في العام 2015، اجرت الزميلة الين فرح، حديثا مع المطران جورج خضر، في الذكرى الـ 45 لسيامته الاسقفية. وها هو اليوم يحتفل بعيد ميلاده المئة. وحديثه الرؤيوي أو كلامه النبوي لا يزال صالحا اليوم، لذا تعيد "النهار" نشر النص.
حاضر الذهن كالعادة، لم تتغيّر نظرته الى كثير من القضايا، ولا يدخل في صغائر الأمور. كل هذه السنين في الخدمة لم تتعبه، "ثمة تعب بمعنى كثرة العمل، لكن لا يوجد تعب معنوي، انا مؤمن بهذا الشيء"، يقول لـ"النهار". لكن هل أجرى تقييماً لهذا المسار الاداري الطويل في العمل الأسقفي؟ يجيب: "اولاً انا انسان مقصّر دائماً". لماذا؟ "أنا أعرف هذا الأمر لأنني درست اللاهوت وأحب يسوع المسيح، لذا أقيس نفسي أني مقصّر. لكن في داخل نفسي، ومن دون أن
أعلنها، أنا أدرك ماذا يعني أن يكون الانسان مطراناً في الأصل. المطران أو الكاهن هو انسان يحب الناس جميعاً، الكبار والصغار، المثقفين والجهلاء، ويعرف نفسه انه في خدمتهم فقط. والخدمة في الدرجة الاولى هو أن يعلّم، لكنها لم تكن معروفة كثيراً في أوساطنا، فما كان معروفاً عند الروم الأرثوذكس ان المطران هو الذي يملك صوتاً جميلاً، لكن اكتشفنا لاحقاً في الحركة أن المطران هو الذي يعلّم".
لكن أين يكمن التقصير الذي تكلمّ عنه؟ يجيب من دون تردد "مقصّر لأني أعرف جمال يسوع المسيح، لكني أعرف أني بعيد من هذا الأمر". إلا انه لم يندم على مرحلة سابقة، ربما لأنه اختار هذه الطريق، ويعرف ان "الروم الارثوذكس غير سهلين، لكنهم رعية الله وأنا مكلف بخدمتهم".
لم يفكر يوماً في الاستقالة من الخدمة، ويرى ان الفكرة ليست سديدة. "أحياناً يتعب الانسان ويشعر بأنه من الأفضل ألا يتولى الخدمة، لكنه كُلّف بها. في الكنيسة لا نملك الحرية اذ اننا نكلف بأمر وعلينا القيام به، ونعتبر ان هذا رأي الله".
كنسياً أيضاً، تعتبر قوانين الكنيسة الارثوذكسية صارمة، وهو الذي ساهم في نهضة الكنيسة، ألا يرى انه يجب تطوير بعض القوانين الكنسية لناحية استقالة المطارنة مثلاً، كما فعلت الكنيسة الكاثوليكية؟ يجيب المطران خضر: "لا توجد قوانين لا يستطيع الانسان الوصول اليها او تطبيقها، لكن على الكاهن الإيمان أولاً انه كاهن وهو أقيم من أجل هذه الخدمة وألا يبحث عن شيء آخر، كالمال والوجاهة، وعليه ايضاً القبول أن الناس مُتعِبون لأنهم لا يحبون الله وبعيدون منه. فالله متطلب جداً، يطلب منك كل حياتك وفكرك، وخصوصاً اذا كان الانسان مثقفاً جداً ويحبّ أن "يفلت"، فالله لا يحبّ هذا الامر".
اما بالنسبة الى استقالة المطارنة الأرثوذكس، ومن دون مقارنة مع الآخرين، ففي رأيه "اننا نعتقد انه إذا شاخ المطران فنشعر بذلك وتبقى منه القدوة، لكن الناس يركضون ليشارك المطران في المآتم والأفراح. أما الاشخاص الواعون روحياً ويرون ان المطران أصبح كبيراً في السنّ ولا يستطيع الحضور، فيقولون يكفينا انه يصلي من أجلنا، يحبّون في المطران التقوى. واما الاشخاص الدنيويون فتغريهم أشياء في المطران كأن يبني بيوتاً وأوقافاً، لكن أهل الله يميّزون ما بين الكاهن التقي والكاهن المرتزِق".
