غرّم القضاء اللبناني وزارة الطاقة بمبلغ 3 ملايين ليرة عن كل يوم تأخير عن تسليم مستندات لقناة "أل بي سي آي" حول سدّ المسيلحة.
وتعود القضية إلى أوائل عام 2022 عندما اعتزم مراسل القناة إدمون ساسين إعداد تقرير بعد شكوك فساد في مشروع سد المسيلحة. واستناداً إلى قانون حق الوصول الى المعلومات، طلب ساسين -مرتين في شهري شباط وحزيران - المستندات اللازمة من وزارة الطاقة التي امتنعت عن تزويده بالمعلومات التي طلبها والمتعلقة بالسدّ، رغم صدور قرار عن قاضي العجلة في مجلس شورى الدولة بإلزامها تسليم المستندات، في نيسان 2023.
لكن مجلس شورى الدولة انتصر لقانون الحق في الوصول إلى المعلومات، إذ كتب مراسل القناة على حسابه على "تويتر": "بعد امتناع وزارة الطاقة عن إعطائنا المعلومات المتعلقة بسد المسيلحة رغم صدور قرار عن قاضي العجلة في مجلس شورى الدولة بإلزامها تسليم المستندات، القاضي كارل عيراني أصدر قراراً جديداً بإلزام الوزارة دفع غرامة إكراهية قدرها ثلاثة ملايين ليرة عن كل يوم تأخير".
وفي حديثه لـ"النهار"، يروي ساسين أنّه بعد امتناع وزارة الطاقة عن الاستجابة لطلبه رغم إعطائها كل المهل الكافية في إطار القانون -وقد تزامن ذلك مع إضراب الموظفين في الإدارة والقضاء على فترات متتالية - وفيما الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد كانت غير فاعلة، لجأ ساسين إلى مجلس شورى الدولة.
"لهذا القرار أهميتان، الأولى أنّ القرار الصادر في أيار ثبّت حق مجلس شورى الدولة بالنظر في طلبات الاعتراض على عدم إعطائنا الحق في الوصول إلى المعلومات وأثبت نفسه مرجعاً في ظل غياب الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد".
وفيما لم تنفّذ وزارة الطاقة هذا القرار رغم إعطائها المهلة الكافية، أصدر مجلس شورى الدولة الغرامة الإكراهية، و"هنا تكمن الأهمية الثانية، فهي سابقة في فرض قرارات جزائية، أشبه بعقابية، على الوزارات المتخلّفة عن تطبيق القانون، وهو أمر يعطي قوة دفع إضافية لتطبيق قانون الحق في الوصول إلى المعلومات"، بحسب ساسين.
وليست المرة الأولى التي يواجه فيها ساسين المماطلة والصعوبات في الحصول على مستندات من الوحدات والإدارات العامة، فهناك طلبات عديدة في إدارات مختلفة ينتظر البتّ بأمرها، قبل مضيّه في المسار القانوني.
ويكشف ساسين لـ"النهار" أنّه على أثر القرار الصادر، تواصل وزير الطاقة معه طالباً منه الحضور يوم الاثنين إلى وزارة الطاقة لتصوير المستندات التي كان قد طلبها، والمتعلقة بسد المسيلحة، و"هذا يؤكد فعالية القرار الصادر".
وعن مدى قربنا من تطبيق هذا القانون، يوضح ساسين أنّ إصدار مثل هذا القرار هو بمثابة تشكيل قاعدة لجميع المعنيين من صحافيين وناشطين ومواطنين باللجوء إلى مجلس شورى الدولة في حال امتناع أي إدارة عن تلبية الطلب بالتزويد المعلومات، و"هذا الأمر يشكّل ضغطاً على الإدارات الممتنعة، للاستجابة". وبرأيه، "ما نقوم به اليوم نحن وسوانا، باللجوء إلى شورى الدولة للحفاظ على حقنا في الوصول إلى المعلومات، هو عمل تراكمي لنصل إلى تطبيق هذا القانون الإصلاحي بالسرعة وبالسهولة المطلوبة، ورغم أنّ الأمر يحتاج إلى بعض الوقت، لكن بقرارات إيجابية وملزِمة، يُحمى حقنا".
إطار القانون
الوصول إلى المعلومات حق للمواطن والصحافي على السواء، ويهدف إلى رفع مستوى الشفافية في عمل الإدارة وتطوير مؤسسات الدولة وإخضاعها للمساءلة على جميع المستويات لحماية كاشفي الفساد والصحافيين الذين ينشرون معلومات سرّية تسهم في محاربة الفساد وخدمة المصلحة العامة. أيضاً، يتيح حق الوصول إلى المعلومات للمواطن الوصول الى أي معلومة واستخدامها في تقييم مستقل لأداء الحكومة والمسؤولين الرسميين من دون التعرّض للملاحقة القضائية.
ويلزم هذا القانون، تمكين طالب المعلومات من الحصول على المعلومات التي بحوزة الإدارة وتسلّمها وإطلاع العموم عليها، إلى جانب الحق في حماية المعلومات الشخصية وتصحيحها وتحديثها.
