دان "تحالف حرية الرأي والتعبير" في لبنان التوّجهات القضائية الجديدة الرامية إلى التضييق على حرية التعبير.
وقال: "بتاريخ 10/7/2023 صدر حكمٌ عن القاضية المنفردة الجزائية في بيروت روزين حجيلي، بحق مقدمة البرامج اللبنانية ديما صادق، أدانها بجرائم القدح والذم وإثارة النعرات المذهبية سنداً للمواد 582 و584 و317 من قانون العقوبات. قضى الحكم الوجاهي بسجن صادق مدة سنة، وبتجريدها من بعض حقوقها المدنية، إضافة إلى إلزامها بدفع تعويض قدره 110 ملايين ليرة لبنانية كعطلٍ وضرر للحزب السياسي المدّعي التيار الوطني الحر".
وأضاف: "تعود قضية صادق إلى شباط 2020، حين تقدّم التيّار الوطني الحر، برئاسة النائب جبران باسيل، بدعوى ضدّها استناداً إلى تغريدة وصفت فيها التيّار بـ"النازي" على خلفية خبر اعتداء مناصريه على أحد المتظاهرين. يعدّ الحكم من أقسى الأحكام الوجاهية الصادرة في قضايا متعلقة بحرية التعبير في لبنان، كما تعتبر هذه قضية الرأي الأولى التي يصدر فيها حكمٌ وجاهيٌ بالسجن ضدَ المدعى عليه/ا. سبق وأصدر القضاء اللبناني أحكاماً غيابيّة بالحبس في قضايا مشابهة مرّاتٍ عديدة، إلا أنّ الأحكام الغيابية عملاً بقانون أصول المحاكمات الجزائية تسمح بإعادة المحاكمة بناء لطلب المحكوم عليه، على عكس الأحكام الوجاهية القابلة للتنفيذ ما لم تستأنف".
وعبّر التحالف عن قلقه الشديد إزاء تبنّي القضاء للتعليل القانوني الذي تقدم به الحكم الذي ذهب إلى منحى ترسيم حدود حرية التعبير والنقد المسموح قانوناً على نحو قد يمنع التعبير عن أي رأي مخالف للسائد. وقد اعتبر الحكم أنّ "حرية التعبير وإبداء الرأي قد تصبّ أحياناً ضمن خانة حرية النقد، غير أن النقد المسموح به قانونياً -ولو كان قاسياً أحياناً، – هو النقد البناء الإصلاحي الخيّر السامي في أهدافه والمنشود من كل المواطنين في المجتمع بكافة طوائفه ومكوناته". يعدّ هذا التفسير مخالفاً للمادة 13 من الدستور والمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي صادق عليها لبنان والتي تضمن حرية التعبير. بالإضافة إلى ذلك، توّسع الحكم في تفسير جرم "إثارة النعرات المذهبية" لتطبيقه على انتقاد حزب سياسي، وكأنّ الحزب يختزل طائفة ما. ولم يتوّقف الحكم أمام خطورة الأعمال التي انتقدتها صادق في تغريدتها".
وأردف: "يؤخذ على الحكم أيضاً غياب التناسب بين الفعل الجرمي المزعوم والعقوبة المحكوم بها. فالمعايير الدولية تعتبر أن العقوبات السالبة للحرية لا تشكّل عقوبة متناسبة في قضايا الرأي تحت أي ظرف. كما غاب عن الحكم التوفيق بين المصالح الاجتماعية العامة والحق الفردي بالسمعة، وافتقد للمرونة التي تسمح بانتقاد العاملين/ات في الشأن العام، ومنهم الأحزاب السياسية الحاكمة. لم يوازن الحكم بين موازين القوى، واضعاً "لحزب الأقوى" على قدر المساواة مع الفرد العادي، وتجاهل المبدأ الذي يبرّر إعطاء الأولوية للمصلحة العامة وحرية التعبير، على حساب المساس بسمعة حزبٍ أو فردٍ نافذ".
