النهار

الأزمة توسّع فجوة العدالة الاجتماعية الجندرية
رنا حيدر
المصدر: "النهار"
الأزمة توسّع فجوة العدالة الاجتماعية الجندرية
رفع شعار "القوة للمرأة" في مسيرة في ساحة الشهداء (تصوير نبيل إسماعيل).
A+   A-

تسلّط الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان، الضوء على المسائل الحقوقية المزمنة، وكيفية تفاعلها مع الانهيارات، التي نالت من مفاصل أساسية في الانتظام الاجتماعي الاقتصادي. ومن هذه المسائل العدالة في الأجور، التي باتت عابرة للقضية الجندرية، مع تحمّل المواطن والمواطنة عبء تدنّي الأجور وانهيار الليرة وما أصاب المؤسسات. ولا شك في أنّ مسألة المرأة وما يتّصل بالأجور زادت تفاقماً.

في الآتي، نحاول الإضاءة على هذه القضية في ضوء الأزمة وتفاعلاتها.

 

سياسة الأجور

 بحسب تقرير المنتدى العالمي الاقتصادي لعام 2023، جاء لبنان في المرتبة 132 عالمياً، والثامن على مستوى المنطقة، في مؤشر الفجوة بين الجنسين العالمي لعام 2023، بنتيجة 0.628، مقارنةً بنتيجة 0.644 في عام 2022. كذلك، وضع التقرير لبنان في المرتبة الـ127 عالمياً ضمن المؤشّر الفرعيّ للمشاركة والفرص الاقتصادية.

هذا الواقع يضعنا أمام معضلة عدم المساواة بين الجنسين، خصوصاً في مجال العمل والأجور، وقلّما جرى الحديث عن المشكلة الأساسية ألا وهي سياسة الأجور غير العادلة في لبنان.

في السياق، تُعدّ سياسة الأجور من أشدّ السياسات ارتباطاً بقضايا العدالة الاجتماعية، إذ إنّها ركيزة جوهرية تقوم عليها أهداف اجتماعية أساسية، بدءاً من توفير العمل اللائق، وصولاً إلى الحدّ من الفقر.

وبحسب تقرير "الإسكوا"، أظهرت الدراسات الحديثة أن الحدّ الأدنى للأجور مرتبط بمجموعة من السياسات والإجراءات المؤثرة في مستوى الحماية الاجتماعية، مثل المعاشات التقاعدية وتعويضات العجز واستحقاقات الأمومة.

أما من ناحية قانون الأجور، فيحظر في لبنان جميع أشكال التمييز بين الموظفين والعمال في ما يخصّ الأجر، لكنّه لا يشترط قيمة متساوية للأجور عن الأعمال المتساوية. بمعنى آخر لا يميّز قانون العمل من حيث المبدأ في الأجر بين الشخص والآخر؛ وبما أن الاقتصاد اللبناني يعتمد على مبدأ الاقتصاد الحرّ، فإنّ القانون يترك هامش الحرية لأصحاب العمل في أن يدفعوا أجوراً مختلفة لنوع العمل الواحد. ولا يزال لبنان يواجه أزمة أجور غير مسبوقة، إذ بلغت أجور العاملين في لبنان مستويات متدنية جداً بالقياس إلى سائر دول العالم، وهو ما جعل معظم المصنّفين في خانة "العاملين بالأجر"، عاجزين عن تأمين الاحتياجات الأساسية من غذاء ودواء ومأوى.

 

"القطاع المؤنث"

 وفي حديث لـ"النهار"، ترى مستشارة النوع الاجتماعي والسياسة العامة ونائبة رئيسة الرابطة اللبنانية لسيدات الأعمال LLWB، عبير شبارو، أنّ "عدم إنصاف المرأة في سياسة الأجور يبرز مع غياب أرقام دقيقة أو موحّدة تعكس الواقع، كما أن وفرة الأرقام المقرونة مع تقارير عالمية تُظهر عدداً لا بأس به من نساء في سوق العمل، ولا سيما في القطاع غير المهيكل، بالرغم من أنّ الحقيقة عكس ذلك، وبطبيعة الحال يحصل الرجل على دخل أعلى".

وترى شبارو أنّ القلق عينه يحصل مع ارتفاع نسبة النساء اللواتي يعتبرن أن دورهنّ في المقام الأوّل هو إتمام المهام المنزلية التقليدية، ولا تزال "النظرية النمطيّة والجندريّة متجذّرة في عقليّة المجتمع".