توحيد العقيدة
بعيداً من الكنيسة وقوانينها، يُعرف عن المطران خضر انه كان دائماً من محبذي لقاء الإنسان الآخر في المحبة، وبالتالي يشدد على الحوار مع الآخرين. فعند سؤاله عن الحوار مع الكاثوليك، خصوصاً حول توحيد عيد الفصح واهتمام مسيحيي الشرق في هذا الموضوع، ونحن في زمن الصوم، ينتفض قائلاً: "آخر ما يهمّني توحيد عيد الفصح، فليعيّدوا عيد الفصح 10 مرات في السنة، ماذا يهمّني في الأمر؟ الناس يضعون أهمية على أمر لا أهمية له. يهمّهم توحيد العيد، أما المهم فهو توحيد العقيدة"، هذا الأساس بالنسبة اليه.
أما عن الحوار مع المسلمين اليوم في ظل تراجع التيارات المعتدلة، ونمو التطرف التكفيري الذي ينفي امكان العيش معاً، فهل ما زال مؤمناً به؟ يؤكد "نحن مضطرون الى الحوار لإيماننا بالانسان وبقدرته على التغلّب على كل المصاعب التي كانت في ماضيه أو في ماضي طائفته، لذلك نسعى دائماً للبقاء مع بعضنا البعض نحن والمسلمين". وعن الفكر المتطرف، يقول "ان التطرّف يأتي دائماً من الضعف السياسي. يوجد تطرّف في الدنيا الاسلامية، لأن المسلمين مقموعون سياسياً من الدول الكبرى. والدول الغربية لا تريد ولا ترضى الى هذا اليوم ان تنشأ دول أخرى صغرى خارج النطاق الغربي، لذلك لا تقبل بتحرر المسلمين. والتطرّف هو ضد المسلمين".
"سنبقى هنا"
بسبب التطرّف والعنف في المنطقة، ثمة مطالبات بحماية المسيحيين في الشرق الذين يتعرضون لعمليات تهجير وتنكيل، ناهيك عن هدم الكنائس، فهل يخاف المطران خضر على الوجود المسيحي في هذا الشرق؟ يجيب: "يسوع قال سأكون معكم حتى منتهى الدهر". يكمل: "سنبقى هنا، في مكاننا، ومن يريد ان يقتلنا فليقتلنا، ونكون فرحين لو متنا شهداء".
لكن هل يكتفي المسيحيون بالصلاة؟ ألا يمكن فعل شيء لانقاذهم أم ان الوقت أصبح متأخراً؟ يؤكد ان "الدول الغربية لن تفعل شيئاً ولا يهمّها شيئ من هذا الامر. كل ما يهمّ الدول الغربية النفط والمال الموجود لدى المسلمين، اما المسيحيون فمعهم الرب. بالنسبة اليّ لا أرى حلاً على الصعيد السياسي. هذا كان وضع المسيحيين منذ ألفي سنة".
اعتقاد غير مؤسَس
داخلياً، وضمن حركة الحوارات القائمة في لبنان، ثمة اختلاف في وجهات النظر بين ان الاسلام دين ودنيا، وبين المسيحية التي تحاول ان تبتعد من السياسة، لكنها لم تنجح. كيف يرى الى السياسة في لبنان؟ والى أين ستصل هذه الحوارات كلها؟ يظنّ المطران
خضر "ان شوكة المسلمين ستقوى، لكن هناك اعتقاداً في العالمين الغربي والعربي، غير مؤسَس في الواقع، ان لبنان لونه مسيحي وأنه إذا أصبح المسيحيون اقل من النصف، فثمة اعتقاد عند العرب أن يتركوا لهم مجالاً ليبرزوا، وأن يظهروا ان لبنان وطن مسيحي وان المسلمين لهم منفعة في ذلك".
إلا أنه يرى ان لبنان سيبقى كما هو؟ "لبنان لم يُكتب له أن يموت ولم يكتب له أن يعيش".
لكن أين السياسة ومشكلاتها من رجال الدين الارثوذكس، يجيب: "نحن الارثوذكس، ان كنا رجال دين أو لم نكن، علمانيون نؤمن بفصل الدين عن الدولة. علماً ان العلماني له الحق في الكلام وحرّ في السياسة، من دون ان يأخذ رأي أحد".
ختاماً، وفي ملف المطرانين المخطوفين، يقول ان لا معلومات لديه عنهما، وللأسف لا يبدو أن ثمة أمراً جديداً في الملف.