النهار

واقع المرأة في لبنان لا يزال محبطاً... أصوات التغيير بين الجديّة والاستعراض!
روزيت فاضل
المصدر: "النهار"
واقع المرأة في لبنان لا يزال محبطاً... أصوات التغيير بين الجديّة والاستعراض!
من الوقفة النسوية أمام مجلس النواب بالأمس (نبيل اسماعيل).
A+   A-
أصبح لبنان أكثر من أيّ وقت مضى كبرج بابل. لا أحد يفهم على الآخر لأن الجميع يتحدثون لغة - بمعناها المجازي - غريبة عن الآخر، أي بمقاربة متضاربة لمفهوم المواطنة، المُعلَّب على قياس كل طائفة، وسير فعل ذلك على فقدان نظرة جامعة وشمولية لحقوق الإنسان، ومنها حقوق المرأة، المغيّبة عن الساحة المحلية.

في رأي الناشطة في حقوق الإنسان والمرأة الدكتورة ماري ناصيف الدبس، وهي رئيسة "جمعية مساواة - وردة بطرس للعمل النسائي"، أنّ "المؤسسات الدستورية اللبنانية اليوم باتت في خبر كان"، مع إضافة معلومة مهمّة أنّ "الهيئات التي تُعنى بشؤون المرأة في لبنان تعدّدت والنتيجة صفر".

قاربت ناصيف الوضع في حديث لـ"النهار"، مرتكزة على المثل اللبناني الشائع "بين حانا ومانا، ضاعت لحانا"، غامزة من أنّ "بين الهيئة الوطنية لشؤون المرأة ووزارة شؤون المرأة ولجنة المرأة النيابية، مرّ اليوم العالمي لمناهضة العنف ضدّ المرأة مرور الكرام، ولم ينتبه من نصّبوا أنفسهم قيّمين علينا إلى ضرورة اتّخاذ موقف ما في هذه المناسبة، سيّما وأنّ العنف ضدّ النساء اللبنانيات، وباعتراف القوى الأمنية، قد ازداد بشكل مخيف، لاسيّما العنف القاتل".
 

 

9في المئة
أكّدت ناصيف أنّه يحق للمرء "أن يتساءل عن ضرورة وجود كلّ هذه الهيئات وما يستتبع ذلك من إمكانيات مادية مهدورة إن نسيت، كلّها من دون استثناء، أن تتحرّك في مثل هذه الظروف الأليمة، التي تعاني منها النساء اللبنانيات، ومعهنّ غالبية النساء الفلسطينيات والسوريات، وخاصة الأجنبيات العاملات في الخدمة المنزلية نتيجة الأزمة الخانقة التي نعيشها اليوم والتي تتجلى كالآتي:
- تزويج القاصرات اللبنانيات إلى تزايد فاق 9 في المئة من اللواتي هن دون الخامسة عشرة من العمر، وما طالبنا به منذ ثلاث سنوات وأكثر من تحديد سن الزواج وفق الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل - أي اعتماد سن الثامنة عشرة - لا يزال قابعًا في أدراج البرلمان.

- يرافق ذلك تضاعف التسرّب المدرسي بين الفتيات ما دون العشر سنوات، في وقت مضى أكثر من عشرين عاماً على إقرار إلزامية ومجانية التعليم خلال المرحلة الأساسية، أي حتى سن الخامسة عشرة مبدئياً.

- تفاقم ظاهرتي العنف والتحرش في ميدان العمل، بدءاً بالعنف اللفظي والمعنوي ووصولاً إلى العنف المادي الذي يحمل عنوان التهديد بالطرد أو، أقلّه، تخفيض الأجور والرواتب بحجة عدم إمكانية أصحاب المؤسسات على الاستمرار في تأمين ما تم الاتفاق عليه مع الأجيرات والموظفات.

- تفاقم ظاهرة العنف الأسري والعنف القاتل بشكل غير مسبوق، في ظلّ تخلّي القضاء والقوى الأمنية عن مسؤولياتهما في حماية المرأة من هذا العنف وفق القانون 293 الذي أضاع البوصلة يوم شرّع عدم إجازة مناهضة العنف إذا ما تعارضت تلك المناهضة وقوانين الأحوال الشخصية الطائفية، فقط لأن بعض أمراء الطوائف أجازوا لأنفسهم الاعتراض على ما سمّوه "التدخّل في شؤون الأسرة الداخلية" من قبل صاحبات الحق أنفسهن".

وشدّدت على أنّ "المضحك المبكي أنّ المؤسسات الثلاث الرسمية المذكورة سابقاً لا تتورّع عن إتحافنا بتقارير سنوية، منها ما يقدّم إلى الأمم المتحدة، عن نشاطيتها ونضالاتها في ردع المعنّفين وفي اتّخاذ تدابير الحماية للواتي تعرّضن للعنف".
 