من ناحية أخرى، تشرح شبارو مفهوم "القطاع المؤنث"، فتلحظ أنه يضمّ أغلبية نسائية في وظائف متّصلة بالرعاية والتعليم، لكنّه يعاني من أجور متدنّية نسبيّاً مقارنةً بقطاعات أخرى مع اعتباره "مهمّشاً".

وعن الإجحاف بحقّ هذا القطاع، ترى شبارو أنّ "غياب" مراعاة النوع الاجتماعي أو gender sensitivity، يردع الموظفين عن المطالبة بحقوقهم، خصوصاً مع اعتبار المرأة الحلقة الأضعف في سوق العمل، ويُصبح من السهل تالياً الاستغناء عنها باعتبارها "المعيل الثانويّ للعائلة".

 

"أغلبيّة الفقراء في العالم هم نساء"

بحسب تقرير "التجمّع النسائي الديموقراطي" المنشور في إطار دراسة للتمييز الجندري في العمل، تظهر الظروف غير العادلة كالآتي:

 أغلبية الفقراء في العالم والعاطلين من العمل هم من النساء.

– النساء يملكن أقلّ من 1 في المئة من ثروات العالم.

– تعمل النساء 13 ساعة أسبوعياً أكثر من الرجل، وبراتب أقلّ منه، بين 30 إلى 40 في المئة.

– تحتلّ النساء نحو 20 في المئة من الوظائف الصناعيّة.

– فجوة الأجور بين الرجال والنساء تراوح بين 30 و40 في المئة.

– لا تزال النساء يفتقدن فرصة الحصول على التدريب والترقية، إذ إنّ أغلبية النساء يعملن في قطاعات منخفضة الأجر.

– 32 في المئة فقط من النساء في المنطقة العربية مشاركات في النشاط الاقتصادي.

– تشكّل نسبة النساء العاملات 28 في المئة من القوى العاملة.

وفي تعليق لـ"النهار"، أشارت عضو جمعية "التجمّع النسائي الديموقراطي" كمال شرفان إلى أنّ "مشكلة عدم المساواة عالمية قبل أن تكون محلية، ولا ترتكز فقط على القانون، بل تكمن في استنسابية الحصول على وظائف وفقاً للمعيار الجندري"، مشدّدةً على أنّ "الأفضلية معطاة منذ زمن طويل للرجل في مجال التوظيف، وذلك من جراء التكهنات حول عمر الشابة التي قد تتزوج أو تنجب الأطفال، إذ يعتبرون أنها قد تتقاعس في مسؤوليّاتها تجاه العمل، لكون الأعراف الاجتماعية السائدة والموروثات والتقاليد تطلب منها أن تركّز على الرعاية العائلية أوّلاً، وهذا ما يُهدّد فرصتها في تحقيق مسيرة مهنيّة، ويضعف تمكينها الاقتصاديّ والذاتيّ".

من جهة أخرى، تنصّ المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنّ "لكلّ شخص حقّاً في العمل، وفي حريّة الاختيار، وفي شروط عمل عادلة ومرضية، وفي الحماية من البطالة"، و"لجميع الأفراد، دون أيّ تمييز، الحق في أجرٍ متساوٍ على العمل المتساوي". لكن هذا الواقع لا يُطبّق، وتؤكد شرفان "أننا لا نزال نكافح لتغيير القانون الذي أضحى قديماً وغير مراعٍ للتطوّرات العالميّة، ولكن لم نتمكّن من لمس أيّ تطوّر"، مشيرةً إلى وجود العديد من الخطوات لتحسين الوضع، بدءاً من تأمين الإنصاف في التوظيف، وعقود عمل مطابقة للجنسين، خصوصاً في الشركات الخاصة، وصولاً إلى إلغاء "الجندر" في إعلانات التوظيف.

على صعيد عالمي، كشف تقرير شركة ماكينزي العالمية، أنّ الشركات التي حققت أفضل نتائج في التنوّع العرقي والثقافي تفوّقت على الشركات ذات النتائج الأقلّ تنوّعاً بنسبة 36 في المئة من نسب الأرباح.

ليس من قبيل المبالغة القول إنّ ما تعاني منه المرأة من إجحاف في الحياة الاقتصادية هو نوعٌ من العنف الاجتماعي، ويمكن زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل بمعالجة عدم المساواة بين الجنسين، من ضمنها إجازة الأمومة والأبوّة المموّلة من الدولة وتوفير خدمات موسّعة لرعاية الأطفال وكبار السن.  

 

 

اقرأ في النهار Premium