة ملايين ليرة وتسعة، بحسب جودة الحطب. تكفي الكميّة المشار إليها لشهر واحد فقط، في ظلّ ارتفاع جنونيّ في أسعار المدافئ أو ما يُسمّى بـ"الوجاق"، إذ بلغ سعر القطعة ما بين ٧ ملايين ليرة و٢٠ مليون ليرة؛ وذلك بحسب الحجم والنوع إلى جانب مستلزمات أخرى كالقساطل وغيرها.
ضغوطات حياتية غير مسبوقة يواجهها المواطن البقاعيّ الواقع بين مطرقة مادة المازوت وسندان الأقساط المدرسية ومأكله ومشربه. فهو يواجه أيضاً الأقساط المدرسية المرتفعة والكتب والقرطاسية إلى جانب تكلفة النقل الواقعة تحت دولاب سعر الصرف، كذلك التكلفة الجنونيّة لمونة الشتاء التي اعتادها المواطن البعلبكي بمختلف أنواعها، فيما البعض - هم كثر - لا يجدون أنفسهم سوى أمام خيار الاستسلام وترك الأمور لوقتها، بعد أن وجدوا أنفسهم يقاتلون على جبهات الحياة كافة من دون جدوى.
أمّا الكهرباء فموضوع آخر مع الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي منذ 10 أشهر، فيما التغذية مؤمّنة فقط من خلال المولّدات، التي تصل تكلفة اشتراك الـ٢.٥ أمبير إلى نحو ٥٠ دولاراً أميركيّاً.
هذا الوضع المأسوي أفرز أزمات أمنيّة وبيئيّة حقيقيّة، تمثّلت خطورتها في ارتفاع معدّلات الجريمة في المنطقة، التي تشهد عمليّات سلب وسرقة وقطع المزيد من الأحراج المعمِّرة والأشجار على الطرقات وأمام المنازل، فضلاً عن الأشجار المثمرة. وقد أدّى الاعتداء على الثروة الحرجيّة إلى قتال وقتل، مثلما حصل أخيراً بين أهالي عيناتا - الأرز ومجهولين كانوا يقطعون أشجار اللزاب المعمّرة في البلدة، واستطاع الأهالي إنقاذ بعضها في الوقت الذي فرّ فيه المعتدون.
كذلك فوجئ أهالي بلدات غرب بعلبك، في اليمونة، وفلاوى، وبوداي، وحدث بعلبك وغيرها، بقطع أجزاء من أحراج بلداتهم.
ويزيد طين التعدّي على الأحراج بلّة اللاجئون السوريّون، الذين تخطّت أعدادهم الـ٧٠٠ الف لاجئ، والذي يقطنون بمعظمهم في الخيم، ويعمد البعض منهم إلى جمع البلاستيك وغيره من الموادّ القابلة للاشتعال، والتي تشكّل خطراً على البيئة وضرراً كبيراً عليهم وعلى المواطن.
يؤكّد المواطن حسن قيس في الإطار أنّه لم يجد حلّاً حتى السّاعة غير قطع عددٍ من الأشجار المثمرة والحرجيّة، منها كائنة في داخل بستانٍ يعتني به، ويعتاش منه منذ عقود مضت.
وتُضيف السيدة الأربعينية منى المعروفة بـ"أم سهيل"، وهي من سكّان مدينة بعلبك، لـ"النهار" القول: "أعيش مع أطفالي الثلاثة، وأعمل كأجيرة يوميّة في تنظيف المنازل ببدل لا يتخطّى المئة ألف ليرة، أي بأجرة لا تتخطّى المليونين والنصف شهرياً، وهو مبلغ لا يكفيني لدفع أجرة المنزل وتأمين المياه وبعض الأدوية التي أحتاجها، فيما صحتي لم تعد تعينني للعمل طوال أيّام الأسبوع".
وأمام هذه الضيقة، تعمل "أم سهيل" على التقاط الحطب من على الطرقات، بسبب استحالة تأمين المازوت أو شراء الحطب الذي بات فوق طاقتها. وحتى اليوم لم تستطع أن تجمع سوى كمّية لا تكفيها لأسابيع قليلة.
كغيرها من أبناء المنطقة، تحمل "أم سهيل" همّ الشتاء ومروره بأقلّ ضرر ممكن، وتُلقي بشكواها إلى الله.