ويعود تاريخ الحديث عن هذا الحق في لبنان إلى عام 2009، عندما قدّم مجلس النواب حينها مسوّدة لمشروع قانون "الحق في الوصول الى المعلومات وحماية كاشفي الفساد".
ووُضع اقتراح القانون على جدول أعمال لجنة الإدارة والعدل النيابية ابتداءً من عام 2012، حيث بدأت مناقشته في لجنة فرعية خاصة، وأُحيل إلى الھيئة العامة لمجلس النواب التي أقرّته بموجب القانون رقم 28 في تاريخ 10/2/2017، أي بعد 5 سنوات.
ما هي الإدارات والهيئات الملزَمة بتطبيق أحكام هذا القانون؟
- أشخاص القانون العام مثل الدولة وإداراتها العامة، المؤسسات العامة، الهيئات الإدارية المستقلة، والهيئات الناظمة للقطاعات.
- أشخاص القانون الخاص الذين يؤدون وظائف تخدم المصلحة العامة.
- الهيئات القضائية والتحكيمية، المحاكم والهيئات والمجالس ذات الطابع القضائي أو التحكيمي، دون المحاكم الطائفية.
- الهيئات المحلية مثل البلديات واتحاداتها.
أين نحن من تنفيذ القانون؟
فيما أُقرّ القانون في عام 2017 وعُدّل في عام 2020، معظم الإدارات الرسمية لم تكن تطبّقه وكانت تتذرّع بذريعتين حينها، أولاهما غياب مرسوم التطبيق، وثانيتهما غياب الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وهي حجج غير دقيقة بحسب المدير التنفيذي لجمعية الشفافية الدولية – لبنان، جوليان كورسون. وفي حديثه لـ"النهار"، يذكر أنّه بعد إصدار مرسوم تطبيق القانون عام 2020، وبعد تأسيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وإن كانت غير فعّالة، نرى أنّه تم تعيين عدد كبير من موظفي المعلومات في الإدارات، مقارنة بالفترة السابقة، "وهي خطوة إلى الأمام وإن كانت خجولة".
واليوم، "يُعدّ تطبيق الحق في الوصول إلى المعلومات استنسابياً جداً"، وفق كورسون، إذ تستجيب الإدارات لطلب الحصول على المعلومات في المواضيع الصغيرة غير الحسّاسة، أمّا في الملفات الحساسة كالتي جرت مع المراسل إدمون ساسين وغيرها من القضايا، فالإدارات والمسؤولون المعنيون لا يستجيبون ويخالفون القانون وقرارات مجلس شورى الدولة.
قانون مُقرّ مع وقف تنفيذه
وشكّل إقرار هذا القانون خطوة كبيرة في تطوير القوانين العاملة على تعزيز دولة القانون واعتماد مبادئ الشفافية في إدارة الشأن العام ومواكبة طروحات الإصلاح ومكافحة الفساد، وذلك من خلال تمكين المواطنين والجمعيات والصحافيين من الوصول إلى مصادر المعلومات وإلزام الإدارات العامة بالعلنية في كل أنشطتها وقراراتها. غير أنه حتى الآن، لم يحقّق القانون النتائج المرجوّة منه، إذ لم تستتبعه خطوات إجرائية لوضعه موضع التنفيذ الفعلي، كما أنّ الإدارات العامة المشمولة بأحكامه لا تزال تتجاهله.
وبحسب استبيان قامت به مؤسسة "مهارات"، خلص إلى أنّ هذا القانون لم يدخل بعد في عادات الإعلاميين والمجتمع المدني لاستخدامه في آليات عملهم. إذ إنّ 4 صحافيين تقدّموا بطلب للحصول على معلومات محددة في موضوع تحقيق استقصائي، فيما لم يستخدم 13 صحافياً آلية طلب المعلومات مباشرة من الإدارة. إضافة إلى 8 صحافيين هم على علم بسياسة داخلية للوسيلة الإعلامية لاستخدام قانون الوصول إلى المعلومات، في مقابل 9 صحافيين لم يطّلعوا على أي سياسة داخلية بهذا الموضوع.
كذلك، أظهر الاستبيان أنّ 9 صحافيين من أصل 12، يستخدمون المواقع الإلكترونية للإدارات والمؤسسات العامة كمصدر للمعلومات، بدرجات متفاوتة حسب نوع المعلومات التي يجري البحث عنها. في المقابل، 3 صحافيين لا يعوّلون على المواقع الإلكترونية كمصدر للمعلومات الاستقصائية. فيما يعتمد 3 صحافيين أحياناً على تلك المواقع كمصدر للمعلومات. وصرّح صحافيان آخران بأنّهما نادراً ما يستخدمان تلك المواقع كمصدر للمعلومات. وقد أظهر مسح المواقع الإلكترونية للإدارات العامة تجاهلها لما ينصّ عليه القانون حول ضرورة نشر بياناتها.