وقال: "إنّ هذا الاختلاف نفسه يعزز البيئة الديمقراطية التي تستقبل وتتسع لكافة الآراء رغم اختلافها، إلا أن الحكم رفض تبرئة صادق من "جرم الذم" الواقع على أشخاص يتعاطون الشأن العام، ورفض العمل بالمادة 387 من قانون العقوبات التي تنصّ على مبدأ الحقيقة كدفاع، معتمدةً تفسيراً ضيقاً لها حيث حصرها بكون "موضوع الذم عملاً ذا علاقة بالوظيفة وتثبت صحته"، مشدّداً على أنّ "النهج المقلق والمستجدّ الذي اتُخذ على أساسه الحكم قد يدفع المواطنين إلى تجنّب ممارسة حقوقهم/ن في التعبير والتعليق على القضايا المرتبطة بالشأن العام، في ظلّ اعتماد اجتهادات قضائية مماثلة".
وأضاف: "علاوة على ما سبق، يأتي صدور الحكم بحق صادق بالتزامن مع انحدار مستوى مراعاة حقوق الإنسان الذي يشهده لبنان في الآونة الأخيرة، إذ بات مشهد الصحافيين/ات والناشطين/ات الذين يتم استدعاؤهم/ن للتحقيق على خلفية آراء عبّروا عنها، يتكرّر بكثرة، لا سيما للتحقيق معهم أمام الأجهزة الأمنية خلافاً لقانون المطبوعات وحقوقهم المكرّسة".
وتابع: "يحثّنا هذا التضييق المتزايد على الحريّات في البلاد، والمقترن بجمودٍ واضحٍ في آليات المحاسبة، على ضرورة التنبيه من نتائج هذا الواقع والتنديد بكافة مظاهره في سبيل الدفاع عن الحق العام"مطالباً السلطات القضائية اللبنانية بالامتثال لمعايير حرية التعبير المكفولة في الدستور والمواثيق الدولية، ولا سيما المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتي لا يجوز الحدّ منها بما يمسّ جوهرها وخلافاً لمبدئي الضرورة والتناسب، كما والامتناع عن فرض عقوبات سالبة للحرية في قضايا الرأي".
كما طالب التحالف مجلس النواب بتعديل القوانين اللبنانية وملاءمتها مع التزامات لبنان تجاه القانون الدولي، وضمان إجراء مشاورات هادفة مع المجتمع المدني بشأن مشاريع القوانين الجديدة، والتأكد من مراعاة مقترحات القوانين للمعايير الدولية، بما في ذلك:
- إلغاء تجريم القدح والذمّ والتحقير، بحيث تقتصر على المسؤولية المدنية ولا تترتّب عليها أي عقوبات سجنية.
- النصّ على أنّ الحقيقة هي الدفاع الفاصل في قضايا القدح والذمّ، بغضّ النظر عن الشخص المستهدف أو منصبه. في قضايا المصلحة العامة، يكفي أن يكون المدّعى عليه قد تصرّف بالعناية الواجبة كافياً لإثبات الحقيقة.
- حصر التجريم فقط بالتصريحات التي ترقى إلى التحريض على العنف أو الكراهية أو التمييز على أساس قومي أو عرقي أو ديني. ويجب أن يحدّد القانون بوضوح معنى كلّ من هذه المصطلحات، بالاستعانة بـ”خطّة عمل الرباط” كدليل توجيهي.
وشدّد التحالف على أنّ "لبنان مطالبٌ اليوم بصون حرية التعبير وحماية حرية عمل الصحافيين/ات لأن واجبهم يحتّم عليهم أن يراقبوا السلطات العامة ويحاسبوها. فمن المعيب أن تبقى القوانين الجزائية سيفاً مسلطاً على رقابهم، تُشهر ضدهم كلما مارسوا دورهم بنقد الأشخاص الذين يشغلون مواقع السلطة ومكاتب الإدارة العامة".
وختم: "لا يمكن تحقيق الإصلاح في لبنان طالما لم تُسنّ بعد قوانين هدفها حماية الصحافيين/ات وكاشفي الفساد وغيرهم/ن ممّن يراقبون المسؤولين عن تطبيق القانون، يسجلون انتهاكاتهم، ويفضحون ارتكاباتهم. إن عدسة المراقبة هي حقٌّ لفاضح الانتهاك والمدافع عن العدالة، لا أداةً بيدّ صاحب السلطة والممارس لنفوذها”.