النضال
 

وتوقفت ناصيف عند ما قامت به "جمعية مساواة - وردة بطرس للعمل النسائي"، منذ بداية العام الحالي بشكل خاص، بالتحرك في الأراضي اللبنانية كافة وباتجاه وزارة العمل والبلديات، من أجل إطلاق حملة توعية للنساء والرجال، ومن أجل خلق لجان متابعة للمساعدة في تطوير المواجهة، وذلك بعد أن نفد صبر مناضلاتها من انتظار دور فاعل للهيئات الرسمية التي كان يُنتظر منها تحركاً فاعلاً، مشيرة إلى أنّها "اليوم تُتابع حملتها عبر الدعوة التي وجّهتها إلى الهيئات والجمعيات والنقابات كافة من أجل استكمال المواجهة بصفوف موحّدة ومن دون انتظار أن تعمد المؤسسات الرسمية إلى القيام بواجباتها".

لحظت أن "الجمعية تركّز، بالإضافة إلى الحملات المباشرة المشار إليها، على مسألة النضال من أجل إلغاء قوانين الأحوال الشخصية الطائفية التي تشكّل حجر الزاوية الذي يستند إليه المعنّفون".

في قراءة شخصية، يلحظ من يتابع هذا الملف أنّ المشهد الدرامي يتكامل مع واقع العقلية البطريركية المتحكمة في العقل الباطني للذكور تجاه المرأة، والتي يتمكن من تخطيها بعض الرجال، في تعاطيهم مع المرأة إن في كلّ من الحياة الخاصة والعامة.
 
المشهد الأخير لالتزام المسؤولين بقضايا المرأة محبط جدّاً. يُسجَّل بدايةً أن زوجة رئيس الجمهورية السابق ميشال عون ناديا الشامي عون، التي نحترم خيارها بأن تبقى وراء الكواليس خلال العهد، وكانت الصدارة لابنتها كلودين عون لترؤس "الهيئة الوطنية لشؤون المرأة"، التي يرصد كثيرون مجموعة ملاحظات إيجابية وسلبية على أدائها مع العلم أنها تضع اليوم استراتيجيا للمرأة، وهي خطة معرّضة أن تصبح قيد النسيان في حال تسلّمها من أيّ سلف لعون بهدف سياسي، وهذا ما اعتدنا عليه في السابق.

ويلحظ أيضاً تصريح لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي في 24/11/2021 شبّه وضع لبنان بـ"المرأة المطلّقة"، فيما أجاب رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب سامي جميل عن المادة في إحدى جلسات مجلس النواب قائلاً: "مادّة إجرا من الشباك"، إضافة الى أنّ القوانين الخاصة بالمرأة وحقوق الإنسان لا تحظى بأولوية في جدول أعمال أيّ جلسة نيابية، إلّا بضغوط سياسية أو من بعض النواب أو من مجتمع مدني يعاني الأمرّين من واقع التشريع في لبنان.
 
 
"لا حقوق"
لا بد من الإشارة أيضاً إلى أن بعض جمعيات المجتمع المدني المعنية بقضايا الإنسان والمرأة تعمل بجدّية لافتة جداً رغم عدم تجاوب المعنيّين الرسميّين أحياناً مع طلباتها. لكن بعضها الآخر استغلّ ساحات الثورة لإطلاق شعارات فضفاضة لجذب دعم من جهات مانحة أو لوضع صور مشاركتها في التحركات الثورية في التقارير النهائية لعمل الجمعية بهدف دعم مشاريعها من دول غربية معنية بقضاياها.

أين نحن من قضايا المرأة اليوم؟ في الحقيقة، نحن بلد الـ"لا حقوق" للإنسان وبالأخص المرأة. في ظلّ ذلك، تمارس الطبقة الحاكمة عنفها علينا كلّ يوم من خلال سياسة إنكار وقحة في حق معرفة من فجّر العاصمة بيروت في 4 آب 2020، وصولاً إلى ممارسة التعنيف المعنوي والمادي علينا كلّ صباح عند توجهنا لشراء حاجاتتنا المنزلية من مأكل ومشرب، التي باتت متواضعة بسبب غلاء الأسعار، ما يجعل هذا اليوم اليوم العالمي للقضاء على كلّ أشكال العنف ضدّ المرأة وما يتبعه من حملة في هذا الخصوص العنف الممارس من دون رحمة على الرجل والمرأة والطفل المصنّفين ضمن خانة "الأوادم".

[email protected]
Twitter:@rosettefadel


الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium